الصميط أمام مؤتمر أمريكا اللاتينية: عام 2020 كان استثنائيًا في زخم العطاء الكويتي

 

نتطلع إلى ولادة عالم جديد أكثر أخلاقية وإنسانية وأكثر تأسيسًا على قيم العدل والرحمة والتعاون

الهيئة الخيرية نفذت مشاريع خلال عام 2020 بقيمة 92 مليون دولار توزعت على 53 دولة 

نسعى إلى إنشاء مؤسسة مالية عالمية للأغراض التنموية الإنسانية لدعم برامج التمويل الأصغر

استراتيجيتنا تهدف إلى نشر الثقافة الإسلامية الوسطية للارتقاء بوعي الإنسان وتعاطيه مع واقعه

الشريعة الإسلامية الأصلح لكل زمان ومكان والأقدر على استيعاب المستجدات ومراعاة المصالح المعتبرة

 

دعا المدير العام للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية المهندس بدر سعود الصميط الحكومات والمنظمات الإسلامية والإنسانية إلى بذل غاية قدراتها في التعاون والتحالف في مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والنفسية لجائحة “كورونا”، في ظل ما يتوقعه المراقبون من اتجاه عالم ما بعد الجائحة إلى حالة من الكساد الاقتصادي والتدهور في قطاعات عديدة.

  جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح أعمال النسخة الثالثة والثلاثين من مؤتمر مسلمي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي، “الأحكام الفقهية الإسلامية المتعلقة بالجوائح والأوبئة”، عبر تطبيق Zoom بالإنابة عن رئيس الهيئة الخيرية د. عبد الله المعتوق بحضور وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية د. عبد اللطيف آل الشيخ، ورئيس مركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية ورئيس المؤتمر الشيخ أحمد الصيفي، وسفير الكويت في البرازيل ناصر المطيري، وجمع كبير من العلماء والوزراء والسفراء وممثلي الحكومات.

برامج تنموية

 وأضاف الصميط إن هذا المؤتمر تتجلى أهميته في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية وما فرضته جائحة (كوفيد – 19) على العالم من واقع جديد في سياساته وإجراءاته وتدابيره، مشددًا على أن هذا الوضع يستوجب رفع معدلات الاستجابة الإنسانية، ليس فقط عبر إطلاق برامج الإسعافات الأولية لنجدة الضحايا، والحيلولة دون تفاقم أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وإنما أيضًا باستنفار جهود المنظمات والحكومات؛ لوضع برامج تنموية ذات أثر مستدام، وتمكين المجتمعات الأكثر تضررَا اقتصاديًا، ومواكبة الآثار الممتدة والمتوقعة للوباء.

 وناشد المدير العام علماء الأمة ومفكريها ومؤسساتها الإسلامية أن يتنبهوا إلى حجم وخطورة التداعيات الاجتماعية والنفسية للجائحة، والتي ستؤدي إلى رفع معدلات الفقر والبطالة، خصوصًا في أوساط الشباب، وما قد يترتب على ذلك من صناعة بيئة أكثر خصوبة وتحفيزًا لأفكار الغلو والتطرف والجريمة. 

بناء رؤية مستقبلية

  وأكد الصميط ضرورة بناء رؤية مستقبلية إنسانية وأخلاقية وحضارية إزاء المبادرات المطلوبة لمرحلة ما بعد الجائحة للحد من تأثيراتها السلبية اجتماعيًا وفكريًا على المجتمعات المسلمة بشكل عام وفئة الشباب بشكل أخص، موضحًا أن هذا لن يتأتى إلا بأعمال جماعية ومؤسسية، وبناء منظومة من الشراكات والتحالفات بين القطاعات والمؤسسات الحكومية والأهلية منها وتدشين التحالفات بين المؤسسات الإسلامية والإنسانية إقليميًا وعالميًا لأجل تضافر الجهود في تحقيق هذه الأهداف النبيلة والمستحقة.

وتابع الصميط قائلًا: رغم التحديات الاستثنائية التي فرضها هذا الوباء على الجميع أفرادًا ومؤسسات منذ بداية هذا العام الذي قارب على الرحيل، إلا أنه لم يفت في عضد العاملين في القطاع الخيري الكويتي بشقيه الحكومي والأهلي، مشيرًا إلى إن عام 2020 كان عامًا استثنائيًا في حجم وزخم العطاء والبذل.

 محليًا، وبتوجيه ورعاية كريمة من القائد الإنساني الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد رحمه الله،  وصاحب السمو الشيخ نواف الأحمد أمير البلاد، قال الصميط: إن المؤسسات الخيرية الأهلية تعاضدت مع المؤسسات الحكومية المتصدية للجائحة في ملحمة فريدة صارت مضرباً للمثل في كفاءة وجمال الاستجابة للتحديات والتداعيات التي فرضتها الجائحة.

