نفاق الديمقراطية الشعبي!

 

لطالما رفعت الدول الغربية شعار تطبيق الديمقراطية واعتبارها نظام الحكم الأمثل، ونصبت نفسها داعية وحامية لها على المستوى العالمي، ووضعت المؤشرات لقياس تطبيقها، واعتبرت الدول التي لا تطبق الديمقراطية معادية للقيم والمصالح الغربية، ومجّدت الكيان الصهيوني باعتباره واحة الديمقراطية في صحراء النظم الاستبدادية السائدة في المنطقة العربية!

إلا أن الأحداث المتلاحقة، في العالمين العربي والإسلامي، ومواقف الحكومات الغربية منها، قد كشفت بوضوح مدى الازدواجية والانتقائية في احترام الديمقراطية، فرغم تقديس الحكومات الغربية للديمقراطية على صعيد السياسة الداخلية، فإن هذه القداسة تتلاشى في السياسة الخارجية التي تتسم بقدر كبير من البراغماتية، حيث تتعامل هذه الحكومات بل وتتحالف مع نظم لا تتبنى الديمقراطية وما يتصل بها من قضايا كضمان الحريات والانتخابات الحرة النزيهة والتداول السلمي للسلطة، وبازدواجية فاقعة، يمكن لهذه الحكومات ألا تقيم للديمقراطية، إذا ما اعتمدت في بلد ما، أي وزن إذا كانت ستفضي إلى ما يتعارض مع مصالحها!

وعن الولايات المتحدة تحديداً، أشير إلى ازدواجيتها بالذات وتلاعبها بالديمقراطية في الشرق الأوسط في ندوة “مشكلة الديمقراطية: الإسلام والليبرالية والسياسة الخارجية الأمريكية” التي عقدت قبل أيام قلائل، وعرض خلالها د. شادي حامد كتابه “مشكلة الديمقراطية” مع تعليق د. أماني جمال، عميدة كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون، ود. نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دينفر، وفرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب “نهاية التاريخ والرجل الأخير”.

وإذا كانت هذه الازدواجية معروفة ومتداولة على مستوى الحكومات وينتقد نفاقها من كتَّاب العالم الغربي نفسه، فهل يقف هذا الأمر عند الحكومات فقط؟!

تتبعت الأمر في كتابي “كيف ينظرون إلينا: الإسلام والمسلمون في ‏استطلاعات الرَّأي العالمية”، في فصل بعنوان “وصول الإسلاميين إلى الحكم”، ليتبين لنا بشكل مؤلم أن هذه العدوى قد انتقلت من الحكومات للشعوب حتى ولو بدرجة أقل! ففي الاستطلاعات التي أجرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في العامين 2005 و2008، حول دعم الولايات المتحدة للديمقراطية، حتى لو أدى ذلك إلى وصول الإسلاميين للحكم، ارتفعت نسبة الذين اعتبروا أنه لا ينبغي دعم بعض الدول نحو الديمقراطية إذا كان هناك احتمال كبير بأن الشعب سينتخب زعيماً “أصولياً إسلامياً”، من 54% في عام 2005، إلى 57% في عام 2008.

وفي ذات السياق؛ تم سؤال الأمريكيين في العام 2005 عن موقفهم تجاه الرئيس الباكستاني برويز مُشَرَّف، الذي وصل الحكم بانقلاب عسكري، ولكنه التزم بإجراء الانتخابات، ثم قام لاحقاً بتغيير رأيه، انقسم الأمريكيون مناصفة تقريباً؛ حيث اعتبر 43% منهم أنه يجب على الولايات المتحدة ألا تضغط على حكومة مُشَرَّف لإجراء الانتخابات؛ لأن هذه الحكومة كانت مفيدة في الحرب على الإرهاب، وإذا كانت هناك انتخابات فمن الممكن أن يفوز بها الأصوليون الإسلاميون، مقابل 40% يعتقدون أنه يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على حكومة مُشَرَّف لإجراء الانتخابات.

وفي استطلاع “Pew”، الذي أجري بعد شهرين من الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب الراحل د. محمد مرسي في يوليو 2013، فضّل 45% من الأمريكيين أن يقوم الجيش بقيادة مصر، مقابل 11% فقط يعتقدون أنه من الأفضل أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بقيادة مصر، و19% يرون أن كلاً منهما غير مؤهل لقيادة مصر.

وتكشف هذه الاستطلاعات أن فئة من الشعوب الغربية، وليست الحكومات فحسب، لا تؤمن بشكل حقيقي بالديمقراطية، وبضرورة احترام ما تأتي به صناديق الاقتراع والخيارات التي ارتضتها الشعوب الأخرى لنفسها، فهل جعل هؤلاء من الديمقراطية صنماً مقدساً في بلدانهم، لكنهم قد يدنسونه ويحطمونه في أي وقت إذا كان خارج حدودهم وجاء على غير هواهم؟

Exit mobile version