البؤس الثقافي.. وروح الأمة!

 

بمساعدة بعض الجهات وتشجيعها، تم إنتاج أعمال سينمائية ودرامية ومسرحية تشوّه الإسلام، وتجعل كل مسلم إرهابياً دموياً بغيضاً لا مكان له في عالم الإنسانية، مما يوجب بتره من المجتمعات، وسحقه إن بقي على قيد الحياة، وحرمانه من المساواة وبقية الحقوق التي يتمتع بها شركاء الوطن، فلا يستطيع أن يلتحق بالجهات الشرطية أو العسكرية أو القضائية أو الجهات التي تسمى سيادية أو حساسة، يمكن أن يتاح المجال لغيره مهما كان فكره أو سلوكه، أما هو فلا، لأنه صار في الوجدان الشعبي عبر الشاشات وخشبة المسرح وحشاً همجياً لا يوثق فيه.

نماذج بديلة

لعل أفلام الممثل الفكاهي عادل إمام من النماذج التي شوهت صورة المسلم، وحولته إلى إرهابي دموي، وفي الوقت نفسه صنعت نماذج بديلة من إنتاج الثقافة الغربية الوثنية، في فيلمه “الإرهابي” الذي يعالج حادثة الكاتب مكرم محمد أحمد، كان الإرهابي صورة عامة للملتحين (صارت اللحية رمزاً إسلامياً، مع أن غير المسلمين لهم لحى، والخنافس والهيبيز لهم لحى أيضاً)، ولكن الصورة الإسلامية/ الرمز تحولت إلى صورة دامية فاجعة لا يجد فيها المشاهد نجاة إلا إذا التحق بالشيوعية كما صورها شاب من الأسرة التي لجأ إليها الإرهابي، أو الفتاة التي تقلد فتيات الغرب في الملبس والسلوك والثقافة، الرؤية العامة في الفيلم تقول باختصار: إن الإسلام إرهاب ودم، ولا محل له في المجتمع.

غير المسلم جميل!

المفارقة أن الفيلم يضم أسرة غير مسلمة تمارس معتقداتها وتحرص على تأدية شعائرها بانتظام، وتتشدد الزوجة مع زوجها الذي يتساهل في المعتقد والعبادة، ويقدمها الفيلم في صورة جميلة محببة، يتعاطف معها الجمهور، ويتقبلها بكل هدوء، ولا يصفها بالتطرف أو التشدد أو التزمت أو الإرهاب!

في فترة إنتاج هذا الفيلم وما قبله وبعده بسنوات، لم يعد هناك شريط سينمائي يخلو من تصوير المسلم الإرهابي، وتتجلى المفردات الإرهابية صارخة في التصوير والحوار والحركة والهيئة: اللحية، السلاح، القنابل، ضيق الأفق، الوحشية، القذارة، فقدان الرحمة، لدرجة أن بعض الأطفال حين يرون ملتحياً، كانوا يزفونه بالهتاف: “الإرهابي آهه”! رأيتهم بنفسي في بعض القرى!

المسلم الإرهابي!

وقس على ذلك الدراما التي صارت تمثل أداة تسلية معتادة لمعظم الأسر في أوقات المساء، وغيره، حيث لا يخلو عمل من افتعال تقديم المسلم الإرهابي، لدرجة أن بعض الحكومات أنفقت الملايين من الدولارات لصناعة مسلسلات تثبت إرهاب الإسلام، وليس الجماعات التي توصف بالإرهاب عادة، وقد فشلت هذه المسلسلات فشلاً ذريعاً، لسبب بسيط، وهو أنها كانت دعائية فجة، لا تعالج الإرهاب معالجة فنية مقنعة، وقد أهمل صناع هذه الدراما أسباب الإرهاب المحلية والخارجية، ولم يشيروا إليها، وقد أعلنت أكثر من جهة أن الجهات المعادية للإسلام كانت من وراء تشكيل التنظيمات الإرهابية وإمدادها بالمال والسلاح (“داعش” على سبيل المثل) لتشويه صورة الإسلام، واتخاذها ذريعة لضرب دول إسلامية، وإقامة قواعد عسكرية تتمركز فيها، والسيطرة على بعض ثرواتها المعدنية الباطنية، أو النفطية، أو المتوقعة مثل السيلكون وغيره!

حاتم علي

وهناك رأي صريح للممثل والمخرج الفلسطيني الراحل حاتم علي، صاحب مسلسل “عمر”، و”التغريبة الفلسطينية”، و”صلاح الدين الأيوبي”، و”صقر قريش”، و”ربيع قرطبة”، و”الزير سالم”.. وغيرها، فحواه أن الأعمال التي ناقشت الإرهاب نفذت بناء على أجندة مسبقة، وهي من وجهة نظره غير جيدة، وذلك في حديثه إلى جريدة “الشرق الأوسط”، الذي نقلته عنها جريدة “الغد” الأردنية، بتاريخ 25 يوليو 2011، وقد أرجع ذلك لكتابتها، وإنتاجها بشكل سريع، موضحاً أن معالجة الإرهاب لا يجوز أن تتناول فنياً عبر مقاسات وأجندة مسبقة، وأن الأمر بحاجة لمعالجة فكرية أكثر مسؤولية، وقد حذر زملاءه المخرجين من السقوط في فخ «الشعار» الذي يفسد متعة البناء الفني.

