مفاهيم زوجية.. العلاقة المالية

 

تناولنا في الحلقات السابقة:

– إخلاص النية لله في زواجي.

– هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟

– القوامة.

– “.. هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ..”.

– علاقة الزوج بأهل زوجه.

– ماهية الزواج.

– الشفافية.

– بيت الزوجية.. بيت من؟

– المبادرة والاعتذار.

– الحقوق والواجبات

العلاقات الزوجية.. 1- العلاقة الخاصة.

ونتناول في هذه الحلقة:

العلاقات الزوجية.. 2- العلاقة المالية.

من واقع ما يرد إلينا من مشكلات زوجية، تمثل العلاقة المالية نسبة عالية من هذه المشكلات، وهي مشكلة ارتبطت بعمل المرأة، والذي أصبح للأسف ضرورة عصرية كما يعتقد البعض. ولست بصدد مناقشة الأثار السلبية لعمل المرأة في مجتمعاتنا العربية والتي تصل نسبة البطالة الفعلية بها إلى معدلات قياسية على المستوى العالمي، ولكنني سأركز فقط على العلاقة المالية من المنظور الفقهي وتأثيرها على العلاقة الزوجية.

وحيث إنني غير متخصص فقهيا، فسأنقل خلاصة أبحاث مجمع الفقه الإسلامي الدولي في ذلك، وسأتناول قيمة وأهمية هذه العلاقة على الزوجين.

أولا العلاقة المالية بين الزوجين من المنظور الفقهي:

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34)، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

– “إِذَا أنْفَقَ الرَّجُلُ علَى أهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهو له صَدَقَةٌ”(1).

-“دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ؛ أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ”(2).

وقد أجمع الفقهاء على وجوب إنفاق الزوج على زوجته من وقت العقد عليها، وهو فرض عين عليه مهما كانت درجة يسرها، وهو مـأجور على ذلك، وقد علل الله عز وجل قوامة الرجل بالإنفاق، ويقول العلماء إن الزوج الذي لا ينفق على زوجته تسقط قوامته عليها، كما يسقط الإنفاق عن الزوجة الناشز.

وكما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “.. ومَهْما أنْفَقْتَ فَهو لكَ صَدَقَةٌ، حتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا في فِي امْرَأَتِكَ..”(3)، الإحسان في النفقة، بمعنى أنه رغم فرضية إطعام الزوج زوجته، إلا أنه من الإحسان إليها هو التلطف بها وإطعامها، يقول الله عز وجل: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60).

تشمل النفقة كل متطلبات الحياة الكريمة من مسكن وغذاء وعلاج ومركب وتعلم وترويح في حدود قدرة الزوج المالية دون إسراف أو تقطير.

انتهى قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي(4) في دورته السادسة عشرة المنعقدة في دبي عام 1426هـ/ 2005م في بيان العلاقة المالية بين الزوجين إلى ما يلي:

أولًا: انفصال الذمة المالية بين الزوجين:

للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها.

ثانيًا: النفقة الزوجية:

تستحق الزوجة النفقة الكاملة المقررة بالمعروف، وبحسب سعة الزوج وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعًا، ولا تسقط هذه النفقة إلا بالنشوز.

ثالثًا: عمل الزوجة خارج البيت:

1- من المسؤوليات الأساسية للزوجة رعاية الأسرة وتربية النشء والعناية بجيل المستقبل، ويحق لها عند الحاجة أن تمارس خارج البيت الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها واختصاصها بمقتضى الأعراف المقبولة شرعًا مع طبيعتها واختصاصها بشرط الالتزام بالأحكام الدينية، والآداب الشرعية، ومراعاة مسؤوليتها الأساسية.

2- إن خروج الزوجة للعمل لا يسقط نفقتها الواجبة على الزوج المقررة شرعًا، وفق الضوابط الشرعية، ما لم يتحقق في ذلك الخروج معنى النشوز المُسقط للنفقة.

رابعًا: مشاركة الزوجة في نفقات الأسرة:

1- لا يجب على الزوجة شرعًا المشاركة في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء، ولا يجوز إلزامها بذلك.

