زواج الأطفال في تنزانيا.. الفقر يفاقم الظاهرة

 

رغم التدخلات المتعددة، فإن زواج الأطفال آخذ في الارتفاع في تنزانيا، ما يعرض الفتيات الصغيرات للاستغلال الجنسي مع حرمانهن من الحق في التعليم، بحسب مسؤولين تنزانيين.

وتُجبر فتيات لا تتجاوز أعمارهن 14 عامًا على الزواج، حيث تدفع تكلفة المعيشة المتزايدة الأسر إلى حافة البقاء على قيد الحياة.

وأكد ديوس مهوجا، مسؤول الرعاية الاجتماعية في مجلس مقاطعة شينيانغا (شمال غرب)، لـ”الأناضول”، تضاعف زواج الأطفال خلال عام واحد فقط.

وأضاف مهوجا: تم تسجيل 42 حالة زواج أطفال بين يناير الماضي وأغسطس الجاري في شينيانغا، الأكثر تضرراً من الجفاف، مقارنة بـ19 حالة موثقة في عام 2021.

وأردف: الوضع في أماكن أخرى أسوأ، حيث إن الآباء الفقراء بحاجة ماسة إلى المال.

وأنقذت الشرطة التنزانية، الأسبوع الماضي، فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا كان من المقرر تزويجها في شينيانغا مقابل مبلغ 200 ألف شلن تنزاني (86 دولارًا)، حيث دفعت 10 بقرات كمهر.

وراء القضبان

قالت بريهتون روتاجاما، رئيسة مكتب النوع الاجتماعي في شرطة شينيانغا لـ”الأناضول”: إن الشرطة وجهت اتهامات جنائية ضد العائلتين.

وأوضحت أن الكثير من الآباء يفضلون تزويج بناتهم للحصول على المال.

وفي أنحاء المنطقة المنكوبة بالجفاف، تواجه العائلات خيارات يائسة للبقاء على قيد الحياة حيث تسبب تغير المناخ بجفاف مصادر المياه ويقتل الماشية.

وتنزانيا واحدة من الدول التي لديها أعلى معدلات زواج الأطفال في العالم، حيث تتزوج في المتوسط، فتاتان من كل 5 فتيات قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة.

وبعبارة أخرى، فقد تزوج حوالي 37% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن حالياً بين 20 و24 عامًا قبل سن 18، وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

ويعتبر زواج الأطفال مشكلة خطيرة في تنزانيا تؤثر على الفتيات في المناطق الريفية.

ورغم أن قانون الزواج في تنزانيا لعام 1971 يحدد سن زواج الأولاد بـ18 عامًا، فإنه يسمح للفتيات من سن 14 عامًا بالزواج بموافقة المحكمة أو الوالدين.

ومع ذلك، فإن المدافعين عن حقوق الفتيات يعارضون القانون باعتباره ينتهك حق الفتيات في التعليم، بالنظر إلى أنه في تلك السن المبكرة، لا تكون الفتيات مستعدات بيولوجيًا للحمل والولادة ومواجهة تحديات الحياة، وفق ما يقولون.

ثقافة تمييز عميقة الجذور

وفي مقابلة مع “الأناضول”، قالت كارولين لاغات، مسؤولة البرامج في منظمة “Equality Now”، وهي مؤسسة خيرية دولية لحقوق الفتيات: إن زواج الأطفال ناتج عن أعراف أبوية واجتماعية وثقافية تمييزية عميقة الجذور ضد النساء والفتيات.

وأضافت لاغات: في الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً وتكافح بموارد محدودة، يكون الأكثر شيوعًا هو سحب الفتيات من المدرسة من أجل العمل أو الزواج.

وغالبًا ما يقوم الآباء بتزويج بناتهم لتخفيف العبء المالي على الأسرة، بحسب لاغات.

ويقول نشطاء تنزانيون: إنه في حين أن حمل المراهقات هو السبب الجذري لترك الفتيات المدرسة، فقد فشلت الحكومة في معالجة العنف الجنسي والإكراه، ولم تقم بعد بإدخال التربية الجنسية الشاملة في مناهج التعليم في تنزانيا.