التورية والمراوغة

ومع ذلك، لا يكف من يتصدرون المشهد الثقافي عن هجاء الإسلام من خلال استخدام التورية والمصطلحات المراوغة، نجد أحدهم يستخدم مصطلح التطرف، دون أن يفسر لنا حدود التطرف والاعتدال، لإدانة المسلمين الذين يرفضون الانحطاط الذي تقدمه الدراما التلفزيونية، والابتذال الذي يحكم موضوعاتها، وحوارها، وأداءها، يقول أحدهم: “يجنح دعاة التطرف في الأساس إلى التأثير على “العقلية الجمعية” للشعب بسياسة السيطرة على القطيع، فهُم -القطيع- من يشكلون السواد الأعظم من العامة، وفي أحيانٍ كثيرة يتخذ الخطاب المتطرف نبرة النقد والتسفيه تجاه منهج مواجهة الفكر بالفن والدراما، مثلما يحدث في تلك الأيام من مواجهة دراما شهر رمضان، إذ يعمل الدعاة المستترون بطريقة الذئاب المنفردة، ويظهرون سواء في شكل مواطنين عاديين أو نقاد.. يتجهون إلى التأويل المضاد وتصوير العمل الفني كأنه موجّه بالضرورة لإفساد الدين والدنيا، لخلق حالة عامة من الاستياء لدى الجمهور وإنكار القيمة المعنوية له ولو كانت تتعامل مع الواقع المباشر”، (حسام العادلي، إنه يحدث الآن- “المصري اليوم”- 24/ 4/ 2022).

تأكيد عملي على الفشل 

وهذا الكلام الركيك دعاية سخيفة، ينكر ما أجمع عليه النقاد الأكْفَاء، وهو أن الدراما العربية الآن من أردأ أنواع الدراما، وأنها هبطت إلى إسفاف غير مسبوق، والأمر ليس في حاجة إلى هذا الدفاع المتهافت، واتهام الإسلام، والزعم بأن هناك دعاة مستترين، وذئاباً منفردة، وغير ذلك من مصطلحات سياسية غير علمية لا تجدي في مسألة تقويم الدراما والأعمال الفنية، فضعف الإقبال على الدراما المصرية، واتجاه المشاهدين والشاشات الأخرى إلى الدراما التركية والمكسيكية والأجنبية عموماً، تأكيد عملي على فشل الدراما العربية الذريع الذي بدأ منذ عقود مضت، بل إن هناك مسلسلات حظيت بإنفاق ضخم ودعاية أضخم، لم يشترها تلفزيون عربي واحد خارج مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية، وما ذلك إلا لأن هذه الدراما تأخذ موقفاً عدائياً ومخالفاً للإسلام وقيمه وآدابه وأخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده، فضلاً عن الشعور القومي والوطني، وذابت في بحر التغريب والتهويد! هل سمعتم عن الدراما التي “أنسنت” اليهود وجعلت لهم مسلسلات تقود إلى التطبيع؟ ما الغاية من “أم داود”، و”حارة اليهود” في الوقت الذي يتم فيه قتل الفلسطينيين أو اغتيالهم على مدار الساعة، وإخراجهم من أحيائهم، بينما تقام أحياء جديدة فاخرة لليهود في بلاد عربية إسلامية؟

إن الحرب الضروس لشيطنة الإسلام تتحرك في شتى الاتجاهات، فلا تكتفي بالسينما والدراما، والمسرح، بل تتجاوزه إلى رسوم الكاريكاتير التي يفترض أن تقدم البسمة في موضوع حيوي، فإذا بالرسامين البائسين من ذوي الرؤى القاصرة لا يجدون مجالاً أرحب وأسهل من تشويه المسلم والإسلام، لتكون السبّوبة (الرزق) أكثر إدراراً وأرباحاً!

البؤس الثقافي

لقد تحولت ممارسات الثقافة الرسمية التي يهيمن عليها العلمانيون إلى حالات من البؤس الذي يدشن الانحطاط الثقافي والأدبي المعاصر.

