التداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬السلبية‭ ‬لاضطهاد‭ ‬الإسلاميين

 

مرت الحركة الإسلامية في العديد من الدول بعمليات اضطهاد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وكانت أحد أهم جوانب هذا الاضطهاد من قبل الحكومات المتعاقبة مصادرة الأموال، وتعطيل الكوادر البشرية المتميزة عن العطاء للمجتمع، ومصادرة الأعمال الخيرية.

إلا أن ما شهدته الحركة الإسلامية، بعد الانقلابات على ثورات «الربيع العربي»، فاق الممارسات السابقة؛ لكون الإسلاميين هذه المرة أكثر عدداً، وأكثر قوة من حيث المقومات الاقتصادية، ولم تقتصر مظاهر هذه القوة الاقتصادية على ممتلكات الأشخاص، بل امتدت لثروة المجتمع الأهلي، المتمثل في الجمعيات الخيرية.

في الوقت الذي ينظر فيه إلى الأضرار الواقعة على الإسلاميين في ذواتهم وممتلكاتهم، ينبغي أن يشار إلى أنها أكثر ضرراً على الشعوب؛ لما تعكسه هذه الممارسات من تداعيات سلبية على الاقتصاد القومي لتلك الدول بشكل عام، وهو ما ظهرت ملامحه خلال السنوات التسع الماضية بشكل واضح، عبر العديد من المؤشرات التي نتناولها فيما يلي:

تشويه مناخ الاستثمار

لا شك أن عدم الاستقرار السياسي والأمني من أهم أسباب تشويه مناخ الاستثمار، الذي يجعل الاستثمارات الأجنبية تنفر من التواجد في مثل هذه البيئات، كما أن الاستثمارات المحلية تشعر بالقلق في ظل غياب دولة القانون، فعمليات الاعتقال أو التحفظ على شركات وأموال الإسلاميين ترسل رسالة سلبية للمستثمرين المحليين، مخافة أن يؤخذوا بالشبهة، إذا كانوا من القريبين من الإسلاميين، خاصة أن ظاهرة التدين تعم المجتمعات العربية والإسلامية.

ومن جهة أخرى، فالممارسات على أرض الواقع تعكس حالة من الضبابية، وبخاصة أن أسهل القرارات التي تتخذ من قبل الحكومات الدكتاتورية هي التحفظ على الأموال، وحرمان أصحابها من التصرف فيها، بل وإسناد إدارة الشركات والمؤسسات المملوكة للإسلاميين إلى غير متخصصين؛ فيعملون على إهدار أموالها، ووصولها لحالات من الخسارة أو الإفلاس.

لذلك، لا نجد أياً من الدول التي تم فيها إقصاء الإسلاميين واضطهادهم أن حققت حالة نجاح اقتصادي، سواء على الصعيد الإنتاجي أو الخدمي، بل شهدت تراكماً للمديونيات، وزيادة تبعيتها الاقتصادية للخارج، وزادت فيها معدلات الفقر والبطالة (مصر، وتونس، واليمن.. نماذج).

زيادة معدلات الهجرة للخارج

حالة السطوة الأمنية التي مارستها النظم المختلفة بشكل واضح في منطقة الشرق الأوسط ألجأت العديد من الكفاءات العلمية وأصحاب رؤوس الأموال إلى الهجرة للخارج بشكل كبير، ويدلل على ذلك بيانات النزوح والهجرة؛ فقد شهدت المنطقة أكبر عمليات هجرة للخارج في تاريخها، من كافة البلدان، خاصة تلك التي شهدت عمليات مسلحة.

فحسب تقرير «حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2021» الصادر عن إحدى مؤسسات المنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد اللاجئين القادمين من الدول العربية يمثل 43% من إجمالي اللاجئين المشمولين برعاية ولاية مفوضية اللاجئين، حيث بلغ عددهم 8.9 ملايين لاجئ من إجمالي 20.7 مليون لاجئ على مستوى العالم.

واتسمت الهجرة النظامية هذه المرة باستيعابها للكوادر المهنية المتميزة من أطباء ومهندسين وكافة التخصصات، وكذلك أصحاب الخبرات من الدراسات الإنسانية (وبخاصة من الإسلاميين)، ولعل ما تعانيه المستشفيات العامة في دولة مثل مصر مثلاً، من نقص عدد الأطباء وأطقم التمريض، بسبب الهجرة للخارج، خير دليل، وكذلك باقي الدول التي تعاني نقص المدرسين، والمهندسين، وكافة المهنيين الذين يقدمون خدماتهم للمجتمعات بشكل يومي.

