هل هناك إرهاب إسلامي؟

 

 

تحصر أجهزة الدعاية في بلدان الاستعمار والاستبداد والتبعية مسألة الإرهاب في الإسلام، وتستخدم التورية لاتهام الإسلام بالإرهاب من خلال بعض الجماعات الإسلامية، وتعمّم ذلك على المسلمين بوصفهم إرهابيين أو أتباعا للإرهاب!  ولكن نفرا ممن باعوا المنهج العلمي، والفكر الموضوعي، وجدوا في أنفسهم الجرأة لينعتوا الإسلام صراحة ومباشرة بالإرهاب، فيتحدثون عن الإرهاب الديني، أو الإرهاب الإسلامي، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون إسناد الإرهاب إلى دين آخر، فلا يقولون الإرهاب اليهودي، أو الإرهاب الصليبي، أو الإرهاب الهندوسي مثلا.. غاية القوم واضحة وهي “شيطنة الإسلام” وحده لأنه الحائط الواطئ الذي لا يدافع عنه أحد، وأهله مشغولون بالدفاع عن أشياء لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد!

المستبدون الطائفيون ووكلاء الاستعمار الغربي واليهودي في عالمنا العربي قتلوا مئات الإلاف من المسلمين السنة، ولم يصفهم أحد بالإرهاب. تأمل مثلا ما جرى في سورية والعراق.. قرابة المليون مسلم سني تم قتلهم وسحقهم تحت الأنقاض بمساعدة الباطنيين والميليشيات الطائفية، والقوات الصليبية الاستعمارية الروسية، والتحالف الصليبي الدولي، وقس على ذلك ما حدث ويحدث في أفغانستان، وليبيا والسودان والروهينجا وتركستان الغربية والشرقية..

تسويغ الهمجية الدولية

هل نستطيع أن نسمي ما فعلته أميركا بالعراق قبل ثلاثة عقود من خداع وتحريض وقتل وقصف أودي بحياة ثلاثة ملايين عراقي- غير المصابين والأرامل واليتامي، إرهابا صليبيا طائفيا؟ إنهم يتذرعون في تسويغ الهمجية الدموية بزرع الديمقراطية في بغداد، فهل أقاموا حقا ديمقراطية هناك؟ هل حرروا الشعب من الاستبداد؟ لقد انتهى الأمر بانسحاب الغزاة القتلة، وترك الميليشيات الطائفية تتوحش في أرجاء بلاد الرافدين، ويتم نهب البلاد وإذلال العباد وسرقة الثروات، وتورد أوراق بنما أرقاما مذهلة للسياسيين الطائفيين وغير الطائفيين الذين سرقوا أموال الدولة، وهربوها إلى الخارج! .. ومع ذلك لا يفكر نقاد الأدب ومن يتصدرون المشهد الثقافي في بلاد العرب التعيسة ان يصفوا ما يفعله الأميركيون واليهود ووكلاؤهم في بلاد العرب بالإرهاب والتطرف والظلامية والوحشية.. إنهم يركزون على الإسلام وحده، ويرون في رواية يكتبها شيوعي أو ناصري أو ليبرالي أو ملحد أو عميل للغرب واليهود فتحا مبينا في مواجهة الإرهاب الإسلامي الذي يقض مضاجعهم، مع أن المسلمين أول ضحايا الإرهاب!

وكلاء الاستنارة!

الإرهابي الحقيقي يطلق على نفسه اسم الاستعمار، أي إنه يعمّر ويبني ويزرع ويصنع، ويخطط، ويقيم حياة سعيدة، مع أنه يظلم أهل البلاد المستعمرة ويقتل منهم ما يستطيع، وينهب ثرواتهم، وينقل معادنهم وومدخراتهم، ويجعلهم سوقا مفتوحة يبيع فيها أسلحته الصدئة، وطائراته التي لا تتحقق فيها الكفاءة، بل تنزع منها الآلات الحاسبة، بحيث لا تعمل في الميدان الحقيقي، والاستعمار يطلق على نفسه اسم التنوير والحداثة، وهو ينشر الظلام والتخلف ويفرض ثقافته الوحشية المعادية للفطرة والإنسانية بقوة السلاح أو عن طريق الوكلاء الذين يزعمون الاستنارة والتقدم، ولا يخجلون وهم يزكون أنفسهم بالباطل، ويسبغون على أنفسهم من الصفات ما لا يستحقون!