وما بالك بالمؤسسة الثقافية الرسمية وهي تمنح جائزة الدولة التقديرية لامرأة أمّيّة لا تستطيع أن تكتب جملة صحيحة، وكل ما كتبته كان باللهجة العامية، وسيرتها الذاتية التي كتبتها بهذه اللهجة لا تحمل إشارة ضوء إنسانية، بل تحمل ما يخجل منه الإنسان الطبيعي صاحب الفطرة النقية، ومعظم إنتاجها بعض المسلسلات التي تدعو إلى تمرد المرأة على الزوج والأب والأسرة، ثم الاستقلال على الطريقة الغربية؟ إن كل مؤهلات هذه المرأة هو الانتماء للحركة الشيوعية المعادية للإسلام والوطن، والولاء لليهود والغرب!

جوائز لمن لا يستحق

ثم ما معنى أن تمنح الجائزة التقديرية في الدراسات الإسلامية لشخص لم يتوضأ يوماً ولم يركع لله، وأعلن إلحاده في ندوات مصورة ومسجلة في لندن، وكتاباته الرديئة مجرد نقول عن المستشرقين، أشبعها الأدباء والكتَّاب في النصف الأول من القرن العشرين رداً، وتفنيداً، وإثباتاً لفسادها وزيفها وضلالها؟

ثم ما معنى أن تمنح الجائزة ومعها مناصب صحفية رفيعة لشخص لا يمتلك إلا شهادة الإعدادية، ولا يحسن الإملاء أو النحو، ومؤهلاته تتمثل في الانتماء اليساري، وتملق الكنيسة، والصلاة فيها كما يصلي أهلها، والقيام بمهمات لا تليق بمثقف، ثم دعوته لإبادة الإسلاميين؟

وقس على ذلك منح الجائزة الأعلى (حائزة النيل التي كانت تسمى جائزة مبارك) لكاتب أغان، كان لا يفارق مكتب الإعلام في إحدى الوزارات المهمة، واشتهر بالصعلكة، والإبلاغ عن رفاقه اليساريين، وسرقة ما كتبه آخرون في مجالات التراث الشعبي!

إنهم يقلدون السادة الغربيين أصحاب الثقافة المسيحية الوثنية في الاحتفاء بمن يطعنون الإسلام ويشوهونه ممن يحملون أسماء إسلامية، فجائزة “البوكر” تحتفى بـالمارق سلمان رشدي بمناسبة اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث ملكة إنجلترا الذي أقيمت احتفالاته في لندن بالفترة من 2 – 5 يونيو 2022، وشهد استعراضات ومواكب عسكرية وحفلات موسيقى في القصور الملكية والشوارع.

وجائزة “البوكر” نفسها هي التي منحت جائزتها هذا العام (2022) في الرواية العربية لشخص ليبي مبتدئ، تناول في روايته الضعيفة شخصية يهودية أضفى عليها صفات الإنسانية المثالية، فاستحق بموجب ذلك أن يفوز بالجائزة ومبلغها الكبير، وقس على ذلك من يفوزون بجوائز أخرى يتناولون فيها اليهودي الإنسان، وليس اليهودي مغتصب الأرض والعرض، والوطن والثروة!

هل أمثال هؤلاء يعبرون عن روح الإسلام وقيمه وتصوراته، وينتجون أدباً حقيقياً يعبر عن وجدان الأمة؟ 

الحصار!

وللأسف، فإن ستين عاماً مضت تم فيها حصار الرؤية الإسلامية، إعلامياً وثقافياً وفنياً، لصالح الرؤى المادية العدوانية (ماركسية، ناصرية، ليبرالية، طائفية، إلحادية، أرزقية)، وهذه الرؤى يتاح لها التعبير عن نفسها بكل أريحية، ويسمح لها أن تتهم الإسلام بكل الصفات القبيحة: الإرهاب والتطرف والتشدد والرجعية والظلامية، ثم تكافأ بسخاء ملحوظ، بينما تحرم الرؤية الإسلامية من الرد أو التوضيح، لدرجة أن شيخ الأزهر الحالي (د. أحمد الطيب) يشكو أنه لا يستطيع الرد على الشاشات، وتصحيح ما يقال خطأ عن الإسلام وتشريعاته! ولولا الفضاء الإلكتروني الآن ما استطاع أن يصل صوته إلى الناس!

إن المهيمنين على الإعلام والصحافة والثقافة يسمحون لكل الأفكار والرؤى بالتعبير والنشر، عدا الفكر الإسلامي الذي يترجم عن دين الأكثرية الساحقة، ويمكن لأي مراقب أن يحصر عدد الكتب الصادرة عن الهيئات الرسمية وتتضمن فكراً معادياً للإسلام ومخالفاً، ويقارنه بالكتب الإسلامية التي تردّ أو تصحّح، والنتيجة دائماً لصالح الفكر المعادي، مع ملاحظة أن وسائط نقل هذا الفكر المعادي تعمل بأموال الأكثرية المسلمة المظلومة التي تحوّلت إلى جالية مضطهدة من أقلية علمانية ظالمة!

Exit mobile version