الإعراض عن “مرجعية الشريعة”

 

كثيرة هي نصوص الوحي التي جعلت الإذعان إلى تحكيم الشريعة والخضوع لمرجعية الإسلام معياراً لصحة الإيمان وسلامة العقيدة، هذه القضية المعيارية يقفز عليها البعض ويحسبونها هينة وهي عند الله من العظائم.

تأمل هذه الآية وما تنطوي عليه من دلالات لو فقهها المخاصمون لمرجعية الشريعة لأدركوا ما هم عليه من خطر: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ) (النور: 48).

إن مجرد الإعراض عن الاحتكام إلى الشريعة قد يضع الإنسان في خانة الخطر، فكيف بمن يجرد طاقاته الفكرية والأدبية لإهدار مرجعية الإسلام؟! بل كيف بمن يوظف سلطاته السياسية لإحباط كل مساعي الإحياء لتكون كلمة الله هي العليا؟! لقد وصف القرآن تلك الفئات بقوله: (وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (النور: 47).

لا ريب أن خصوم مرجعية الشريعة داخلون في الوعيد النبوي: “دعاة على أبواب جهنم”، ولكن المرء يشفق على المستجيبين لهم؛ “من أجابهم إليها قذفوه فيها”، فكثير من هؤلاء لا يفطن إلى حقيقة الأمر ودرجة خطورته فيخوض مع الخائضين مأخوذاً بالشعارات الزائفة والمقولات الواهية التي تصاحب تلك الدعوات!

الإذعان لمرجعية الشريعة شرط لصحة الإيمان وأصل من أصول الإسلام، فمن لم يستوف الشرط ولم يستمسك بالأصل فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، أياً كان حظه من الالتزام الشعائري والتمسك بالهَدْي الظاهر.

والإيمان البارد بحاكمية الشريعة لا ينجي صاحبه، إذ لا بد من السعي إلى تحويل ذلك الوهج الإيماني إلى عمل، كل من موقعه وكل قدر استطاعته.

أقول هذا وأنا أرى بعض الصالحين مُعْرِضين عن معركة التمكين لهذا الدين، قد أهمَّتهم أنفسهم وانصرفوا إلى خاصة أنفسهم وخلاص ذواتهم، وهذا ضرب من ظلم النفس الذي ندد به القرآن: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (النساء: 97)، والحجة هي الاستضعاف والعجز عن التغيير، وهي حجة داحضة أدانها القرآن وأنكر على اللائذين بها!

نعلم أن الأمة في مجملها منحازة إلى مرجعية الشريعة، فلم تسنح فرصة قط إلا وأظهرت فيها الأمة انتصارها للخيار الإسلامي، غير أن طائفة معزولة ما فتئت تصادر حق الأمة في إقامة دينها وتحكيم شريعتها واستعادة هويتها المسلوبة.

نخلص إلى أن السعي إلى تحقيق مرجعية الشريعة قضية ركنية لا يصح الإيمان إلا بها، والإعراض عنها، بوجه من الوجوه، يُعد قادحاً من قوادح الإيمان، إن لم يكن ناقضاً من نواقضه، فما بال أقوام قد غفلوا عن هذا المعنى العظيم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!

 

  

_______________________________________________

(*) أكاديمي عُماني وخبير في الشؤون الإستراتيجية.

Exit mobile version