2- تطوع الزوجة بالمشاركة في نفقات الأسرة أمر مندوب إليه شرعًا لما يترتب عليه من تحقيق معنى التعاون والتآزر والتآلف بين الزوجين.

3- يجوز أن يتم تفاهم الزوجين واتفاقهما الرضائي على مصير الراتب أو الأجر الذي تكسبه الزوجة.

4- إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقات إضافية تخصها فإنها تتحمل تلك النفقات.

خامسًا: اشتراط العمل:

1-يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت، فإن رضي الزوج بذلك ألزم به، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة.

2- يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد إذنه به إذا كان الترك في مصلحة الأسرة والأولاد.

3- لا يجوز شرعًا ربط الإذن (أو الاشتراط) للزوجة بالعمل خارج البيت مقابل الاشتراك في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء أو إعطائه جزءًا من راتبها وكسبها.

4- ليس للزوج أن يُجبر الزوجة على العمل خارج البيت.

سادسًا: اشتراك الزوجة في التملّك:

إذا أسهمت الزوجة فعليًّا من مالها أو كسب عملها في تملك مسكن أو عقار أو مشروع تجاري، فإن لها الحق في الاشتراك في ملكية ذلك المسكن أو المشروع بنسبة المال الذي أسهمت به.

سابعًا: إساءة استعمال الحق في مجال العمل:

1- للزواج حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين، وهي محددة شرعًا وينبغي أن تقوم العلاقة بين الزوجين على العدل والتكافل والتناصر والتراحم، والخروج عليها تعدٍ محرم شرعًا.

2- لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه إذا كان بقصد الإضرار، إلا إذا ترتب على ذلك مفسدة وضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه.

3- ينطبق هذا على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الإضرار بالزوج أو الأسرة أو ترتب على عملها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه.

ثانياً: أثر العلاقة المالية على الزوجين:

من خلال ما يرد إلينا من استشارات، يمكنني أن أؤكد أن العلاقة المالية بين الزوجين إما أن تكون سبباً مؤثراً للتعبير عن الحب والامتنان أو تكن أم المشكلات، ودعني أعلنها صراحة أن طمع الزوج في مال زوجته هو الأكثر سبباً في ذلك، والسبب الثاني وهو الأقل سبباً هو شح وبخل الزوجة، فقليل من الأزواج من يعف نفسه عن مال زوجته، وكذلك قليل ما هن من تكرم زوجها بمالها عن طيب نفس.

إن الاتفاقات المالية بين الزوجين -على الأغلب وأؤكد الأغلب للأسف- تأخذ شكل الصراعات القميئة، بحيث يصعب تخيل أن هذا ممكن أن يحدث بين زوجين! وسأعطي بعض الأمثلة ولا تعتقد أيها القارئ الكريم أنها نماذج شاذة، هي متكررة.

– عضل الزوجة حتى تزيد من إنفاقها وقد يصل ذلك إلى مساومتها على حقوقها في الاستمتاع الشرعي بزوجها، قالت إحداهن: “بدفع الثمن عندما أرغب”، وقد يكون العضل سوء معاملة، قالت أخرى: أشتري كرامتي واتقي شره.

– زوج يبالغ إلى حد الإسراف في الإنفاق على أهله، وآخر يوجه كل دخله إلى الاستثمار بحجة عمل مستقبل للأولاد، مما تضطر معه الزوجة إلى القيام بنفقات البيت.

– زوجة رغم ضيق حال زوجها والذي يعف لسانه أن يطلب مشاركتها، إلا أنها تكنز مالها دونه رغم سخائها على نفسها وأهلها.

دائماً أشير إلى أن يتفق الخطيبان على شكل العلاقة المالية بينهما وبوضوح كامل دون أدنى لبس، وبالشكل والتفصيل الذي لا يمكن أن يؤول أي منهما الاتفاق على هواه مستقبلاً، وأن يتم ذلك قبل العقد، قد يتحرج البعض من مناقشة العلاقة المالية في فترة الخطبة، ولكنني أؤكد أهمية ذلك، وأن يكون بين الخطيبين وليس مع ولي الفتاة، لأن في فترة الخطبة ليس هناك أي التزام وكل حر يعبر عن شروطه التي يرتضيها ويقبل أو يرفض شرط الآخر عن رضا.

