الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وصناعة‭ ‬الأمل‭ ‬واليقين

 

انتشار اليأس والقنوط والإحباط والتشاؤم من أهم الأخطار التي أصبحت تهدد البشرية كلها، التي تحتاج إلى فكر جديد لمواجهتها، وإنقاذ العالم، كما أن القيادات التي تشتد حاجة شعوب العالم إليها هي التي تمتلك رؤية لصناعة الأمل، وتكتشف أضواءه في ظلام الواقع الكئيب.

وتزداد أهمية القيادة كلما كانت التحديات أكثر خطورة، وكلما عجز الآخرون عن مواجهتها، ومن المؤكد أن كل قيادات العالم تبدو اليوم عاجزة عن مواجهة ذلك التحدي؛ لذلك تزداد حاجة العالم للدور الذي يمكن أن تقوم به الحركة الإسلامية في صناعة الأمل واليقين.

يعتبر المواردي أن الأمل الفسيح من أهم الأسس التي يقوم عليها صلاح الدنيا، ويوضح ذلك وعي علماء الإسلام بأهمية الأمل في بناء الدول، وزيادة قوتها، وتحقيق الإنجازات الحضارية، ومن أهمها ما يطلق عليه المواردي «صلاح الدنيا».

والحركة الإسلامية تمتلك تجربة تاريخية تتميز بالثراء في صناعة الأمل، ويمكن أن تقدم لشعوب العالم النماذج والأمثلة لعملية تغيير الواقع عبر كفاح متصل لتحقيق غايات عليا، يؤمن بها رجال يثقون في أنهم يمتلكون فكراً وعلماً ويقيناً وعزيمة وإرادة لبناء المستقبل.

ومن أهم تلك النماذج التي توضح للبشرية كلها إمكانات تحقيق الأمل –مهما كانت قسوة الواقع– تجربة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أعد أمته لبناء المستقبل، وتحقيق الإنجازات الحضارية العظيمة بالإيمان والأمل واليقين؛ لذلك صدَّقه أصحابه وهو يبشرهم بفتح فارس والقسطنطينية، بينما كانوا يحفرون الخندق ليمنعوا كفار قريش من دخول المدينة.

لذلك انطلقت هذه النفوس العظيمة التي آمنت وصدَّقت بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم لتحرر البشرية من ظلم الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، ولتغيير الواقع المظلم، وبناء أعظم حضارة في التاريخ، ولقد تمكن أصحاب رسول الله من أن ينشروا المعرفة، ويعلموا الناس، ويفتحوا لهم آفاق حياة جديدة تكون فيها آمال الفرد أكبر من مجرد الحصول على مغانم مادية، فتسمو همته، وتتطلع نفسه إلى رضاء الله، وإعمار الأرض، وبناء الحضارة، وإسقاط الطواغيت، وإقامة العدل، وتحقيق الحرية المرتبطة بالإيمان، وبذلك تمكن المسلمون الفاتحون من كسب عقول الناس وقلوبهم.

تحدِّي الاستعمار

لقد واجهت الحركة الإسلامية في القرن العشرين واقعاً أشد ظلاماً وقسوة وكآبة، حين كانت قوى الاستعمار تتحكم في العالم الإسلامي، فحددت هدفها في تحرير الوطن الإسلامي كله من السيطرة الاستعمارية، وكان هذا الهدف صعباً، لكن النفوس التي يضيئها نور الإيمان تطلعت لتحقيقه، وكافحت وضحَّت وتعلمت وعلَّمت وصنعت الأمل.

ولقد أوضحت الحركة الإسلامية العلاقة بين الأمل والغاية، وفي ذلك يقول أ. حسن البنا، يرحمه الله تعالى: «إن الغاية هي التي تدفع إلى الطريق، وتحقيق الآمال، وإن مناصرة المبادئ تحتاج إلى قوة نفسية».

إن الأمة تحتاج إلى الأمل، وإلى تحديد واضح للغايات، وإرادة قوية تدفع الإنسان إلى التضحية من أجل المبدأ الذي يؤمن به.

