قانون حقوق الطفل في الأردن سُم يسري في الدسم

 

أقر مجلس النواب الأردني، يوم الإثنين 19 سبتمبر الماضي، مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022م، كما جاء من اللجنة النيابية المشتركة (اللجنة القانونية ولجنة المرأة ولجنة شؤون الأسرة)، بعد أن أجرت اللجنة تعديلات جوهرية على كثير من مواد مشروع القانون الذي قدمته الحكومة.

مشروع القانون الذي شهد جدلاً واسعاً في المجتمع الأردني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لم يحظ بتعديلاته الأخيرة بقبول كثير من الأردنيين، ورغم تأكيد رئيس اللجنة القانونية والمشتركة النائب عبدالمنعم العودات أن المشروع يجب أن يتماشى مع ديننا الحنيف ومع الدستور الأردني وقانون الأحوال الشخصية.

أردنيون يرون أن حقوق الطفل مصونة بالدستور وليست هناك حاجة للقانون أصلاً

يعتقد بعض الأردنيين أن قانون حقوق الطفل الأخير لم يكن حاجة أردنية أصلاً، لأنه لا توجد أي دراسة اجتماعية أو علمية تثبت حاجة المجتمع إلى سن مثل هذا القانون، ولأن حقوق الطفل مصونة في الدستور ومغطاة في مختلف القوانين المعمول بها في المملكة، كالقانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وقانون التعليم والصحة وغيرها، وإنما جاء سن قانون حقوق الطفل في سياق الاستجابة  للضغوط الدولية ومتطلبات اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها الأردن عام 1991م، وصادق عليها في عام 2006م، مع أن الاتفاقية لا تطلب سَنَّ قانونٍ خاص، ولكنها تطلب أن تتلاءم التشريعات المحلية مع مواد الاتفاقية، إلا أن الحكومة الأردنية أصرت على تقديم مشروع خاص، ورفضت سحبه رغم كل الاعتراضات الواردة عليه، وهو ما زاد الشك والريبة في نفوس المتابعين عن أسباب هذا الاندفاع لتشريع هذا القانون.

التعديلات الجوهرية التي أدخلتها اللجنة النيابية المشتركة على القانون كانت جيدة عموماً، ولكنها لم تكن كافية للرد على كل تلك الانتقادات!

فقد أثار القانون بعد إحالته إلى مجلس النواب حراكاً شعبيا ًكبيراً لم يُسبق في تاريخ المملكة مع أي قانون، مما دفع اللجنة النيابية المشتركة، التي أحال المجلسُ مشروعَ القانون لها لدراسته، إلى إجراء مشاورات واسعة مع مختلف الجهات المحلية، لتخرج على الناس بعد ذلك بتعديلات جوهرية كبيرة تمس صلب القانون، إلا أن تلك التعديلات لم تكن كافية لطمأنة الشارع الأردني، بحسب بعض المراقبين.

القانون اشترط مراعاة النظام العام والقيم الدينية والاجتماعية ليتمتع الطفل بحقوقه المقررة

أبرز التعديلات

من التعديلات الجيدة التي أضافتها اللجنة على مشروع القانون وأقرها مجلس النواب:

– تعديل المادة رقم (4)، التي كانت تنص على أن “للطفل الحق في التمتع بجميع الحقوق المقررة في هذا القانون” لتكون بعد التعديل: “للطفل الحق في التمتع بجميع الحقوق المقررة في هذا القانون، وبما لا يتعارض مع النظام العام والقيم الدينية والاجتماعية وأي تشريعات أخرى ذات علاقة، وبما يكفل تمكين الأسرة من المحافظة على كيانها الشرعي كأساس لمجتمع قوامه الدين والأخلاق وحب الوطن”.

– وتعديل المادة رقم (8/ أ)، التي كانت تقول: “للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويحظر تعرضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته” صار التعديل: “مع مراعاة حقوق وواجبات والدَيْ الطفل أو من يقوم مقامهما في التربية والتوجيه وفقاً للقيم الدينية والاجتماعية والتشريعات ذات العلاقة للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويمنع تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله”. 

هذه التعديلات وغيرها كانت جيدة، ولكنها في المقابل أكدت للشارع الأردني أن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة للبرلمان لم يكن بريئاً، وأن المعارضين له لم يشيطنوا القانون، كما وصفهم البعض، بل كان الشيطان كامناً فعلاً في تفاصيله.