تضرر الفقراء بسبب مصادرة الجمعيات الخيرية

عني الإسلاميون منذ فترة طويلة بالعمل الخيري، وحوّلوه إلى عمل مؤسسي في مجالات الرعاية الطبية، ورعاية الأسر الفقيرة؛ بتقديم المساعدات، وتوفير مراكز التدريب والتأهيل، وتقديم الخدمات التعليمية لأبناء تلك الأسر، إلا أن النظم المنقلبة على ثورات «الربيع العربي» اتجهت للسيطرة على تلك الجمعيات وغيَّرت مجالس إداراتها، وسيطرت على ما لديها من موارد، وسلمتها لأبناء المؤسسات العسكرية والأمنية المتقاعدين لإدارتها.

وهو الأمر الذي أضر بتلك الجمعيات؛ لعدم وجود سابق خبرة بهذا العمل للإدارات الجديدة من قدامى العسكريين.

ومن جهة أخرى، فقدت هذه الجمعيات الثقة لدى المتبرعين، فحُرمت هذه الجمعيات من تدفق التبرعات؛ لغياب المشرفين عليها من الإسلاميين، الذين يثق فيهم الناس، وكان المتضرر الأكبر هم الفقراء الذين غابت عنهم الحماية الاجتماعية التي كانت تقدمها تلك الجمعيات.

والجدير بالذكر أن الجمعيات الخيرية التي كان يشرف عليها الإسلاميون في كافة دول المنطقة، كانت تستفيد من التبرعات من الخارج، سواء من دول عربية، أو من أبناء الجاليات الإسلامية في العديد من دول العالم، وقد حرمت هذه الجمعيات هذه الروافد المهمة.

تبديد الثروات البشرية

من أهم ما تملكه الشعوب ثروتها البشرية، فالإنسان أساس التنمية، فهو صانعها والمستفيد منها، ولذلك تهتم الدول المتقدمة بشكل كبير بالاستثمار في أبنائها عبر خدمتي التعليم والرعاية الصحية الجيدة، إلا أن من أهم ما خسرته شعوب منطقة الشرق الأوسط، أن تم اعتقال وسجن الآلاف من أبناء الحركة الإٍسلامية.

حيث تضم السجون والمعتقلات بين جنباتها إسلاميين من كافة التخصصات العلمية والمهنية؛ من طلاب جامعات، بل وأساتذة جامعات وعمداء كليات، ومتخصصين أكفاء في مختلف التخصصات المهنية التي تتطلبها عملية التنمية، ولكن للأسف الشديد يُلقى بهم في غياهب السجون، دون سند من قانون، بل يعذَّبون، وتَصدر ضدهم أحكام ظالمة بمدد طويلة، تقضي على ما تبقى من أعمارهم بين جدران الزنازين.

انتشار الاقتصاد الأسود

في ظل غياب الإسلاميين تم الترويج لقيم سلبية، ومحاولة الترسيخ لأخلاقيات التسيب والفوضى، والترويج لثقافة الاستهانة بانتهاك الحرمات، وممارسة كافة الممارسات الاقتصادية المخالفة للقانون، ومن هنا تضررت الشعوب في دول المنطقة؛ حيث راجت تجارة وتعاطي المخدرات، وتحولت المدارس إلى بؤر لممارسة العديد من السلوكيات التي تخالف العادات والتقاليد.

وبلا شك أن انتشار الاقتصاد الأسود (تجارة المخدرات، والدعارة، وتجارة السلاح، وتجارة الأعضاء، والهجرة غير الشرعية) من أهم ما يُشيع حالة عدم الأمان بين الشعوب، ويبدد دخول الأفراد والعائلات؛ من أجل الحفاظ على أنفسهم.

لذلك، يرغب الكثيرون في الهجرة لمجتمعات آمنة، أو يتمنون عودة الديمقراطية ودولة القانون، بما يسمح للإسلاميين بعودة أنشطتهم، وممارسة دورهم الدعوي الذي كان صمام أمن وأمان للمجتمعات.

Exit mobile version