مفاهيم زوجية.. القوامة

 

تناولنا في الحلقات السابقة: إخلاص النية لله في زواجي، هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟

ونبدأ في هذه الحلقة بتناول بعض المفاهيم الزوجية ومع أول هذه المفاهيم، وهو:

القوامة

إن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، وقد حدد الشارع الحكيم ضوابطه، حتى تسير سفينة الأسرة المسلمة بعيدة عن أهواء النفس وغواية الشيطان، وكلف الرجل بالقوامة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهم} (النساء: 34). يقول علماء اللغة: “قام بالأمر” يقوم” به “قياماً” فهو “قوام”.

ومن واقع ما يأتي إلينا من استشارات نرى أن الفهم الخاطئ لدى بعض الرجال لمفهوم القوامة يسبب العديد من المشكلات؛ فقد تكون شكوى الزوج -الذي وصل به الأمر إلى حافة الطلاق- أن “زوجتي لا تطيعني! أليس لي عليها حق القوامة؟”، عندما أسمع ذلك أعلم أن هذا الزوج فشل في أن يسوس حياته الزوجية وأنه لا يعلم من أمر حقوق وواجبات الحياة الزوجية غير أن يأمر فيطاع، وهذا هو فهمه القاصر للقوامة.

إن قوامة الرجل تكليف وليس تشريفا؛ فهو القائم والمسؤول عن زوجته من حيث حمايتها ورعايتها وتوفير أسباب الحياة الكريمة لها من مسكن وملبس وخادم وكل الأسباب المادية لمتطلبات الحياة طبقا لقدرته المالية، بالإضافة إلى الرعاية المعنوية من حب وحنان وعلاقة حميمية وتقدير واحترام وحسن العشرة بصفة عامة، {وعاشروهن بالمعروف}.

ومن القوامة ألا يضع الزوج زوجته في عوز، بل عليه أن يتلمس احتياجاتها ويلبي قبل أن تطلب، لأن الحياء قد يمنعها من المطالبة بحقها، خاصة ما يتعلق بالعاطفة والعلاقة الحميمية.

إن قوامة الزوج لا تعني أن يكون السيد الآمر الناهي المطاع، ويكون نسخاً من الدكتاتورية والاستبداد الذي دمر الأمة من مستوى الحاكم المستبد إلى مستوى الزوج.

فالقوامة بهذا المعنى ليست انتقاصاً من الزوجة، كما أنها ليست بسبب الجنس، فلم يقل المولى عز وجل: “الذكور قوامون”، بل قال: “الرجال”، لأن الأصل المساواة بين الجنسين إلا في أدوار الحياة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: 97)، وقد أشاد المولى بزوجة فرعون مصر وملكة سبأ، ومريم ابنة عمران.

من أسباب الفهم الخاطئ للقوامة:

تغليب الموروث البيئي على المقاصد الشرعية للأحكام:

سادت في عصور ما قبل الإسلام فكرة دونية الأنثى وعلو مكانة الذكر، ولم يقتصر ذلك على الجزيرة العربية بل إنه كان أسوأ منه في كل المعمورة، حتى القرن الحادي والعشرون لم يسلم من بعض أشكال التمييز ضد المرأة، وحتى يبرر الزوج استبداده يبرر ظلمه بتفسيره الخاطئ لآية القوامة.

عدم التدبر:

إن تدبر الآيات الكريمة التي تناولت الأنثى والذكر تبين أن الأصل المساواة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “النساء شقائق لرجال”، وعندما بين المولى عز وجل لآدم وزوجه عداوة إبليس لهما وحذرهما من أن يخرجهما من الجنة، خص آدم بالقول “فتشقى”، ولم يقل فتشقيا، لأنه هو المسؤول عن زوجه بقوامته عليها، {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: 117)، فإن قام بحق قوامته وجبت طاعته.

عدم اتباع الهدي النبوي:

لنا في سول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، لقد كان هينا لينا رفيقا بأهله، وكيف كان حلمه على سيدتنا عائشة رضوان الله عليها حينما كسرت الصفحة التي أرسلتها سيدتنا صفية أمام ضيوفه؟ جلس يجمع ما وقع من الطعام ويقول “غارت أمكم”؛ فعلى كل زوج أن يدرس ويتعلم من سيرته العطرة كيف كان زوجاً.

مقومات قوامة الرجل:

 إن الأصل أن تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على الفضل قبل العدل، وعلى الحوار والتفاهم وليس الأمر والنهي، وفي الوقت ذاته يجب ألا تتحول القوامة إلى نوع من ممارسة السلطة المطلقة، {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.

