العيش بهدوء وطمأنينة وسرور

 

من أجل الطمأنينة والسرور لا بد من التسليم للقدر، وأنه من الله تعالى، وذلك مع بذل الأسباب والتسليم بأن كل ما هو من الله تعالى هو الخير.

الهدوء والطمأنينة والسرور أمنيات كل إنسان الذي يسعى في حياته دائماً وأبداً ليعيش هذه الحياة الجميلة ما بين الطمأنينة والهدوء والسرور، وأعلاها السرور بقضاء الله تعالى وأقداره والرضا فيها والتعايش معها وقبول أن الخيرة ما اختاره الله تعالى.

كل إنسان منا يسعى إلى أن يعيش بلذة الحياة ويستشعرها، وهذه اللذة لو دققنا فيها سنجدها لذة عابرة وما هي إلا متعة وأنس سريع وعابر، بل من الممكن أن تكون سبباً للحزن أو ما هو سيئ بعد انتهاء نشوتها السعيدة وانتهاء متعتها، ولكن السعادة والطمأنينة لا ينالها الإنسان إلا بالإيمان عموماً والتسليم بالقضاء والقدر، والإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأن الله جل جلاله يقدم للعبد أقداراً هي الأفضل في مضامينها ومستقبلها بالنسبة للعبد، إلا أن العبد أحياناً لا يدركها في حينها، فلذلك التسليم بأقدار الله أمر مهم، وإن كان فيها من الوهلة الأولى الخشونة والضيق أحياناً إلا أنها مهمة للسعادة والطمأنينة، ولنا في الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتلامذته عبرة وعظة نعمل بها، وذلك يوم أن كان رحمه الله تعالى في سجنه، يقول أحد تلاميذه وأظنه ابن القيم، يقول: “كنا إذا سُدت الدنيا أمامنا وتضايقنا وضاقت علينا ذهبنا لزيارته في السجن فنجد عنده الانشراح والأنس والطمأنينة التي لا يعلمها إلا الله تعالى”.

وهذا نراه في القرآن الكريم أيضاً وفي سورة “الكهف”، وكيف يبين الله تعالى أن من سلَّم أمره إليه أعطاه الطمأنينة والراحة في أضيق المواقع والأماكن، قال تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً) (الكهف: 16).

هكذا بالتوكل على الله أصبح ضيق الكهف رحمة ومرفقاً، وذلك برسوخ الإيمان في القلب والعقل والوجدان، عكس من ضاق صدره ونفسه بسبب الانحراف والابتعاد عن الإيمان والتسليم لله تعالى.

(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) (الأنعام: 125) والعكس، أوسع المساحات وأكبرها لا تشرح صدر المبتعد عن تسليم أموره إلى الله تعالى وعدم صدق التوكل عليه حتى السماء باتساعها وعظمتها لا تدخل في قلبه إلا الضيق والحزن والكآبة: (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام: 125).

إذا طلبت السعادة والسرور والسكينة من غير الرضا بالله وأقداره التي كلها خير لم ولن تحصل عليها، فهذا الرضا هو الراحة والسرور وهو القنطرة لعبور الدنيا إلى السرور الأبدي الخالد بعد الحساب يوم القيامة، نعم نبذل الأسباب التي أمرنا الله تعالى بالأخذ بها، ولكن الأسباب مع الرضا بأقدار الله والنتيجة عند الله، ولا بد أن يكون الأصل التوكل عليه أولاً وآخراً.

وكما أسلفنا كلنا نبحث عن السعادة ونبذل الجهد والأسباب من أجل الحصول عليها وعلى الطمأنينة، والكل يسعى لها، ولو دققنا بقول الله تعالى وأركان الإيمان، سنجد فيها السعادة والطمأنينة ولكن بشرط الرسوخ في القلب والوجدان، ومن ثم العمل بالجوارح والتسليم لله تعالى في كل أقداره.

لا يشعر الإنسان بالطمأنينة والسعادة والرضا إلا في استيعابه أن هذه الحياة فيها تنوع، فيها ما هو مفرح وما هو من المنغصات، وأن يسلم أن الحياة هكذا، ورسوخ هذا الشعور أن هذا هو ما يريده الله الخالق جل جلاله، ومن أعظم المواقف توكلاً على الله تعالى والرضا موقف سيدنا إبراهيم وترك زوجته وولده في الصحراء دون أن ينظر إلى وسائل الحياة حينها، وأيضاً موقف زوجته أم إسماعيل ورضاها حينما قال لها زوجها سيدنا إبراهيم: “نعم إنه أمر الله”، فقالت: “إذاً؛ فلن يضيعنا الله”، فمن أراد السعادة عليه السير على منهج وطريق أهل السعادة فحينها تكون الدنيا خير قنطرة تنقله إلى السعادة الأخروية الخالدة.

هناك أمور تبعد الإنسان عن السعادة والطمأنينة ومن ثم تؤدي به إلى غبش في نفسيته وتفكيره، ومن هذه الأمور شرب الكحول، والتدخين، فهذه من مسببات التوتر وتسبب الشعور بالضيق، ومقابل ذلك لبقاء السعادة دوام الابتسامة، والرحلات الترفيهية، والعمل التطوعي، والرياضة، والدعاء للناس بظهر الغيب بالسعادة والطمأنينة، لأن هناك ملكاً يقول لك: “ولك مثله”، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونختم بالمسك؛ ذكر الله تعالى كثيراً من الأمور المحورية التي تعين العبد وتوفقه للحياة السعيدة، وهي خير ما نختم به، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب)، هي طمأنينة عظيمة من العظيم المعبود إلى العبد الذي يعبده بإخلاص، العبد الذي يعلم التوحيد الحق.

 

 

 

 

________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version