الحياد الأمريكي المنحاز

 

 ربما كان لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة الى المنطقة، أن تعيد الى دائرة الضوء ذلك الجدال حول مدى حياد الإدارة الأمريكية في الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” والمزاج الشعبي الأمريكي إزاء ذلك، وهو ما أحاول أن أعرج عليه هنا بالاستناد الى بعض استطلاعات الرأي الأمريكية، ذات السلسلة الزمنية الطويلة، التي ذكرتها في كتابي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر.

تشير استطلاعات الرأي الى أنه على الرغم من أن الأمريكيين يبدون تعاطفاً أكثر مع “إسرائيل” منه مع الفلسطينيين، إلا أن غالبية قوية ‏شعرت بأن الولايات المتحدة يجب أن تلعب دوراً متوازناً في النزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني. فمنذ ديسمبر عام ‏‏1998م، سألت مؤسسة “غالوب” وغيرها من المنظمات المستجيبين مرات عديدة ما إذا كانت الولايات المتحدة ‏‏”ينبغي أن تأخذ جانب “إسرائيل، أو جانب الفلسطينيين، أو لا تأخذ أيا من الجانبين”، وأظهرت النتائج أن أغلبية ‏كبرى باستمرار ترى أن على الولايات المتحدة ألا تأخذ أيا من الجانبين.

ففي يوليو 2000م، أيد 74% هذا ‏الموقف، وبعد وقت قصير من 11 سبتمبر 2001م انخفضت النسبة إلى 63% (الجانب “الإسرائيلي” ارتفعت إلى 27 %)، ثم عادت إلى 70% في مطلع نوفمبر (الجانب “الإسرائيلي” 20%). وعلى كل ‏الحالات، تظهر نتائج مسار هذا السؤال، خلال الفترة ما بين 1998 – 2008م، بأن نسبة المؤيدين بأن لا تقف ‏الولايات المتحدة مع أي من جانبي الصراع تراوحت ما بين 67% – 77%.‏

كما تعتقد أغلبية الأمريكيين أن بلادهم لا تؤدي دوراً عادلاً أو محايداً في الصراع، فرداً على سؤال لبرنامج سلوكيات السياسة الدولية بين مايو 2002 ومايو 2003م: “هل تعتقد أن الولايات المتحدة عموماً تقف إلى جانب “إسرائيل”، أم إلى جانب الفلسطينيين، أو لا تقف إلى أي من الجانبين؟” أجاب 22% عام 2002 و29% في 2003م بأن الولايات المتحدة لا تقف الى أي من الجانبين، و57% و58% على التوالي قالوا إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب “إسرائيل”، و3% و4% على التوالي قالوا إنها تقف إلى جانب الفلسطينيين.

ومع ما تعبر عنه هذه النتائج من نزعة الشعب الأمريكي نحو السلام بين الطرفين العربي و”الإسرائيلي”، ‏إلا أنها تتناقض بشكل صارخ مع ما تدعيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أنها المرجع الأول والوسيط النزيه في حل الصراع، والتي في ذات الوقت تغدق المال على “إسرائيل”، وتمدها بكل أنواع السلاح، وتمارس دور ‏المحامي الأول عن سياستها، مما وضعها في ‏موقف شاذ وصدامي مع الإجماع الدولي، الذي طالما نادى بتسوية سياسية ‏ذات إطار ورعاية دولية، ‏ كما أن القول بأن الولايات المتحدة وسيط محايد نزيه في حل الصراع يتناقض مع تحالفها المستمر مع ‏”إسرائيل”‏، والذي توج مؤخراً بما سمي “إعلان القدس” الذي جددت فيه الولايات المتحدة التزامها الثابت بأمن “إسرائيل” .

متى يدرك الرأي العام الأمريكي ان مطالبته بدور رئيسي للولايات المتحدة لإحلال السلام يتناقض مع استمرار هذا الدعم اللامحدود لـ “إسرائيل” والذي تجدد بزيارة بايدن الأخيرة، وما فيها من التزامات وتعهدات ودلع للطفل المدلل ومن ثم محاولات إدماج المغتصب مع الضحية!

Exit mobile version