دعونا- من فضلكم- نفهم أولا معنى الإرهاب أومفهومه وتاريخه، وموقف الإسلام منه.. كي نستطيع أن نفسر الأدب أو الكتابات الأدبية التي تتناول الإسلام بوصفه إرهابا وعنفا وتطرفا وظلاما…!

مفهوم الإرهاب وتاريخه:

في موسوعة ويكيبديا:

الإرهاب والاستخدام المنهجي له، عبارة عن وسيلة من وسائل الإكراه في المجتمع الدولي. والإرهاب لا يوجد لديه أهداف متفق عليها عالميًا ولا ملزمة قانونًا، وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد جماعات دينية وأخرى سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل مقصود لسلامة المدنيين. بعض التعاريف تشمل الآن أعمال العنف غير المشروعة والحرب. ويتم عادة استخدام تكتيكات مماثلة من قبل المنظمات الإجرامية لفرض قوانينها.

ويمكن تعريف الإرهاب المعاصر في توصيف بسيط غير مخل، هو كل عنف يمارسه شخص أو مجموعة أشخاص أو حكومات، ضد الأفراد والمؤسسات ويتجاوز القانون والأعراف، ويلحق الأذى والخوف بالآمنين المطمئنين، فاحتلال أرض الآخرين إرهاب، واعتداء الدول الكبرى على الشعوب الضعيفة إرهاب، وخرق القوانين الدولية في التعاملات مع استخدام القوة إرهاب، وترويع الأفراد والجماعات المخالفة إرهاب…

العمل الإرهابي عمل قديم يعود بالتاريخ لمئات السنين ولم يستحدث قريبًا في تاريخنا المعاصر. ففي القرن الأول وكما ورد في العهد القديم، هَمَّت جماعة من المتعصبين على ترويع اليهود من الأغنياء الذين تعاونوا مع المحتل الروماني للمناطق الواقعة شرق البحر المتوسط. وفي القرن الحادي عشر، لم يجزع الحشاشون (الباطنيون) من بثّ الرعب بين الأمنين عن طريق القتل، وعلى مدى قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم، وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب.

فترة الرعب

وفي حقبة الثورة الفرنسية الممتدة بين الأعوام 1789 إلى 1799م ويصفها المؤرخون بـ”فترة الرعب”، فقد كان الهرج والمرج ديدن تلك الفترة، إلى درجة وصف إرهاب تلك الفترة “بالإرهاب الممول من قبل الدولة”. حيث لم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي فحسب، بل طال الرعب الشريحة الأرستقراطية الأوروبية عموماً.

إن الإرهاب صناعة أنتجتها الدول الغربية الاستعمارية، وصدرتها إلى بلادنا، وقد أكد ذلك فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في لقائه مع وفد الكلية الملكية لدراسات الدفاع البريطاني، حيث قال: «أنا ممن يعتقدون بأن الإرهاب ظاهرة سياسية وليست دينية، فالإرهاب صنعته بعض الأنظمة السياسية الغربية وصدرته للعالم، وألصقته باليهودية والمسيحية والإسلام؛ لتحقيق مكاسب وأجندات بالغة التعقيد»، وأكّد أنَّ الأزهر استجاب للواقع المعاصر بأفكار رائدة بدءًا من تضمين مناهجه لموضوعات تكافح التطرف والتكفير، وتوضح مفهوم دار الإسلام ودار الحرب، وعلاقة المسلمين مع غيرهم..”. وذكر أنَّ ثقافة الأزهر على مر العصور تقوم على تنشئة طلابه على مناقشة الرأي والرأي الآخر، واحترام الثقافات المتعددة والمختلفة. (بوابة الأزهر – 25 مايو 2022م).