كما دعت لاغات إلى توفير تعليم جيد في مجال الصحة الجنسية والإنجابية من ناحية، وضمان دعم الفتيات لإكمال تعليمهن أثناء محاربة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل النساء والفتيات عرضة للاستغلال الجنسي من ناحية أخرى.

وشددت على ضرورة تكثيف الجهود للقضاء على العنف ضد الفتيات والنساء، كما يجب إنفاذ القوانين المناهضة للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل أفضل لضمان معاقبة الجناة.

ووفقاً للخبيرة نفسها، فإن القوانين المتعارضة بشأن زواج الأطفال في تنزانيا قد تركت فجوات كبيرة وخلقت أرضية خصبة لانتهاكات حقوق الفتيات.

وأشارت إلى أن القانون أداة قوية لمكافحة الممارسات الضارة، مثل زواج الأطفال، ويعكس مدى التزام الحكومة بتوفير الحماية لأولئك الأطفال.

معضلة البنات

وبينما يعتمد النشطاء على القانون لمنح الفتيات حق الوصول إلى العدالة عند انتهاك حقوقهن، يحظر قانون الزواج لعام 1971 زواج الأولاد قبل سن 18 عاماً، إلا أنه يسمح للفتيات في سن 14 عامًا بالزواج بموافقة الوالدين أو المحكمة.

واعتبرت لاغات أن الفجوة الأساسية في قانون الزواج لا توفر حماية متساوية، وهي شكل من أشكال التمييز ضد الفتيات على أساس الجنس.

وأوضحت أن القانون التنزاني ينتهك القانون الدولي بالسماح بالتمييز ضد الفتيات اللائي يقل سن زواجهن عن الأولاد.

وشددت لاغات على أن السماح للفتيات بالزواج، وهن ما زلن أطفالاً يعرضهن لانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.

ويعرف القانون الدولي لحقوق الإنسان الطفل باعتباره أي شخص يتراوح عمره بين 0 و18 عامًا.

وزواج الأطفال يوقع العديد من الفتيات في شرك دائرة الفقر، ويمنعهن من تحقيق كامل طموحاتهن، بحسب الخبيرة ذاتها.

وتم الطعن في دستورية قانون الزواج في تنزانيا من قبل مبادرة مسيشانا، وهي منظمة غير حكومية لحقوق الفتيات مقرها دار السلام.

وفي عام 2016، قضت المحكمة بأن الزواج تحت سن 18 عامًا غير دستوري، وأمرت الحكومة برفع الحد الأدنى للزواج إلى 18 لكل من الفتيات والفتيان في غضون عام واحد.

وحول الحكم المذكور قالت لاغات: من المؤسف أن الحكومة لم تلتزم بهذا القرار، ولم يتم تعديل قانون الزواج فعلياً.

وفي عام 2020، رفعت منظمة “Equality Now” إلى جانب جهات حقوقية أخرى قضية مشتركة في المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، سعياً منها لإلغاء سياسة البلاد التمييزية المتمثلة في طرد الفتيات الحوامل من المدرسة، ومنع الأمهات المراهقات من العودة إلى المدرسة بعد الولادة.

ورأت لاغات أنه ينبغي على تنزانيا الاستثمار في برامج التوعية لضمان بيئة آمنة ومواتية للأمهات المراهقات لمواصلة تعليمهن، وخالية من وصمة العار الاجتماعية.

وحثت لاغات الحكومة، على القيام بدور نشط في حماية حقوق الفتيات من خلال تدريب المسؤولين على منع زواج الأطفال وملاحقة القضايا.

كما حثت لاغات الحكومة على جمع بيانات شاملة عن زواج الأطفال لتوجيه عملية تطوير وتنفيذ البرامج التي تهدف إلى معالجة المشكلة، وتمكين الفتيات من تحقيق طموحاتهن الكاملة.

واختتمت لاغات حديثها قائلة: يجب أن يتاح للناجيات من زواج الأطفال الوصول إلى العدالة، ومحاسبة الجناة.

Exit mobile version