ولعل من أهم واجبات قوامة الزوج لزوجته دعوتها لطاعة الله وتيسير معرفة دينها مهتديا بالتوجيه الإلهي {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، وكم أتعجب من زوج لم يهتم بإلزام زوجته باللباس الشرعي، ثم يثير مشكلة أنها لم تطعه في أمر دنيوي مثل ترتيب المنزل أو إعداد طعام يحبه!

إن حق طاعة الزوج مرتبط بقيامه بحق زوجته في قوامته، وقد أفتى العلماء بأن الزوج الذي قصّر في نفقات زوجته رغم قدرته تسقط قوامته عليها، فمن المؤكد أن القوامة ليست فقط نفقة مادية بل هي منظومة شاملة ومتكاملة من المتطلبات المادية والمعنوية تكفل للزوجة حياة كريمة.

وأود التركيز على المتطلبات المعنوية التي تدخل ضمن قوامة الزوج، وعليه تلبيتها:

الحياة في معية الله:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول”، “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ،..”، “فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لكَ مِن أَنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ”، “خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي”، لذا فمن أولى أولويات القوامة أن يأخذ الزوج بيد زوجته إلى رحاب الله ويكون عونا لها على طاعته، فيحييا في معية الله.

الأمان النفسي:

إن شعور الزوجة بالأمان النفسي في حياتها الزوجية يعد من النعم الجليلة التي تحسبها الزوجة لزوجها، إن وفقه الله لها؛ فمعيشة الزوجة في مثلث التهديد والصراخ والتأنيب يحطمها نفسيا ويجعلها تتوجس من زوجها؛ لذا فإن من مقتضيات القوامة حرص الزوج على احتواء زوجته وإشعارها بالأمان النفسي في رحابه من خلال حسن الخلق وغض الطرف عن الهفوات والعفو عن الزلات، ويكون الهدف من أي معالجة لخطئها، هو ما هي الدروس المستفادة، وليس الانتقام.

الارتواء العاطفي والحميمي:

يعتبر الارتواء العاطفي والحميمي من خصائص العلاقة الزوجية، ورغم قيمة وأهمية باقي مقومات القوامة التي يمكن أن يكفلها للزوجة والدها إن عجز الزوج عنها، إلا أن الارتواء العاطفي والارتواء الحميمي للزوجة مرتبطان بعنق الزوج وحده؛ لذا فإن من قوامة الزوج ألا يضع زوجته في عوز وأن يراعي حياءها؛ حيث يستطيع بذكائه الوجداني أن يستشعر احتياجات زوجته؛ فلا يجعلها تعاني من العوز العاطفي أو الحميمي؛ حيث يمنعها حياؤها من التصريح بحقها.

حمايتها:

 قَالَ رسُول اللَّهِ ﷺ: “منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ”؛ فمن القوامة أن يحمي الزوج زوجته، وهنا أود التنبيه بل والتركيز على معنى “الحماية العامة”؛ فمن الطبيعي أن يحمي الزوج زوجته في الطريق العام، ولكن ما أود التنبيه إليه هو حمايتها من أي تطاول من جانب أهله؛ فليس من القوامة أن يقبل الزوج إهانة زوجته من أمه، بل وليس من البر بأمه أن يدعها تظلم نفسها بظلمها لزوجته، قال رسول الله ﷺ: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره”، هذا ليس معناه -أعوذ بالله- أن يتطاول على أمه مقتصاً لزوجته، بل عليه أن يتخذ من الأسباب ما يحمي به زوجته: مثل استقلالية المعيشة وعدم إقحام أمه في حياته الزوجية.. إلخ.

المشاركة:

إن شعور الزوجة بمشاركة زوجها في حياتهما يطلق طاقاتها الإبداعية، وشتان بين زوجة يراجعها زوجها فيما يعن له من أمر، وقد يفتح الله له برأيها آفاقا لم تخطر على باله، وأخرى همل رغم ما قد يوفره لها زوجها من أسباب المعيشة والرفاهية. وها هي سيدتنا أم سلمة أشارت على الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة صلح الحديبية “اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك..”، فأخذ بنصيحتها فتأسى به الصحابة وبفضل الله كان في رأيها الخير الكثير.

هذا ملخص لأهم مقومات القوامة، التي إن وفق الله الزوج للقيام بها فسيجد الأثر الطيب من حب ولين وطاعة زوجته؛ بل ستسعى بفضل الله إلى مرضاته عنها.

وفي النهاية هذه همسة في أذن الزوجة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت”، لذا على الزوجة أن تطيع زوجها وأن تساعده وتيسر له أمر القوامة وتكون لينة هينة وعونا له على أداء مسؤولياته.

 

 

 

____________________________

(*) استشاري علاقات زوجية وتربوية.

(يمكن التواصل من خلال: 0014169973277 واتس وفايبر وإيمو، y3thman1@hotmail.com).

Exit mobile version