/tmp/xdxpj.jpg أعداء الحياة الزوجية – مجلة المجتمع الكويتية

أعداء الحياة الزوجية

تعتبر الأسرة الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وقد اعتنى الشارع ببسط أحكامها من خلال قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19).

والزواج في الإسلام ليس مسألة فردية، بل له بعد اجتماعي وإنساني وتربوي، ومن ثم الاعتناء التام والتحصين المحكم لحماية الأسرة من التفكك والفرقة له الأولوية لسد الخلل واستدراك الأخطاء التي وقعت من غفلة الوالدين، والاستعمال الخاطئ للأجهزة الإلكترونية من قبل الأبناء، مع ضعف الوازع الديني والثقافة الشرعية.

فكم من بيوت ذهبت عنها السعادة رغم أن الزوجين بذلا وسعهما لتحقيقها، لكنهما وقعا في أخطاء أذهبت جهودهما سدى.

فمن هذه الأخطاء، وهي أعداء الحياة الزوجية:

العدو الأول: إفشاء الأسرار:

البيوت أسرار وهي أمانة يجب أن نحافظ عليها. البيوت ليست محل للثرثرة أو الفضفضة للأصدقاء أو حتى للأرحام، إلا في حالة الضرورة فقط وبإذن الزوجين.

ولا يظن أحد أن من يفشي سر بيته لصديقه أو قريبه أنه سيحفظ سرك الذي ضاق به صدرك، وصدق الشاعر حين قال:

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه              فصدر الذي يستودع السر أضيق

 وفوق هذا وقبله، فإن حفظك لسر بيتك مطلب شرعي يتعبد به المرء ربه سبحانه. فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْلُوَ بِأَهْلِهِ، يُغْلِقُ باباً ثُمّ يُرْخي ستراً ثُمَّ يَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ إذَا خَرَجَ حدّث أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. أَلَا عَسَى إحْدَاكُنَّ أَنْ تُغلق بَابِهَا وتُرخي سَتْرُهَا فَإِذَا قَضَتْ حَاجَتَهَا حدّثت صَوَاحِبَهَا). فقالت امرأةُ سعفاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. فقال: (فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شيطانةً عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا [1])، وفي رواية: (وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ [2]).

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من كشف الأسرار وتسريب الخلافات الزوجية فقال: (أَنَّ مَنْ أَشَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُل يُفْضي إلَى امْرَأَتِهِ وتُفضي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا [3]).

تقول إحدى الأمهات: تزوجت ابنتي منذ عشر سنوات، ما اشتكت إليَّ ولا إلى والدها من زوجها قط. لم تخبرني أبداً عن مشكلة إلا بعد حلها. غاية ما كانت تطلبه مني الدعاء. حتى أنني كنت أعرف أنها تواجه مشكلة عندما تلح عليّ في طلب الدعاء.

أعظمها: العلاقة الخاصة بين الزوجين.

ثم: الخلافات بين الزوجين.

ثم: خصوصيات البيت.

أما الأول: العلاقة الخاصة بين الزوجين:

فهذه يجب أن تكون في بئر عميق داخل النفس، وقد مرَّ علينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُل يُفْضي إلَى امْرَأَتِهِ وتُفضي إلَيْهِ)، والإفضاء: أن يصل إليها بالمباشرة والمعاشرة، كما قال الله تعالى: (وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ [4]).

والثاني: الخلافات بين الزوجين:

الخلافات الزوجية أمر طبيعي يكاد لا يخلو منها بيت، لكن إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، بحيث تكون الخلافات مستمرة يومياً، يكون الحل بالآتي:

والثالث: خصوصيات البيت:

لا يجوز نشرها حتى لا تصبح الأسرة كتاباً مكشوفاً أمام الآخرين أو نشرة أخبار. قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [5]).

كانت امرأة نوح تطلع سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به. وكانت امرأة لوط إذا أضاف لوط أحدا أخبرت أهل المدينة ممن يعمل السوء. أي ليأتوا فيفعلوا بهم الفاحشة [6]. وعن الضحّاك قال: ما بغت امرأة نبيّ قط (فخانتاهما)، أي في الدين لا في العرض.

