ما حسن الظن؟ (2)

 

نكمل حديثنا حول حسن الظن ومن المعنيّ به؟!

لا شك أن سوء الظن في العباد أو في الناس لا يؤدي إلى ما هو خير وصلاح أو فلاح، بل لا يؤدي إلا إلى الخصومة والعداء بين الناس وقطع الرحم والتواصل بين الناس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12)، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ *** فكلك عورات وللناس ألسن

وعينك إن بدت إليك معايبا ***  فصنها وقل يا عين للناس أعين

نعم، إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى مجاهدة للنفس الأمارة بالسوء وإذعانها لمسار الظن الحسن؛ وذلك للتغلب على هذه النفس الأمارة بالسوء، والانتصار على الشيطان الرجيم الذي يمتطيها ويتصيدها، ولنعلم أن من أعظم قطع الطريق على الشيطان الرجيم هو إحسان الظن بالناس، وبالأخص المسلمون من الأهل والأقارب.

وها هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحذرنا من سوء الظن، خصوصاً إذا كان الإنسان مسؤولاً، قال عليه الصلاة والسلام: “إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم”، والفساد هذا يجعل كل فئة تدعي أنها هي الفضلى تزلفاً حينها وتقرباً لرغبة المسؤول أو الأمير كما هو في واقع العالم الإسلامي اليوم إلا من رحم ربي، حيث التنابز: هذا عربي وهذا أعجمي والآخر أمازيغي، وهذا كردي، وذاك من الطائفة الفلانية، وهذا تاجر، وذاك ليس من التجار، وهذا قبلي.. وغير ذلك.

أما سوء الظن في النفس فيختلف الموقف منه عن سوء الظن في الآخرين، وحينما ندقق فيما بين حسن الظن في الناس وسوء الظن في النفس نكون أقرب وأقرب إلى حسن الظن بالله تعالى.

سوء الظن في الذات لا يعني عدم الثقة في النفس؛ ولكن يجب على الإنسان ألا يعتمد على أنه هو صاحب الفضل على ذاته، وأن ذاته بحولها وقوتها أصابت الخير والمثوبة، بل الإنسان المؤمن يعلم بدقة أنه لا حول ولا قوة له إلا به جل جلاله، ولكن الإنسان يبذل الأسباب التي أمره بها الله تعالى، ومن ثم التوكل على الله تعالى، والتضرع إليه سبحانه في قبول العمل وما قام به الإنسان لذاته، وسوء الظن بالنفس أو الذات لا ينبغي أن يبالغ فيه الإنسان حتى لا يصاب بالإحباط والقلق، ومن ثم يحرم الخير فيتسلط حينها الشيطان عليه والنفس الأمارة بالسوء، ويدخل عليه الشيطان فيحرمه من طاعة الله تعالى فيصل به إلى عدم حسن الطن بالله تعالى، فإساءة الظن في النفس القصد فيه السعي بلا توقف سعياً إلى الأكمل عملاً وقولاً وحركة وسكوناً، وهذا لا يتم إلا من خلال اتباع كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسوء الظن في النفس بسبب السيئات أمر محمود بشرط ألا يفسد حسن الظن بالله وقبول التوبة، وهذا أمر لو دققنا فيه -الندم على المعصية- فهو أمر محمود؛ لأنه سيكون سبباً في البحث عن الحل للمغفرة، وهي التوبة والعمل بما يرضي الله تعالى، وهذا هو المعني بتزكية النفس؛ أي تطهيرها وتنظيفها، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس)، وهنا يدخل حسن الظن بالله وحينها العبد يبدأ عملاً واستغفاراً ودعاء مع اليقين أن الله تعالى لا يرد العبد صفر اليدين، فهو سبحانه مجيب الدعاء سبحانه وتعالى، وهو الغفور الرحمن الرحيم القائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186).

وسوء الظن في النفس اختلف فيه، فهناك من رأى الاستحباب لأنه يجعل النفس تعمل للوصول إلى الكمال كما أسلفنا، ولأن حسن الظن في النفس يلبّس أحياناً على الإنسان أموره فيرى العيوب كمالاً وعيوبه اعتدالاً، وهناك من يرى كراهة سوء الظن في النفس، يرى أن فيه اتهام النفس في طاعتها لله تعالى، وكما أن للنفس مكراً يُردي، فهناك نصحاً يهدي، وكما أن حسن الظن بها يعمي عن مساوئها، كان سوء الظن بها يعمي عن محاسنها، وهناك من يرى الأمر سيان، سوء الظن وحسن الظن، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم؛ لذلك كل شيء بالوسطية هو الأفضل، يتهم نفسه باعتدال ليزداد اجتهاداً، وحسن الظن بها مقتصداً ليكون أواباً تواباً ومتواضعاً، فمن تجاوز الحق في اتهام نفسه كان لها ظالماً وأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز في حسن الظن أودعها تهاون الآمنين.

أختم بهذا الأصل وهذه المقولة الجميلة، لا أعلمها لمن هي، إلا أنها جميلة: “أنا لا أعرف كيف سيأتي الفرج، ولكني أعرف الله تعالى، الله الفارج لكل هَمّ، وأعرف أنه يقول للشيء كن فيكون”.

 

 

 

 

 

_____________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version