المودة والرحمة قراري (1)

 

يمكن تعريف المودة والرحمة بأنها شعور بالأمان النفسي بالانتماء العائلي، وشعور بنظرة تفاؤل للغد واعتزاز بشريك حياتي.

والمودة والرحمة محصلة منظومة شاملة ومتكاملة من التفاعل والإشباع للاحتياجات الروحية والعاطفية والحميمية والعقلية والمالية والاجتماعية.

ورغم قيمة وأهمية السلام النفسي للزوجين اللذين أنعم الله عليهما بالتوفيق لحياة زوجية ترفرف عليها المودة والرحمة فإن هناك قيمة عظمى وهي المحضن التربوي السوي للأولاد؛ ففي كل لقاءاتي التربوية أؤكد على أن الخطوة الصفرية وأساس التربية الصحية هي شعور الأولاد بالأمان النفسي بأنهم نتاج زوجين تربطهما وشائج متينة، ويحيا الأولاد القيم والأخلاق من تعامل والديهم.

إن الأخلاق تُرضع ولا تُؤكل، وهنا تأتي قيمة دور المودة والرحمة ليس فقط في إشباع الأولاد الأخلاق ولكن في بناء شخصية سوية؛ حيث تشير الإحصائيات إلى دور البيئة النفسية في تنشئة الأولاد؛ حيث تمثل الاضطرابات الزوجية أكثر العوامل سلباً على انحراف النشء.

كما أن النزاعات الزوجية تفقد الأولاد الأمان النفسي وتصيبهم باضطرابات تؤثر سلباً.. ليس فقط على أخلاقهم وسلوكياتهم.. بل على كل مناحي حياتهم؛ بل أيضاً في مستقبل حياتهم الزوجية؛ حيث تفقدهم الثقة في المصدر الوحيد لأمانهم ودعمهم في طفولتهم ومثلهم الأعلى في حياتهم بصفة عامة.

كما أن مدى تمتع الزوجين بالاستقرار الأسري يؤثر على كفاءة النشاط المعنوي والمادي سواء داخل الأسرة من علاقات زوجية وتربوية أم خارجها في المجالات المهنية والاجتماعية والدعوية.

مفاهيم ضابطة

يعتمد نشاط الزوج في البذل للتمتع وزوجه بالمودة والرحمة على عدة مفاهيم نعرض منها ما يلي:

هل المودة والرحمة هبة من الله أم توفيق من الله؟

إن نعم الله التي لا تحصى ولا تعد يمكن أن تكون هبة مصداقا للآية الكريمة {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ فكثيرا ما سمعنا عن زوجين ليس لديهما أية موانع صحية للإنجاب، وبذلا وكل جهدهما لطرق الإنجاب ولم يهبهما الله الذرية، فينفصلان ويرزق كل منهما مع زوجه الآخر. أما النصر فليس هبة، بل هو توفيق من الله لمن أخذ بأسباب نصر الله فيوفقه الله للنصر، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7).

 إن المودة والرحمة توفيق من الله لزوجين أخلصا النية لله، واتبعا برنامج لحياتهما الزوجية من تحصيل المعارف الزوجية من ضوابط شرعية وحياتية وتدربا على تنمية مهاراتهما من فنون علاقاتهما الزوجية وإطلاق طاقاتها يتكاملان بجبر كل منهما نقص الآخر، واقتداء ببيوت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والصالحين.

فليس من الحكمة الركون إلى النفس، والاقتصار على دعوة الله أن يمنّ علي بالمودة والرحمة، بل علي أن أتعلم وأتدرب وأبذل كل وجل الجهد وأستثير الدوافع لدى زوجي نحو بناء حياة زوجية ننعم فيه وزوجي بالمودة والرحمة ويكون محضناً تربويا صحيا لأولادنا؛ لذا فالمودة والرحمة قرار لمن أخلص وبذل ودعا الله، ونعوذ بالله من عيشة تحت اسم “زواج شرعي” تسودها الكراهية والشقاق ويتعدى فيها أي من الزوجين على الحقوق الشرعية لزوجه ولا يحسن عشرته؛ فلا يلبي احتياجاته العاطفية أو الحميمية أو المادية، سواء جهلا أو تعنتا، ثم يندب حظه العاثر ويحمل أقدار الله ما فيه من قدر هو صنعه بإرادته.

فإذا كانت المودة والرحمة قراري؛ فكيف أحققها؟

هذا بمشيئة الله ما سنتناوله في سلسلة “المودة والرحمة قراري” عبر بوابة مجلتكم الموقرة “المجتمع”، نسأل الله الإخلاص والقبول وأن تكون قيمة مضافة في جهود أخوة أفاضل يشاركوننا همّ صلاح البيت المسلم وأثرة في بناء نهضة أمتنا.

سنعرض في الحلقة الأولى مجموعة من المفاهيم الأساسية حول المودة والرحمة وبرنامج عملي لتحقيق ذلك، ثم نتناول بالتفصيل في حلقات متتالية بمشيئة الله شرحا مع أمثلة عملية من واقع ما يصلنا من استشارات.

كما سنتناول بعض المحاور المهمة في علاقاتنا الزوجية مثل:

منهجية لتقليل من الخلاقات الزوجية، وكيفية التعامل الإيجابي معها عند حدوثها.

العلاقة المالية بين الزوجين، بين فرض الإنفاق على الزوجة وفضل هدية الزوجة لزوجها.

العلاقة الحميمية وأثرها في إشاعة البهجة والتجاذب بين الزوجين، وتهيئة النفس لحل الخلافات.

الخصوصية سواء بين الزوجين أو مع الأهل والأصدقاء.

الفتور والخرس والبرود الزوجي.

مراحل رحلة زواجي: الخطبة / العقد / البناء / سنة أولى زواج / أثر الأولاد (أطفال صبية بالغين) على علاقتنا الزوجية / تزويج الأولاد / مرحلة الجدود والأحفاد.

وما يفتح به الله لنا من موضوعات من خلال استشاراتكم والله ولي التوفيق.

 

 

 

 

 

 

_______________________

(*) استشاري علاقات زوجية وتربوية.

(يمكن التواصل من خلال: 0014169973277 واتس وفايبر وإيمو، y3thman1@hotmail.com).

Exit mobile version