فهل أزالت اللجنة كل المواد التي انتقدها الأردنيون وأثارت قلقهم؟

.. وفتح المجال لتدخل مؤسسات خارجية غير بريئة لوضع سياسات حقوق الطفل

أخطر مواد القانون

يرى كثير من الباحثين أن القانون المعدَّل فيه ثغرات قانونية كبيرة تهدد قيم الأسرة الأردنية وسِلْم مجتمعها، منها على سبيل المثال:

المادة (2/ ب) التي أدخلت “الجهات الخاصة والأهلية” في تعريف “الجهات المختصة”، حيث أُعطيت “الجهات المختصة” صلاحيات واسعة في القانون (المواد: 8، 11، 12، 13، 15، 16، 18، 19، 20، 21، 23، 25، 26، 27، 28، 30)، مما يفتح المجال أمام منظمات الأمم المتحدة ومنظمات “NGOs” (المنظمات غير الحكومية الممولة خارجياً) للتدخل في الشأن الأردني الداخلي لتكون شريكة مع الحكومة في وضع سياسات قانون حقوق الطفل وتطبيقاته، كتطوير السياسات والبرامج في مجالات الصحة والتعليم، وتطبيق إجراءات فعلية على الأرض لضمان تنفيذ تلك السياسات، وصولاً إلى إعداد تقارير دورية ودراسات فنية عن حالة حقوق الطفل في المملكة.

التخوف من تدخل هذه المنظمات كان قد عبَّر عنه رئيس مجلس النواب المحامي عبدالكريم الدغمي، في جلسة 12 سبتمبر 2022م، حيث وصف المادة (2/ ب) أنها كالسم في الدسم، لأنها تسمح بتدخل منظمات “NGOs” التخريبية، على حد وصفه، وطالب بشطب “الجهات الأهلية والخاصة” من تعريف “الجهات المختصة”، إلا أن المجلس لم يستجب لطلبه، ووافق على تمرير المادة كما وردت في الجلسة المذكورة بطريقة غريبة، لتبقى كلمة رئيس مجلس النواب شاهدة على وجود السم في ثنايا هذا القانون، كما وصفه المعارضون.

فهل صَنَعَ القانون من تلك المنظمات سلطةً موازية لسلطة الدولة، حتى تخترق المجتمع الأردني بغطاء قانوني ودون رقابة رسمية، وتنقل أخبار الداخل إلى الخارج، وتستقوي على الدولة وقوانينها بسيف الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي؟! هذا ما سأله أحد المتابعين.

بعض التعديلات قد يُفهم منها مشروعية الزنى والشذوذ والتحول الجنسي والإجهاض

ثغرات أخرى

كما تحدث قانونيون عن وجود إشكالات أخرى في القانون المعدَّل لا تقل خطورة عما سبق، كتلك المصطلحات الواسعة والألفاظ الفضفاضة فيه، منها: “المصلحة الفضلى للطفل”، و”الرعاية البديلة”، و”تمتع الطفل بأعلى مستوى صحي” ونحوها، التي لها تفسيرات مكتوبة في تقارير الأمم المتحدة، كتلك التقارير التي تتحدث عن “الحرية الجنسية والإنجابية” كواحدة من الحريات والحقوق الصحية للإنسان؛ مما يعني مشروعية الزنى والشذوذ والتحول الجنسي والإجهاض ونحوه.

فهل ستفهم مصطلحات القانون بالمرجعية التي يستند إليها القانون (اتفاقية حقوق الطفل وتفسيراتها الأممية) أم وفق القوانين المحلية؟

يعتقد كثير من الأردنيين أن قانون حقوق الطفل لسنة 2022م لا يلبي حاجة أردنية داخلية، وإنما هو حلقة من حلقات استهداف منظومتهم الدينية والقيمية والأخلاقية، بسبب ضغوط خارجية تستغل حاجة الحكومات للقروض والمساعدات، وقد استطاعت التعديلات الأخيرة على مشروع القانون أن تخفف من بعض الانتقادات الموجهة للقانون، وبقيت بعض الثغرات بلا جواب، وتطبيق القانون هو المعيار الأخير الكاشف عن مدى مواءمته لأخلاق المجتمع وقيمه، إلا أنه من المؤكد أن الشعب الأردني بات اليوم أكثر وعياً بخطر منظومة الأفكار التي تحملها الأمم المتحدة والمنظمات المرتبطة بها على قيم الأسرة الأردنية المسلمة ودينها وأخلاقها، وهذا له ما بعده.

 

 

 

 

 

___________________________________________________

(*) مختص بالشؤون الأسرية

 

Exit mobile version