تدخل أهل الزوج وأهل الزوجة

من أهم أسباب زيادة حجم المشكلات، تدخل الأهل. خاصة إذا كان الزوجان حديثي الزواج فلا ينبغي أن يكون الأهل أوصياء أو محامون للزوج أو الزوجة. ولا يسمح لهما بالتدخل، إلا ذا طلب الزوجان معاً لهذا التدخل.

أهمية الحكمان

قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [7]).

قال تعالى: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).

العدو الثاني: نكران المعروف:

مع مرور الأيام تبدي بعض الزوجات وكذلك الأزواج، التسخّط والتذمر من الحياة الزوجية التي كانت في الأيام الأولى من الزواج فياضة بالحب والحنان. حتى يصل الأمر إلى استصغار كل جهد فيه معنى العطاء والتعاون والتكافل، ومع كثرة التسخط يغيب الإحساس بالرضا والقناعة.

قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مِنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ [8]). وقال صلى الله عليه وسلم: (اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [9]).

القناعةُ علامةٌ على الرضا بقدر الله، كما أنها تهوّن صعوبة الحياة.

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُريت النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ يَكْفُرْن. قِيل: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَال: يَكْفُرُون الْعَشِير، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئاً، قَالَتْ مَا رَأَيْت مِنْكَ خيراً قَطّ [10]).

وقد ترد الزوجة بأن ما يفعله الزوج إنما هو واجب عليه لا يحتاج إلى شكر، فلا شكر على واجب. لكن الحقيقة أن حاجة النفس البشرية إلى التقدير، حاجة فطرية. وهذا من الشكر لله تعالى.

العدو الثالث: المن بين الزوجين:

ليس هناك أثقل على النفس، وأضيَع للعمل من المن بين الناس، فالمنان ينسى فضل الله فيما عمل وينسبه لنفسه، ويتخلى عن الإخلاص الذي هو شرطٌ لقبول العمل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فَقُلْت: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ قَال: الْمُسْبِلُ إزَارَهُ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ [11]).

والمنان: الذي يَمُنَّ بما أعطى.

قال ابن عباس – رضي الله عنهما –: لا يتمُّ المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله وتصغيره وستره، فإذا عجّلتهُ هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته أتممته.

فالمن من أحد الزوجين على الآخر، مؤشر على أن العلاقة بينهما في خطر، إذ غالباً ما يحمل المنان شعوراً بالتفوق أو بالظلم أو بالفضل، وكلها مشاعر سلبية في العلاقات الزوجية.

العدو الرابع: سوء الظن:

حضت الشريعة على الثقة واجتناب سوء الظن بين الزوجين، فالغيرة إذا كانت زائدة عن الحد، تكون شكاً واتهاما.

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: كان فتىً منّا حديث عهد بُعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك سلاحك، إني أخشى عليك قريظة. فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمةً فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش [12]).

بعض الأزواج مريض بمرض الشك المر، الذي يحيل الحياة الزوجية إلى نكد لا يطاق، ويحول استقرار البيوت إلى بركان محموم، فلا يصح أن يسيء الرجل الظن بزوجته، وليس له أن يُسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها، وهي كذلك.

الحياة الزوجية نعمة قبل أن تكون مسؤولية، والحياة الزوجية أمانة قبل أن تكون تكليف، فالحياة الزوجية من أعظم آيات الله، فلنحافظ عليها.

قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [13]).

 

 

 

 

 

 _____________________________________________________________

[1] – الترغيب والترهيب للمنذري 3/127، والحديث له شواهد تقويه.

[2] – سنن أبي داود 2/627، وهو في صحيح الجامع 7037.

[3] -رواه مسلم 4/157.

[4] – سورة النساء 21.

[5] – سورة التحريم 10.

[6] – تفسير ابن كثير 8/198.

[7] – سورة النساء 35.

[8] – أبو داود 4811، صحيح الألباني.

[9] – الترمذي 2513.

[10] – البخاري 29، ومسلم 907.

[11] – أخرجه ابن ماجه 2208، وصححه الألباني.

[12] – مسلم 2236 – 2894.

[13] – سورة الروم 21.

Exit mobile version