الإسلاميون‭ ‬واختبار‭ ‬الديمقراطية‭.. ‬أجوبة‭ ‬متنوعة‭ ‬ومتناقضة‭ ‬أحياناً

 

ظل الإسلاميون في عالمنا العربي والإسلامي في غالبهم محرومين من ممارسة العمل السياسي والتنافس على السلطة، كانت النظرة من المتحكمين في المشهد السياسي سلبية تجاه الإسلاميين؛ مرة يتهمونهم بأنهم مجموعة من الدراويش السذج، وأخرى بأنهم لا يحملون برنامجاً عملياً، ويكتفون بشعارات كبرى بدون تفاصيل، مثل شعار «الإسلام هو الحل»، وثالثة بعدم الوطنية والارتباط بمراكز نفوذ خارج الأوطان، ورابعة بأنهم أعداء للديمقراطية، وأنهم سيستغلونها فقط كمعبر أو سلم إلى الحكم لمرة واحدة وإلى الأبد ثم يحرمون غيرهم من الوصول إلى السلطة.. إلخ من الاتهامات التي ظلت ترددها الأنظمة الاستبدادية خلال العقود الماضية، ولكن الأهم منها جميعاً هو استخدام تلك النظم لأدوات القمع الأمني والتشريعات القمعية لمنع مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية.

لكن الأبواب فتحت على مصاريعها أمام الإسلاميين عقب ثورات «الربيع العربي»، والحقيقة أن الإسلاميين أنفسهم كانوا في طليعة القوى التي أشعلت شرارة ذلك الربيع، التي حافظت عليه لبعض الوقت، ولأنها كانت القوى الأكثر حضوراً وتنظيماً فقد كان من الطبيعي أن تحتل موقع الصدارة عبر الاستحقاقات الديمقراطية النزيهة، فهل نجح الإسلاميون في اختبار الديمقراطيات الوليدة في المنطقة؟

كانت البدايات الأولى للإسلاميين للاشتباك مع العمل العام والممارسات الديمقراطية من خلال العمل الطلابي، ومن بعده العمل النقابي وتحديداً النقابات المهنية، وقد أبلوا في ذلك بلاء حسناً من خلال قدراتهم التنظيمية وتفعيل تلك الاتحادات والنقابات، وتقديم خدمات ملموسة لجمهور الناخبين، وقد تمكنوا بتلك القدرات من الفوز على التيارات اليسارية والليبرالية، وتلك المرتبطة بالأنظمة الحاكمة في فترة السبعينيات وحتى التسعينيات.

وقد أسهمت تلك النجاحات في صناعة رموز عامة خاضت الانتخابات النيابية لاحقاً وحققت فيها نتائج جيدة، حدث ذلك في مصر والأردن واليمن والكويت والسودان والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وفلسطين المحتلة، وحدث في باكستان وماليزيا وإندونيسيا وتركيا.. إلخ.

قبل «الربيع العربي» بسنوات طويلة، شارك إسلاميون في الحكم في بعض البلدان العربية والإسلامية بدرجات متفاوتة، لكنهم تعرضوا للانقلابات السريعة عليهم، ونذكر هنا مشاركة «إخوان» سورية في الحكم مبكراً بوزيرين أواخر الخمسينيات، وكذا مشاركة حزب «الإصلاح» اليمني في الحكم عقب الوحدة مطلع التسعينيات، وفي تركيا منذ مطلع السبعينيات حيث تولى «نجم الدين أربكان»، رئيس حزب «السلامة»، منصب نائب رئيس الوزراء، وكل تلك المشاركات تمت بالتوافق مع القوى السياسية المهيمنة في تلك الدول.

الاختبار الحقيقي

وقبل «الربيع العربي» أيضاً، تعرضت الديمقراطية نفسها لاختبار حقيقي في عدة بلدان، كان الإسلاميون هم المجني عليهم فيها، كما حدث في الانقلاب على «جبهة الإنقاذ» الفائزة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية مطلع العام 1992م، وانقلاب عسكر تركيا على حكومة «نجم الدين أربكان» في العام 1997م، وعدم اعتراف المجتمع الدولي بفوز «حماس» في الانتخابات البرلمانية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية عام 2006م.

وفي المقابل، فرض الإسلاميون حكمهم على السودان عبر الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط منهم، في يونيو 1989م، وهو الحكم الذي استمر 30 عاماً انتهت بتحرك شعبي في ديسمبر 2018م، كما تسلمت حركة «طالبان» الحكم بعد معارك عسكرية خاضتها ضد الفصائل الأفغانية بعد الانسحاب السوفييتي، وعادت مجدداً إلى الحكم عبر نضال عسكري ضد القوات الأجنبية المحتلة لأفغانستان تبعه تفاوض سياسي انتهى بالانسحاب الأمريكي، في أغسطس 2021م.

