ربانيون مع الأجيال(5).. إصلاح!

 

في رحاب «ربانية التعليم»، يظل الداعية المربي والأب الرباني يحسن عرض فكرته ويعدد طرق تعليمه بما يواكب عقلية الجيل وبما ألفوه وفهموه واعتادوا عليه، رائده الحكمة وروعة الخطاب، الخطاب السهل البسيط المبشر الميسّر الذي يجمع ولا يفرق ويؤلف ولا يؤلب؛ فيه الآية والحديث والقصة والشعر والمثال والطرائف والرقائق مقتبساً من الماضي والحاضر والواقع والحدث ومشكلات العصر، وخلاصة هذا الخطاب وهدفه الإصلاح.

إصلاح القلب والنفس

«إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً»(1).

ويجب الانتباه إلى النفس؛ نفسك التي بين جنبيك، فمن أكبر العقوبات للعبد أن يُنسيه الله تعالى نفسه؛ (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر: 19).

والمسلم الذكي الكيس يجاهد نفسه، متضرعاً إلى الله تعالى، وداعياً أن يبصره بحقيقة نفسه.

«نفسك عالم عجيب، يتبدل كل لحظة ويتغير، ولا يستقر على حال؛ تحب المرء فتراه ملكاً، ثم تكرهه فتبصره شيطاناً، وما ملكاً كان قط ولا شيطاناً، وما تبدل، ولكن تبدلت حالة نفسك، وتكون في مسرة فترى الدنيا ضاحكة، حتى إنك لو كنت مصوراً لملأت صورتها على لوحتك بزاهي الألوان، ثم تراها وأنت في كدر باكية قد غرقت في سواد الحداد، وما ضحكت الدنيا ولا بكت، ولكن كنت أنت الضاحك الباكي»(2).

«في النفس كبر إبليس، وحسدُ قابيل، وعُتُوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة النمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، ووقاحة هامان، وهوى بلعام، وحِيَل أصحاب السبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبي جهل.. ‎وفيها من أخلاق البهائم: حرصُ الغراب، وشرهُ الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجُعَل، وعقوق الضب، وحِقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولةُ الأسد، وفسقُ الفأرة، وخبثُ الحيّة، وعبثُ القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفّة الفراش، ونوم الضبع.. غير أنّ الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك»(3).

والبشرية بحاجة إلى نظام صلح وإصلاح؛ نظام يصلح شأنها الخاص وأمرها العام، وهذا لا يكون إلا بالإسلام؛ النظام الرباني الكامل المتكامل؛ «الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خُلُقٌ وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة، أو كسب وغِنَى، وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة، وعبادة صحيحة سواء بسواء»(4).

والداعية الرباني والأب الحكيم المربي يقرّب المعاني ويبسّط المفاهيم وهو يخاطب الجيل مع ربطهم بواقعهم!

قائلاً ومشفقاً وحريصاً:

إنكم تواجهون اليوم مؤامرة الدمار الشامل!

نعم مؤامرة ولست مبالغاً ولا مهوّلاً!

مؤامرة الشذوذ الجنسي التي يطلقون عليها المثلية!

ومؤامرة الإلحاد وربما يطلقون عليها حرية الفكر!

ومؤامرة الحشيش والمخدرات!

إننا إذا اعتصمنا بالإسلام ديناً وعقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة ومنهاج حياة؛ إننا ساعتئذ ركبنا سفينة النجاة ووصلنا بإذن الله ساحل الأمان مع موكب الإيمان!

فليطلقها الرباني الحريص:

بالعفة والطهر وجمال الأخلاق ننسف عفن المثلية ونبدد ظلمات الشذوذ.

وبالإيمان والتوحيد نقذف الإلحاد والكفر فإذا هو زاهق.

وبالدعوة للخير وبأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجعل سوق المخدرات في خسران وعظيم بوار.

والمربي الرباني يدل الناس على الخير؛ فالدال على الخير كفاعله، وأولى الناس الذين يدلهم على الخير هم أهله وأقاربه رجالاً ونساء كباراً وصغاراً.

المراكز التربوية والمجالس الإيمانية والديوانيات، وجمعيات النفع العام التي تُعنى بالقيم والأخلاق، وتقدم الدورات التخصصية، وحلقات المساجد ودور القرآن الكريم ومراكز الدراسات الإسلامية؛ منابع خير وأنوار حكمة ومشاعل نور.

وهل يوجد مكان في العالم أنظف وأطهر وأحسن وأهدأ من المساجد؟!

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا                       «الله أكبر» في شوق وفي جذل

أرواحهم خشعت لله في أدب                            قلوبهم من جلال في وجل

نجواهم: ربنا جئناك طائعة                                نفوسنا، وعصينا خادع الأمل

إذا سجى الليل قاموه وأعينهم                         من خشية الله مثل الجائد الهطل

هم الرجال فلا يلهيهم لعب                               عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل(5)

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

________________________________________

(1) ابن القيم الجوزية، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.

(2) علي الطنطاوي، صور وخواطر.

(3) حسن البنا، رسالة التعاليم.

(4) ابن القيم الجوزية، الفوائد.

(5) محمد أحمد الراشد، الرقائق.

Exit mobile version