اتصلت إحدى الفتيات وقد عُقد قرانها وأن راتبها 3 أمثال راتب زوجها ومستوى أسرتها المادي عال، وقد ألمح بعد العقد أن عليه ديوناً، وأن عليه التزامات تجاه عائلته، وأفادت أنه أثناء بحثهم عن مسكن الزوجية، لاحظت أن زوجها يبحث في منطقة سكنية راقية، ثمن الإيجار بها ضعف راتبه! سألتها ألم تتناقشا في تنظيم علاقتكما المالية؟ أفادت بأنها خجلت من ذلك! قلت لها: عليك الآن مناقشة ذلك، واتخاذ قرارك بشرط أن تكوني مقتنعة وراضية وسعيدة بذلك، وحذرتها من قرار الاضطرار.

رؤيتي لحل هذه المعضلة:

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) هناك آثار سلبية مدمرة لعمل المرأة سواء على العلاقة بالزوج أو الأولاد أو قيم وأخلاق المجتمع المسلم، يستثنى من ذلك ضرورة عمل الطبيبة والمدرسة وحائكة الملابس وكل ما تحتاجه المرأة. تعمل في هذه المهن وضمن الضوابط الشرعية من لم تتزوج أو المتزوجة ذو القدرات الفائقة والتي تستطيع أن تقوم بواجباتها كزوجة وأم.

من ابتلي بزوجة لها مال، فعليه أن يعف نفسه عن التطلع إلى مشاركتها أو النظر إلى مالها، وأن يقوم بواجباته المالية تجاه زوجته وأولاده طبقا لطاقته المالية، دون أن يلمح لزوجته، فإن طابت نفسها عن شيء من مالها فهنيئا له.

وعلى الزوجة التي من الله عليها بمال أن تكرم زوجها العفيف ولا تجرج حيائه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي”(5)، رغم أن ظاهر الحديث عن الزوج وحثه على أن يكون أكثر خيرية مع أهله، إلا أن الآية الكريمة: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) تشير إلى تساوي الحقوق والواجبات للأزواج -إلا ما اختص به- لذا فإنه من حسن العشرة أن تخص الزوجة زوجها بالخيرية كما يخصها هو بالخيرية.

من الناحية النفسية والحياة باطمئنان وسكينة لا يمكن المقارنة بيت بيتين:

البيت الأول يجلس فيه الزوجان لمناقشة الأعباء المالية وتوزيعها بينهما، وكل منهما يحاول أن يتملص بقدر ما يستطيع ويحمله على زوجه.

والبيت الثاني يبذل الزوج جهده للوفاء بكل الأعباء المالية، ويتقرب لله بذلك، ولا يضع أي مساهمة من زوجته في حساباته، وزوجة تسابق زوجها لتخفيف الأعباء المالية عنه حتى يسعدا معاً.

من واقع خبرتي فيما يعرض علينا من مشكلات، للأسف الشديد فإن الاتفاقات المالية الزوجية، أفقدت الزوج متعة الإحساس بالمسؤولية المالية ن زوجته، نعم إحساس رائع أن تشعر بأنك تكفل زوجتك بكل ما تحتاجه ماليا دون إسراف أو تقطير. وأنا متأكد إن رغم سعادة الزوجة مهما بلغ ثرائها بإنفاق زوجها عليها بما يقدر، إلا إن سعادة الزوج بالإنفاق على زوجته تفوق سعادتها.

 

 

 

 

 

 

_____________________________

(1) أبو مسعود عقبة بن عمرو، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 55، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

(2) أبو هريرة، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 995، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

(3) سعد بن أبي وقاص، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5354، صحيح. 

(4) https://iifa-aifi.org/ar/2174.html

(5) المصدر: فتح القدير 635/1، صحيح.

 

 

(*) استشاري تربوي وعلاقات أسرية، مستشار البحوث بمجلس الوزراء الكويتي سابقاً.

(للتواصل:  y3thman1@gotmail.com  +14169973277)

Exit mobile version