مخطط بريجينسكي

ويعترف خبير أمريكي من أصل مصري اسمه: محمد كمال الصاوي، عمل بالخارجية الأميركية، في حديث إلى موقع (عربي 21) نشر الجمعة، 27 مايو 2022م، أن الولايات المتحدة هي مَن خلقت “الإرهاب الإسلامي الحديث(!)”، ولقد وقعت التيارات الإسلامية في المخطط الذي قام به زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي للرئيس الأسبق جيمي كارتر، حيث استخدم هذه التيارات في لعبة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. ويرى أن مصر والسعودية قد تورطتا في تسليح وتدريب وتمويل عمليات الإرهاب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي عن طريق من سمتهم بالمجاهدين، وقد عادت الدجاجة بعد أن تدربت لتضع بيضتها الفاسدة في البلاد التي رعتها. (هذا القول يغفل مثلا الرأي القائل إن الولايات المتحدة أرادت أن تتخلص منهم حتى لايفكروا في الذهاب إلى فلسطين، مع أنهم عادوا بدون سلاح!، كما يغفل أن بعض الحكومات تحتاج إلى استخدام فزاعة الإرهاب، لمواجهة بعض الفئات أو الأطراف التي ترى أنها تعرقل وجودها الاستبدادي، وتكشف تفريطها في المصالح الوطنية والقومية لحساب الأعداء).

هناك من يرى أن أحد الأسباب التي تجعل شخصًا ما إرهابيًا أو مجموعة ما إرهابية، هو عدم قدرة هذا الشخص أو تلك المجموعة على إحداث تغيير بوسائل سلمية مشروعة، وهو ما يفرض لتجنب الإرهاب توفير الأذن الصاغية لما يطلبه الناس (سواء أكثرية أو أقلية) لنزع الفتيل الذي يشعل العنف أو يهيئ لتفاقم الأعمال الإرهابية.

كما أن هناك من الباحثين من يتجاهل الظلم الصارخ الذي يلحق ببعض الأفراد والجماعات، حيث يخلق لديهم نزعة للثأر من ظالميهم أو معذبيهم، وخاصة حين يقعون أسرى أو يقبعون في السجون بلا حول ولا طول، فيشعرون أن الحياة بلا قيمة، ويكون هدفهم الرئيس هو الانتقام من جلاديهم ولو كان الموت هو الثمن!

اليهود والخوارج

وقد سجل التاريخ كثيرا من عمليات الإرهاب منذ القدم، وعلى سبيل المثال، فقد كانت أبرز عمليتين إرهابيتين قبل القرن الحادي عشر الميلادي، واحدة سرية قامت بها طائفة من اليهود ضد الرومان وتضمنت اغتيال المتعاونين معهم، وأخرى قام بها الخوارج وهي اغتيال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه. 

أما في العصر الحديث فما أكثر العمليات الإرهابية على يد الغزاة الاستعماريين أو عملائهم، ولعل أشهرها ما قامت به العصابات اليهودية الغازية في أرض فلسطين، ومنها ما قامت به عصابات الأرجون زفاي ليومي، والهاجاناة، وكان يقودهما الإرهابيان مناحيم بيجن، ودافيد بن جوريون، فقد قامت العصابات التابعة لهما، بتفجير فندق الملك دواود في القدس عام 1946م، لاستهداف المندوب السامي البريطاني في فلسطين( وقد فاخر الإرهابي بيجن في مذكراته بهذه العملية ووصفها وصفا تفصيليا)، كما نفذت العصابات اليهودية الغازية أشهر مذابحها عام 1948م في قرية دير ياسين، لإنشاء مطار بن جوريون الحالي(اللدّ)، ومذبحة قرية كفر قاسم! وقد راح ضحيتهما مئات الفلسطيين الأبرياء العزل. 

الإرهاب في القرآن الكريم:

ويأتي ذكر الإرهاب في القرآن الكريم، بوصفه وسيلة ردع عسكرية نفسية، لمواجهة تحرش العدو بالإسلام والمسلمين، في إطار الاستعداد من ناحية، ومنع القتال والعدوان من ناحية أخرى، قال تعالى:”وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال: 60).