الاختبار الحقيقي لمدى التزام الإسلاميين أنفسهم بالديمقراطية جاء عقب ثورات «الربيع العربي» التي حملت أحزابهم إلى السلطة سواء منفردة أو بالتشارك مع آخرين، كما حدث في تونس ومصر واليمن والمغرب، وقبل ذلك في تركيا منذ العام 2002م، وقد ظلت هذه التجربة الأخيرة (تركيا) هي النموذج الأكثر نجاحاً في الاختبار الديمقراطي حتى الآن، ويعود ذلك إلى تطور المجتمع التركي نفسه، ونبذه للحكم العسكري الذي جسم على أنفاسه طويلاً، وكذا تطور رؤى وسياسات الإسلاميين الأتراك ممثلين في حزب «العدالة والتنمية» الذي نجح في تقديم نموذج لحزب محافظ، وفي الوقت نفسه قادر على تحقيق معدلات تنمية شعر بها الجميع، مستغلاً الرغبة الجارفة للأتراك باللحاق بقطار الاتحاد الأوروبي الذي طلب بدوره تحقيق بعض المعايير الديمقراطية لقبول عضوية تركيا، وهو ما تلقفه «العدالة والتنمية» للتخلص من هيمنة العسكر.

تباين تعامل القوى الإسلامية الأخرى مع الممارسة الديمقراطية، فبينما ظلت حركة «طالبان» بعيدة جداً عن هذه الممارسة التي لم تصل إلى السلطة من خلالها، في تجربتيها الأولى والثانية، فإن القوى الإسلامية في بلدان «الربيع العربي» حاولت تقديم نموذج ديمقراطي، وقد نجحت في ذلك بنسب متفاوتة، كان النموذج الأكثر تطوراً في تونس حيث قبلت حركة «النهضة» المشاركة مع قوى أخرى في الحكم رغم حصولها على أغلبية برلمانية تمكنها من الحكم المنفرد، وقد سمح ذلك باستمرار التجربة الديمقراطية الوليدة لمدة 10 سنوات قبل انقلاب الرئيس قيس سعيد عليها في 25 يوليو 2021م.

كما أن تجربة الإسلاميين في المغرب المتأثرة بـ«الربيع العربي» نجحت في الحكم لمدة 10 سنوات قبل إطاحتهم عبر الانتخابات، التي خسروا فيها غالبية مقاعدهم البرلمانية السابقة، ولهذه الخسارة أسباب موضوعية تتعلق بممارسات حكومة حزب «العدالة والتنمية» المغربي نفسه، التي أغضبت قطاعات شعبية واسعة صوتت ضدهم في الانتخابات، لكن في كل الأحوال، فإن الحزب لم يتنكر للديمقراطية بعد خسارته، بل اعترف بتلك الخسارة ووعد بالعمل على تحسين نتائجه مستقبلاً.

الاختبار الأصعب

في مصر كان الاختبار صعباً، حيث فاز «الإخوان» بأكثرية مواقع الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الشعب) وبأغلبية مع حلفائهم الإسلاميين في الغرفة الثانية (مجلس الشورى)، كما فاز مرشحهم لرئاسة الجمهورية الرئيس الشهيد محمد مرسي، وشارك عدد من رموزهم في الحكومة، وفي إدارة بعض المحافظات، لكنهم تعرضوا لعملية إفشال واسعة النطاق منذ اللحظات الأولى، ولم تسعفهم خبراتهم السياسية المتواضعة في مواجهة تلك العمليات التي كانت تحتاج إلى صناعة توافق وطني حقيقي وليس ديكورياً، لا يعتمد فقط على نتائج الانتخابات بل على صناعة تحالفات حقيقية تُشعر الشركاء بالمشاركة الحقيقية.

مشاركة القوى الإسلامية في العملية السياسية سواء قبل «الربيع العربي» أو بعده هي التي كانت تُحدث زخماً كبيراً، وهي التي كانت قادرة على مواجهة أحزاب الحكم التقليدية، وعلى تطوير الحياة السياسية، ومع غياب أو تغييب الإسلاميين بالانقلابات والملاحقات، والثورات المضادة؛ عاد الركود والانسداد السياسي مجدداً، وانفردت قوى الاستبداد بالحكم مجدداً، ولم تسمح حتى للقوى العلمانية الخصم التقليدي للإسلاميين بمشاركة حقيقية.

Exit mobile version