 وعلى سبيل المثال، نوه المدير العام في هذا السياق إلى إن نظام إيصال المساعدات الغذائية إلى الأفراد والأسر المتضررة خلال الفترات الحالكة من الجائحة شمل ما يقارب 800 ألف نسمة بما يعادل خمس عدد السكان في الكويت.

أما في مجال المساعدات الخارجية، قال الصميط: لو أخذنا الهيئة الخيرية مثالاً، فقد شهد العام 2020 قفزة كبيرة ورقمًا قياسيًا في حجم المشاريع الخيرية والإنسانية التي نفذتها منذ بداية عام 2020 حتى اليوم لتصل إلى 92 مليون دولار توزعت على 53 دولة حول العالم، مقارنة بـ 68 مليون دولار في العام الماضي.

 وحول استشراف الهيئة الخيرية للمستقبل، أوضح الصميط أنها تعكف حاليًا على دراسة معمقة لإنشاء مؤسسة مالية عالمية للأغراض التنموية الإنسانية، لدعم برامج التمويل الأصغر في المجتمعات الإسلامية، وتمكين أصحاب الحاجة من مورد رزق ثابت ومستدام، مبينًا أن أهم ما يميز هذا المشروع بالإضافة إلى التزامه بصيغة التمويل الإسلامي أنه لا يُحمّل الفقير تكلفة التمويل، كما هو الحال في النماذج الراهنة.

حماية الإنسان

 وإذا كان العالم بهذه السياسات والاحترازات الصحية- كما يقول الصميط – يهدف بالأساس إلى حماية الإنسان من الأخطار والتحديات الصحية، فإن الشريعة الإسلامية أعلت من شأن هذه الحماية بمقاصدها السامية الهادفة إلى حفظ الضروريات الخمس المتمثلة في الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والتي يدور حولها مقصود الشرع في أن حفظ هذه الأصول الخمسة مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول مفسدة، وفي دفعه تكون المصلحة الشرعية.

وأردف متابعًا: إن رسالة الدين الإسلامي جاءت رحمة للناس كافة، على اختلاف أجناسهم، وأزمانهم، وأمصارهم، لقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وأن شموليتها استوعبت شؤون الدنيا والآخرة، وبيّنت كل شيء، من أجل هداية الأمة في مجال العبادات والمعاملات وسائر شؤون الحياة على مر العصور، لقوله تعالى: ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ”، وقوله سبحانه: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”.

 وأشار الصميط إلى أنه مع شمولية الرسالة وكمالها فإن من الصفات الأصيلة للتشريع الإسلامي المرونة والواقعية ومواكبته لكل عصر ومصر، لقول المولى عز وجل:  فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.، مبينًا أن التشريع الإسلامي راعى واقع الإنسان وتقلبات حاله، في إرساء حُزمة من المبادئ الأساسية، من بينها، رفع الحرج مصداقاً لقوله تعالى ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ “.، وجلب التيسير عند المشقة، لقوله سبحانه “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر”.،  فضلًا عن حرصها على تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل بحفظ الضرورات، ورعاية الحاجيات والتحسينات، وما يقتضيه ذلك من تغير الفتوى بتغير معطياتها وتقدير المصالح زمانًا ومكانًا وحالًا.

  وعطفًا على هذا الطرح، قال الصميط إن إيماننا راسخ بأن الشريعة الإسلامية هي الأصلح لكل زمان ومكان، والأقدر على استيعاب المستجدات، ومراعاة المصالح المعتبرة، وأن مسؤولية العلماء والفقهاء في هذا الشأن عظيمة، وخاصة مؤسسات الاجتهاد الفقهي الجماعي، وأن عامة المسلمين في مثل هذه الملمات والمحن يتطلعون إلى توجيهات أهل الذكر في القضايا والمسائل الشرعية، وأهل الخبرة في قضايا الحياة.

 وأِشار إلى أن الهيئة الخيرية أخذت على عاتقها وضمن رسالتها ورؤيتها وأهدافها الاستراتيجية نشر الثقافة الإسلامية الوسطية، والتعريف بمبادئ الإسلام وقيمه وحضارته للارتقاء بوعي الإنسان وتعاطيه مع واقعه وتمكينه من إحداث تغيير إيجابي في نفسه ومجتمعه.

 ونوه إلى ترحيب الهيئة الخيرية بالشراكة مع مثيلاتها من الجهات الدعوية والخيرية في التعاون على نشر قيم الرحمة والخير والاعتدال والوسطية في ظل حاجة البشرية إلى ولادة عالم جديد أكثر أخلاقية وإنسانية، وأكثر تأسيسًا على قيم العدل والرحمة والتعاون والتلاقي على المشتركات الإنسانية التي دعا إليها القرآن الكريم، المفعم بقيم التراحم والتكافل والاعتصام بحبل الله، والتوجيهات النبوية التي جاء بها رسول الإسلام المبعوثُ رحمة للعالمين.

Exit mobile version