قال المفسرون: أي ‏{‏وَأَعِدُّوا‏}‏ لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم‏.‏ ‏{‏مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ‏}‏ أي‏:‏ كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي‏:‏ والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير‏.( ينظر مجموعة التفاسير لهذه الآية: الطبري والسعدي،والبغوي، وابن كثير، والقرطبي وغيرهم.

فالإرهاب هنا دفاع الدولة الإسلامية في وجه الغزاة المعروفين، والمجهولين الذي يفكرون في الغزو والعدوان وإخافتهم حتى لا يجرءون على العدوان أوالهجوم،

قتل الملايين!

بيد أن المفهوم الغربي الصهيوني الاستعماري أطلق مصطلح الإرهاب على مقاومته، والكفاح ضده، فالفلسطيني الذي يدافع عن أرضه ومقدسات المسلمين في فلسطين المحتلة إرهابي، والمسلمون في شتى بقاع الأرض الذين يواجهون الغزاة ومن يحتلون بلادهم، ويدافعون عن حقهم في الحياة إرهابيون، والمصري الذي كان يدافع عن بلاده ضد جيش نابليون الغازي أو جيش بريطانيا العظمى الاستعماري يسمى إرهابيا، أما قتل الملايين في أفغانستان، والشيشان والعراق وسورية والساحل الإفريقي بأحدث الطائرات والقاذفات والأسلحة الحديثة ، فهذا ليس إرهابا ، ولكنه قضاء على الإرهاب كما يدعي الغرب الاستعماري؟!!

وهذا المنطق يؤمن به كتّاب الاستبداد في العالم الإسلامي ويرددونه، حيث يرون أن المقاومة إرهاب، وخروج على القانون (قانون المحتل الغاصب بالطبع!)، بل يحصر بعضهم الإرهاب في الإسلام ويجعل التاريخ الإسلامي منذ عصر النبوة بدايته!

اتق الله

يعتقد أحدهم أن ما دار من حوار بين النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) وبين رجل يسمى «ذو الخويصرة التميمى»، الذي تجرأ على النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: «اعدل.. اتَّقِ الله!!». بداية الإرهاب، بدلا من أن يكون بداية للسلوك الديمقراطي، وهذا أمر يثير الابتسام، فالرجل بدوي، ويتصور أن له حقا، وقد قابله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم بصدر مفتوح وقلب رحيم، وتساؤل إنكاري: ومن يعدل إذا لم أعدل أنا؟ لم يشهّر بالرجل، ولم يعتقله، ولم يقدمه لمحاكمة استثنائية!

ثم يتقدم بعضهم خطوة نحو تدشين خطاب التطرف ويجعل بدايته «موقعة صفين» عام ٣٧ هجرية، التي كان طرفاها الإمام على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وظهور الخوارج وطلبهم الاحتكام إلى القرآن، ثم ظهور مبدأ الحاكمية(؟)، الذي ظهر لأول مرة وقتها وكان مأربه سياسيًّا بحتًا-

شيطنة الإسلام!

ويلاحظ هنا أن القوم يربطون بين التطرف والإرهاب ويلحون باستمرار على إدانة الإمام ابن تيمية، الذي حارب التتار والصليبيين، ودافع عن أهل الذمة، فيراه بعضهم بدايات الخطاب المتطرف المؤسِّس للإرهاب بفتواه الشهيرة في مسألة الجهاد ضد المغول في عصر المماليك، وعُرفت باسم «فتوى ماردين»، حيث كرسّت لفكرة الجهاد، وكأن الجهاد ضد الغزاة القتلة جريمة وحشية، ولم يكن موجودا منذ بدء الدعوة والتشريع!

إن خصوم الإسلام لا يكتفون بذلك بل يجعلون الإسلام هو الإرهاب، سعياً لخدمة الفكرة الغربية اليهودية الاستعمارية من أجل شيطنة الإسلام وإذلال المسلمين!

Exit mobile version