مفاهيم زوجية.. الرضا (أ)

ناولنا في الحلقات السابقة:

ونتناول في هذه الحلقة:

من المؤكد أنه لا يمكن أن يطابق زوجي كل ما أتمناه فيه، فإنني في المقابل لا أطابق كل ما يتمناه فيّ؛ بل إن من سمات الدنيا عدم كمال النعمة بها؛ لذا مَنَّ الله على المؤمنين بكمال الدين وتمام النعمة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (الأنعام: 3)؛ لذا فمن الخطأ أن يرتبط مفهوم الرضا على الزوج بمثالية أن يتوافق مع أتمناه منه؛ ما يجعلني غير راض عنه، ويؤثر عدم الرضا عن الزوج سلبا في كل العلاقات الزوجية، إلى أن يدمرها تماما.

أولا- بعض سلبيات عدم الرضا عن الزوج:

  1. عدم الموضوعية: يؤثر عدم الرضا على الزوج في موضوعية التقييم؛ فيطمس، ويتجاهل محاسنه ويبالغ في سلبياته، يقول الشافعي رضوان الله عليه:

وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ *** وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

  1. التوتر والاضطراب: للأسف نتيجة لعدم الرضا الزوجي تسوء الحالة النفسية لكلا الزوجين؛ لأن الزوج يستشعر هذه النظرة السلبية من زوجه، وأنه غير راض بارتباطه به؛ فيضطرب المزاج العام بالبيت وتسوده حالة من التوتر والتوجس.
  2. عدوى عدم الرضا: من الطبيعي أن يكون رد فعل الزوج غير المرضي عنه مبادلة زوجه أيضا بعدم الرضا، وينزلق الزوجان في دوامة من تجاهل المحاسن وتعظيم السلبيات، وتذكر تصرفات سلبية عفَّى عليها الزمان واسترجاع مرارتها، وإحداث ترابط بينهما دون أي علاقة سببية وإرجاعها بسوء الظن إلى نيات شريرة ووو.
  3. طمس الإبداع: نتيجة حالة عدم الرضا الزوجي فلا يبدي أي من الزوجين رغبة في تطوير أو إبداع في علاقاتهما، بل عادة ما يقلصان علاقاتهما، ما يؤدي إلى الفتور والسأم.
  4. التنامي السلبي: قد لا يبدى الزوج الذي يعاني من عدم الرضا رغبته في العلاج، متعللا بأن الأمور تسير وأنه محبط وغير متفائل باستجابة زوجه، وأنه حاول مرة وفشل وأنه متعايش مع معاناته! وهذا خطأ خطير، لأنه هناك فرق كبير بين زوجين رضيا كل منهما بزوجه بكل صفاته الشخصية وتصرفاته التي يسعيان معا للارتقاء بها؛ فيرتقيان معا في علاقاتهما، وبين زوجين أبدى أحدهما عدم الرضا عنه فبادره الآخر بعدم رضاه به، مما أثر سلبا على علاقاتهما؛ فهما ينحدران في سلسلة من الأفعال وردود الأفعال السلبية…
  5. الجفاء العاطفي والصمت الزواجي: إن عدم الرضا يولد إحساسا ملازما من العوز العاطفي، نتيجة عدم التفاعل مع مبادرات الزوج أو الصد، مما يصيب الطرف الآخر بالإحباط؛ فتنتقل إليه عدوى عدم الرضا. وينتقل الجفاء من علاقة الزوجين العاطفية إلى سائر العلاقات، وقد يتطور الأمر إلى تبادل الرسائل عبر الأولاد أو وسائل التواصل الاجتماعي!
  6. العلاقة الخاصة: للأسف بدلا من أن توظف العلاقة الخاصة في بعث الحيوية في باقي العلاقات، فكثيرا ما تتأثر سلبا بحالة عدم الرضا، رغم أن الزوجين راضيان عن علاقتهما الحميمية، وأن حالة عدم الرضا قد تكون نتيجة لخلافات مالية أو مع الأهل أو أخلاقيات التعامل من ألفاظ غير مناسبة مثلا.

ثانيا خطأ التعامل مع عدم الرضا الزوجي:

بدلا من التقييم الموضوعي للرضا الزوجي، فللأسف كثيرا ما يندفع الأزواج إلى ردود أفعال عشوائية غير مدروسة مثل الطلاق أو/ تحويل البيت إلى صراع محطما ذاته وزوجه والأولاد أو يفضح زوجه سواء على مستوى العائلة أو الأصدقاء والجيران، وقد يمتد ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

نتيجة لعدم الرضا الزوجي تسوء الحالة النفسية للزوجين لأن الزوج يستشعر النظرة السلبية من زوجه وأنه غير راض بارتباطه به فيضطرب المزاج العام

ثالثا كيف أتعرف على معيار الرضا عن زوجي؟ أو بمعنى أدق: كيف أقيم علاقتنا الزوجية؟

يجب التهيئة الإيمانية والنفسية والعقلية لهذا المحطة المهمة جدا في حياتي الزوجية، بالاستعدادات التي تمكنني من القيام بها بما يرضي الله حتى لا أبخس حق زوجي، وحتى يكون للقرارات المترتبة عليها أثر طيب في ديني ودنياي، ومن هذه الاستعدادات:

يجب على الزوج أن يخلص النية في هذا العمل حتى يمن الله عليه بالتقييم المناسب، ويكون سببا في التعرف على نعمة الله عليه بزوجه أو المفارقة بإحسان، وأن تكون نيته التعرف على فضل ومحاسن زوجه، وإحسان الظن حتى في التصرفات السلبية حتى يمنحه الله البصيرة، ولا تكون نيته سرد مسالب زوجه والظن السيئ والخوض في نيته.

