مفاهيم زوجية.. المبادرة والاعتذار

 

تناولنا في الحلقات السابقة:

إخلاص النية لله في زواجي

هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟

القوامة

“.. هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ..”

علاقة الزوج بأهل زوجه

ماهية الزواج

الشفافية

بيت الزوجية.. بيت من؟

ونتناول في هذه الحلقة: المبادرة والاعتذار

المبادرة:

في إحدى المشكلات التي عرضت علينا، كان الوضع متشابك التعقيد بين الزوجين، وكل منهما يطرح الطلاق كحل وحيد للخروج من أزمته بعد زواج سنة! وفي جلساتي مع كل زوج على حدة، وجدت أن الطريقة المثلى هي التعرف على التصرفات لكل زوج بالراجع، وكم كانت المفاجأة بتفاهة سبب هذا الشقاق بين الزوجين! كان الزوج هو الذي يبادر دائماً وكانت الزوجة تلبي على أحسن وجه، ليس فقط في العلاقة الحميمية ولكن في كل حياتهما منذ فترة الخطبة، لكن قرر الزوج اختبار زوجته؛ فتعمد عدم المبادرة؛ فلم يجد أي تفاعل، وفوجئت الزوجة بسلبيته، فانكفأت على ذاتها؛ ما زاد الزوج حنقاً عليها، وتبادلا التصرفات السلبية، إلى أن تعقدت الأمور ووصلت بهما إلى طلب الطلاق!

نقصد بالمبادرة أن يتنافس ويتسابق الزوجان في الإسراع بالتصرفات والأفكار الإبداعية التي توطد وتدعم التواصل بينهما في كل علاقاتهما؛ فالزوج الذي يحرص على المبادرة له بفضل الله تعالى الأجر والثواب منه سبحانه، ومن المؤكد أن كل زوج ينتظر من زوجه أن يبادله المبادرة؛ فيبدع كل زوج في إسعاد زوجه حتى ينعما بفضل الله بالمودة والرحمة، ولكن قد يُبتلى الزوج بزوج بليد الحس؛ فعليه أن يولد الدوافع لديه، ويتيح له فرصة المبادرة؛ فيطرح عليه عدة أفكار، ويطلب منه تنفيذ ما يستحسن منها، وأياً كانت النتيجة فعليه الصبر وأن يحمد الله تعالى أن وفقه لأن يكون مبادراً.

إن المبادرة ليست كشف حساب بنكي؛ كم بادرت أنا وكم بادر زوجي؟ بل هي عطاء بطيب نفس لمن استطاع؛ فقد يمر الزوج بأزمة ما تحول بينه وبين –حتى- حسن الاستجابة لمبادرات زوجه؛ فعلى زوجه مضاعفة مبادراته وأن يحيط زوجه ببوتقة من الحب والرعاية المضاعفة مهما كانت ردوده السلبية، إلى أن يتعافى فيعوضه خيراً مما بذل.. هذا هو كنه المودة والرحمة؛ حيث تعلو قيمتها بين الزوجين في الشدائد عنها في المسرات.

إن المبادرة لا تعني انتظار تصرف حسن من زوجي فأبادله بأحسن منه، لكن المبادرة هي المسارعة إلى أحسن التصرفات والأقوال للزوج؛ فيستثير فيه الخير ويطلق طاقاته الطيبة لينعما بفضل الله بالمودة والرحمة.

وعلى الزوجين أن يدركا أن المبادرة بإحسان كل منهما لآخر من الأعمال الصالحة، طلباً لمرضاة الله، يقول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)، وقال عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد: 21).

الاعتذار:

كثيراً ما يحدث بين الزوجين أن يرى أحدهما أن زوجه قد استاء من تصرفه، فعليه أن يبادر إلى الاعتذار إن أدرك أنه أخطأ في حق زوجه، أو يبين له أسباب تصرفه؛ فيصرف ما به من كدر؛ فتجاهل استياء الزوج من تصرف زوجه قد يترتب عليه للأسف تراكمات وقناعات قد لا تخطر ببال الذي تجاهل الموقف، منها “أنه تعمد إهانتي”، “لم يهتم بمشاعري”.. وتكون النتيجة رد فعل سلبياً مضاعفاً من الزوج الذي شعر بالإساءة، وهكذا يضاعف الشيطان والنفس؛ فيشتعل الموقف بين الزوجين، مع أنه كان يمكن أن يتلاشى لو اعتذر الزوج المسيء لزوجه أو أضح له الأمر واسترضاه.

إن الفهم الخاطئ للاعتذار بأنه إهانة أو تقليل من الذات أو إهدار للكرامة.. كل تلك التبريرات الشيطانية هي التي تحول بين المخطئ والاعتذار، هذا إذا ما اقتنع المخطئ بخطئه، ولكن المشكلة حين يلبس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء الأمر على الزوجين؛ فيتصور كل منهما أنه على صواب، وأن زوجه هو الذي قد أخطأ في حقه! هنا تأتي قيمة المبادرة بالاعتذار خروجاً من الموقف المتأزم وليس حلاً للمشكلة!

إذا ما ناقش الزوجان أسباب المشكلة ومن المخطئ، وهما في حالة الشحن السلبي؛ فبالتأكيد سيشعل الشيطان الموقف وتتعقد العلاقة بينهما، لكن الزوج الذي يبادر بتطييب خاطر زوجه، ليس معناه أنه هو المخطئ؛ بل معناه أنه هو الأكرم والأسمى خلقاً وحكمة، ثم بعد أن يخسأ الشيطان، وتهدأ النفوس يسهل الوصول لحل المشكلة، وقد يكون الزوج الذي بادر بتطييب خاطر زوجه هو صاحب كل الحق ويعتذر له زوجه.

إن الاعتذار ليس معناه فقط القول: “أنا آسف، وأعتذر عن خطئي”؛ بل إن أي مبادرة طيبة من الزوج المخطئ هي اعتذار ضمني، ويجب على الزوج أن يحفظ حياء زوجه، وقد يكون الاعتذار نظرة امتنان أو حرج من الوقوع في الخطأ.

أيضاً من المهم التغافل وعدم عقد محكمة على كل صغيرة أو كبيرة، وكما أؤكد أن على الفتى والفتاة في مرحلة الخطبة التفحص والتدقيق في كل التصرفات، حتى إذا ما استشار واستخار وقبل أو اعتذر؛ فيكون على بينة من أمره، لكن بعد الزواج يجب أن يكون التغافل والتماس الأعذار هو أساس بناء بيت تسوده المودة والرحمة.

 

 

 

 

 

 

 

___________________________________

استشاري تربوي وعلاقات أسرية، مستشار البحوث بمجلس الوزراء الكويتي سابقاً.

(للتواصل: y3thman1@gotmail.com  +14169973277)

Exit mobile version