العفو والتسامح خلق رفيع

 

العفو والتسامح من أرفع القيم، وأزكى الخلق الإنسانية؛ وهو دليل القوة وأنصع وأوضح ظواهر الرجولة، وهو نقيض الحقد والحسد والتعصب المقيت وما شابه.

وهذا الخلق إن دل على شيء فإنما يدل على أن صاحبه إنسان محترم، قوي النفس، رفيع الخلق، ولديه رجاحة عقل واتزان، يحمل العلم والمعرفة حتى وصلت به الحال أنه يحترم الخلاف، ويعتقد أن الخلاف أمر إنساني، وهي طبيعة إنسانية ومن غيرها تهتز إنسانية الإنسان، فلذلك يجب احترام المقابل حتى وإن اختلف معك.

والإنسان السوي يؤمن بتبادل العلوم والأفكار والثقافات، والأخذ بكل ما هو جائز منه وبه ما دام لا يخدش الثوابت أو ديناً أو خلقاً، وذلك كما بينه الله تعالى في كتابه العظيم موضحاً تبادل المعارف والثقافات والعلوم بين البشر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).

الآيات فيها أعظم وأكبر أرضية للتعارف وتبادل المعرفة والعلوم، وهي مطلقة “لتعارفوا”، وذلك في هامش المعرفة أو الوصية الإلهية؛ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

والله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم يقول: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125).

ويرشدنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم أن حسن الحديث والرقة، وحسن اختيار المفردة والقول والزمان، وحسن اختيار الوقت المناسب للنصح مهم أيضاً، وحسن فهم المقابل هي فضيلة وخلق عظيم وكريم، وهذه الأخلاق تُنقي وتُصفي المجتمع في حال نشرها، تنقية وتصفية من الحقد والحسد والقلق، ولها آثارها الإيجابية على المجتمع والأفراد وأيضاً والتكتلات والجماعات، وهي مغلاق باب الشر ومفتاح أبواب الخير.

نعم، التسامح يزيل الحقد والغل، وهو دليل على الثقافة الرفيعة، ودليل حصافة العقل الذي لديه القدرة على احتمال واحتواء المخالف، وهو أيضاً باب من أبواب العلم الكبيرة التي إن فتحت لا تغلق ولا يدخل منها إلا الخير والمعرفة المفيدة، كما أسلفنا، يكفيها أنها تعمل على تلاشي التعصب والتشدد، والعنف والتطرف؛ سواء اجتماعياً كان أو دينياً أو غيره.

فلذلك، لا بد من التركيز على هذا الخلق من أجل بناء أجيال للمستقبل تحمل العفو والتسامح الحق والحب، وذلك من خلال مناهج التعليم بالتضافر مع وسائل الإعلام والتركيز عليها سمعاً ومشاهدة وكتابة لنشر ذلك.

فثقافة التسامح والحب تؤدي في النهاية إلى الشعور بالسلام والسعادة في المجتمع، وحينها يصعب على الشيطان اختراقه، جماعاته وأفراده.

فالتسامح والحب والتنازل يتم بهما احترام المجتمع ورفع شأنه، ومن ثم يفرض احترامه على المجتمعات الأخرى وعلى مستوى الأفراد أيضاً.

ولا يعني التسامح أن يتنازل الفرد أو المجتمع عن الثوابت، ولكن ما نعنيه أن تكون النية والأفكار والتمسك والتنازل عما هو ممكن مع الابتسامة والخلق وبيان الرضا وتأجيل ما يصعب نقاشه؛ وذلك ليحصل الجميع على أرضية أكبر وأوسع تحتمل وتستوعب وقوف جميع أطياف العقول والآراء والأعراق عليها، والجميع حينها يتمتع بالحقوق، ولا يمكن بالتسامح أن يتم التنازل عن الأصول والثوابت الدينية والاجتماعية في المجتمعات، وحتى بين الأفراد لا يجوز ذلك.

ونضرب لذلك مثالاً؛ التسامح مع الكيان الصهيوني باسم الإنسانية وتركه مغتصباً أرض المسجد الأقصى المبارك، وقتل أهل الإسلام في أرضهم فلسطين المحتلة، فهذا أمر لا يمكن التنازل عنه؛ فذلك عبارة عن جهل مطبق أو خيانة شيطانية، أو جبن وخيانة.

ومن أعظم درجات التسامح التواصي بالحق والصبر؛ قال تعالى: (وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، نعم الصبر على تصرفات الآخرين وعدم مقابلة الإساءة بالسوء، بل على العكس مقابلة الإساءة بالحسنى والإحسان، والله تعالى يحب المحسنين.

 

 

 

 

 

_________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version