الابتهال إلى الله العليم بذات الصدور الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة، أن يوفقه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة مع زوجه، والاستعاذة من لمز الشيطان وهمزه ووسوسته.

يحذرنا المولى عز وجل من التطفيف واتباع الهوى “ويل للمطففين” والله يعلم أن التطفيف المعنوي قد يكون أخطر من التطفيف المادي؛ فلا يكن الهدف إعطاء مبرر للظلم أو التجاوز.

حالة عدم الرضا قد تكون نتيجة لخلافات مالية أو مع الأهل أو أخلاقيات التعامل من ألفاظ غير مناسبة مثل

من المهم قبل بدء التقييم التوجه إلى الله وصلاة ركعتين طلبا لهدايته وأن يعينه على معرفة محاسن زوجه قبل سلبياته.

من الخطأ أن يبدأ التقييم وهو منفعل نتيجة تصرف سلبي من زوجه أو الأولاد أو حتى لديه مشكلة بالعمل، بل يجب أن يكون في حالة من التوازن والاستقرار النفسي، بل والأهم أن يكون على صلة بالله: استيقظ فقام وصلى ركعتين لله أو صلى الفجر وظل في مصلاه حتى الشروق أو كان صائما.

من الخطأ التسرع ومحاولة إنهاء التقييم في جلسة واحدة؛ لذا يجب أن يتم ذلك على جلسات، ويعاد النظر والتقييم حتى بعد الانتهاء عدة مرات:

هذه الميزة لها قيمة خاصة لدي؛ بحيث تصعب استمرارية الزواج بدونها، مثال أنا سريع الاستثارة والغضب، وكثيرا ما أصل إلى حالة الانغلاق العقلي، وزوجي حليم الخلق يحسن التعامل مع حالتي حتى ولو كنت أنا المخطئ؛ ما يذهب عني بفضل الله هذه الحالة المرضية، وأهدأ ويشرح لي حقيقة الأمر فأعتذر.

إن الحلم خلق طيب يتمناه كل زوج في زوجه، لكنه قيمة عظمى للزوج سريع الغضب، وبدونه سيتحول البيت إذا استمر لوقت ما إلى ساحة من الصراعات المدمرة.

 

أمعن القلب والعقل في التعرف على سمات زوجي، وأسردها، منذ التعرف عليه.

أرتبها تنازليا طبقا للأهمية النسبية لي.

يمكن التعرف على مساوئي أولا مما يقوله عني زوجي! قد يقول قائل: هذا غير حقيقي، نعم قد يكون ما يقوله زوجي عني غير حقيقي، لكن يجب البدء به!

قد ينشغل الزوج ببناء المتطلبات المادية للأسرة فيقصر بالتواصل العاطفي الحميمي والهدايا لزوجته فتظن أن الفتور والملل قد شابا زوجهما

هناك فرق بين حقيقة سلوكي وما يراه زوجي عن هذا السلوك، فمن المؤكد أن القيمة ليست في السلوك، لكن في الرسالة التي وصلت زوجي من هذا السلوك. للأسف قد ينشغل الزوج ببناء المتطلبات المادية للأسرة، فيقصر في التواصل العاطفي الحميمي أو الهدايا الخاصة لزوجته؛ فتفهم الزوجة ذلك أن الفتور والملل قد شابا زوجهما؛ فيكون رد فعلها سلبيا بدلا من أن تجذب زوجها لها، فتتهمه بالضعف الجنسي أو البخل العاطفي أو المادي أو أنه على علاقة بأخرى…

 إن اتهام الزوج لزوجته بأنها لا تقدر مجهوده أو أنها سيئة الظن أو إنها تتطاول عليه… هذا ظلم من الزوج لزوجته؛ لأنه هو الذي ظلم نفسه وزوجه.

بالإضافة إلى أن كل إنسان أعلم بمناقصه وسلبياته فيجب سردها.

أسرد مثالب زوجي الحالية فقط، ولا أسترجع أي ذكريات سلبية، أتعجب من زوج بعد سنوات تتضمن شكواه عن زوجه أنه أثناء فترة الخطبة أو منذ عام حدث كذا وكذا، وكنت أتوقع فعل كذا وكذا؛ مما يضاعف من سلبية الصورة الذهنية عن الزوج.

يجب التفريق بين المثالب التي تكون رد فعل لخطأ مني؛ أي أنني السبب في دفع زوجي للخطأ، وعليه يمكن أن أجنب زوجي الخطأ لو لم أبدأ أنا بالخطأ؛ بمعنى آخر: هل كان من الممكن أن أمنع زوجي من خطئه؟

ما دوري في خطأ زوجي؟ هل بذلت جهدا لعلاجه؟ هل رد فعلي على خطئه يقلل من الآثار السلبية لخطئه؟ أم أزيد النار اشتعالا؟…

وإن شاء الله نتناول في اللقاء القدم الآثار المترتبة على التقييم.

 

——

استشاري تربوي وعلاقات أسرية، مستشار البحوث بمجلس الوزراء الكويتي سابقاً.

 (للتواصل:  y3thman1@gotmail.com  +14169973277)

Exit mobile version