العلم بين “الفهلوة” والسلفية المزيفة (3 – 7)

 

تحدثنا فيما سبق حول ما ذكره القرآن الكريم في حركة الأرض وغيرها من المجموعة الشمسية، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء: 33).

نتحدث هنا حول تأكيد كروية الأرض في القرآن.

النصوص القرآنية أو في السُّنة النبوية فيها ما يبهر كل عصر حسب علمه وما توصل له، وهذا دليل عظمة الله تعالى في كتابه، والأدلة على ذلك كثيرة، منها مثلاً لحم الخنزير وتحريمه، حيث اكتشف العلم الحديث بعد أكثر من ألف سنة أن لحم الخنزير خطر، وذلك بسبب حمله الدودة الشريطية، ومن المؤكد أن هناك أسباباً أخرى سيكتشفها العلم مستقبلاً، فلذلك من علم من القرآن الكريم أمراً أو نهياً وجب عليه الالتزام به ولا يسأل عن السبب، الالتزام به إيماناً، أما إن ظهر السبب علمياً فأنعم وأكرم، وإن لم يظهر يجب إيماناً الالتزام بالنص القرآني أو السُّنة، ويجب تقديم العمل به كأولوية إيماناً وإلا كان هذا الإيمان مهلهلاً ومهزوزاً في فهم أمور الغيبيات، وهذا أمر خطير لا يخفى خطره على المؤمن.

نضرب أمثلة في الإعجاز القرآني، يقول الله تعالى في كتابه العظيم: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة: 4).

ويقول تعالى أيضاً: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة: 75).

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام: 97).

قبل أن ندخل في تفاصيل كروية الأرض، نتحدث حول كيفية تقديم القرآن المعلومة حسب عقول البشرية وتطور علومها واكتشافاتها، فلذلك لا بد أن يخاطب الإنس والجن إلى أن تقوم الساعة بحجته البلاغية والتشريعية والبيانية والعلمية والإعجازية.. إلخ، وهذا الكم العلمي العظيم المتنوع والمجموع في كتاب الله لا يمكن أن يُستوعب حتى ولو بعض منه في فترة زمنية محدودة وتنتهي، والعقول لا تستوعب ذلك مجتمعة، فلذلك نجد أن القرآن خاطب العقل البشري بتأنٍّ، وبألفاظ ومفردات تستوعب وتراعي العقول والعلوم حسب كل عصر، وهي معجزة لكل عصر دون الإخلال بإعجازها السابق للعقول والعلوم والحقائق العلمية السابقة التي توصل لها الإنسان، ونبدأ بالمثال الأول من كتاب الله تعالى وقوله: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ) لو تحدثنا حولها قبل 1000 سنة مثلاً أو حتى قبل 150 سنة، لو تحدثنا عن “البصمة” لكان القول عبارة عن طلاسم وأقرب إلى النكران والخيال، ولا يمكن أن تستوعبها العقول، ولكن حينما تطور العلم وتم الفهم فيما سبق حينها.

إن الأصابع خلقها الله تعالى متنوعة الأحجام، وهي قمة في روعة الخَلْق وهو أحسن الخالقين، فهذا التفاوت بين أصابع اليد شكلاً وحجماً خوّل اليد أن تتنوع خدمتها للإنسان؛ أكلاً، وكتابة، ودفاعاً، وإمساكاً، وضرباً، وحياكة.. إلخ، فلو كانت الأصابع بحجم واحد أو بشكل واحد لاختلت خدمة اليد والكف أكثر مما نتصور، وهذا الفهم في العصور السابقة معجزة، وهو كذلك، ولكن مع مرور الزمن وتطور العلوم واكتشاف البصمة وأنها لا تتكرر في الإنسان، فكانت هذه المعلومة الأكثر إعجازاً ودقة دون أن تؤثر على معجزة العلوم السابقة بالنسبة لعلومهم وعقولهم واكتشافاتهم حينها، فالعقل المخلوق أقل من أن يدرك هذا المقياس، ونتوقع مستقبلاً اكتشاف ما هو أعظم من ذلك.

ولنتحدث عن آية أخرى في نفس المفهوم، قال تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة: 75)، حينما أقسم الله بمواقع النجوم بين في تلك العصور علماً إعجازياً لها وهو ظاهر بقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وسبحانه القائل ختاماً: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، كانت المعرفة حينها والمعجزة بفهم مواقع النجوم حيث المسير عليها ليلاً، ولكن لو دققنا بكلمة مواقع كأنها تشير إلى شيء كان موقعه هنا، وهذا بالفعل ما اكتشفه العلم الحديث، أن كثيراً من الأضواء التي تصل إلينا من النجوم هي ضوء انفجار هذا النجم أو ذاك وانعدامه الذي كان في هذا المكان والموقع للتو يصلكم الضوء بعد ملايين السنين بسبب المسافات البعيدة جداً.

يتبع..

 

 

 

 

__________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version