إن صناعة الأمل ترتبط بعملية إعداد النفوس لكفاح طويل المدى، وفي ذلك يقول البنا: «إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا؛ عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف، وصراع شديد بين الحق والباطل، وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة، والعزيمة القوية الصادقة، والسخاء والتضحيات والإقدام عند الملمات، وبغير ذلك تغلب على أمرها، ويكون الفشل حليف أبنائها».

لذلك تحتاج صناعة الأمل إلى يقظة ووعي ومعرفة؛ فعندما يملأ الإيمان النفوس تنتفض الشعوب لتغير الواقع، وتحقق إنجازات حضارية، يقول البنا: «نحن نريد يقظة الروح، وحياة القلوب، وصحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر»، وبذلك أعد البنا الآلاف من الشباب الذين تطلعوا إلى إجبار الإنجليز على الجلاء، وتمكنوا من أن يوضحوا للإنجليز أن استمرار احتلالهم لمصر مستحيل، وأن عليهم أن يرحلوا.

تلك كانت رسالة المجاهدين الإسلاميين الذين قادهم الشيخ محمد فرغلي للقيام بالكثير من الأعمال الفدائية في القناة، ومن الواضح أن الإنجليز فهموا الدرس، واستوعبوا الرسالة، وكانوا ينتظرون الفرصة للجلاء.

وبالرغم من كل المحن والخطوب التي تعرضت لها الحركة الإسلامية؛ فإنها ظلت قادرة على أن تصنع الأمل، وتقدم للبشرية دروساً في أهمية المبادئ والتضحية من أجلها، وقدرة الشعوب على تحقيق الانتصارات والإنجازات الحضارية.

أمل جديد

التحدي الذي تواجهه الحركة الإسلامية الآن -ويمكن أن تبرهن قدرتها على مواجهته على شرعية قيادتها للأمة- هو حالة اليأس التي جعلت الناس تكره حياتها، وتتمنى الموت بسبب المحن والظلم والفقر والاستبداد والطغيان الناتج عن استخدام القوة الغاشمة في بعض البلدان.

إن من أهم أسباب انتشار تلك الحالة هو ما تعرضت له الحركة الإسلامية من ضربات قاسية، فعندما تم تغييب القادة في السجون لم يعد أمام الناس من يضيء نفوسهم بنور اليقين والأمل.

ربما تكون خسارة العالم نتيجة الظلم الذي تعرضت له الحركة الإسلامية أكبر بكثير مما يمكن أن يصل إليه خيال مخرجي الأفلام السينمائية؛ فتزايَد اليأس في نفوس الناس، وارتبط بالحزن والتعاسة والانتحار والطلاق والعنوسة.

لذلك، فإن أعظم إنجاز يمكن أن تقدمه الحركة الإسلامية للعالم هو إنقاذ البشرية من حالة اليأس والإحباط بصناعة الأمل واليقين، لكن هل تستطيع الحركة الإسلامية أن تحقق هذا الهدف؟!

من المؤكد أنها تستطيع، ولكنها تحتاج إلى بناء رؤية جديدة تبدأ بتحديد أهداف عظيمة من أهمها تحقيق الاستقلال الشامل، وإعادة الأمة إلى هويتها، ونشر المعرفة الإسلامية، وبناء اقتصاد المعرفة.

إن الحركة الإسلامية تستطيع أن تصنع الأمل عندما تقدم مشروعها الحضاري الإسلامي، وتعد قياداتها، وتستثمر تجربتها التاريخية، وثروتها البشرية.

وهناك الكثير من المؤشرات على أن الشعوب أصبحت تشتاق إلى دور الحركة الإسلامية في إنقاذها من الفقر والاستبداد والسيطرة الاستعمارية، كما تشتد حاجة الشعوب إلى رؤية وجوه الدعاة الإسلاميين المضيئة، وإلى رسائلهم التي تشحذ الهمم، وتملأ النفوس قوة وإيماناً ويقيناً في نصر الله.

ولعل من أهم نتائج المحنة القاسية أن الشعوب أصبحت الآن تدرك أن الحركة الإسلامية هي الأمل الوحيد في قيادة الأمة لتغيير الواقع وبناء القوة وتحقيق الانتصارات والإنجازات الحضارية.

وهذا من أهم الأضواء الكاشفة التي يمكن أن تساهم في بناء المستقبل.

Exit mobile version