عين على الأزهر.. لصالح مَنْ يتجه قانون الأحوال الشخصية بمصر؟

 

بينما العيون تتجه نحو مشيخة الأزهر الشريف، صاحبة السبق في تقديم مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية بمصر في عام 2021، أصدر المستشار عمر مروان، وزير العدل المصري، القرار الوزاري رقم (3805) لسنة 2022، قبل أيام، بتشكيل لجنة قضائية قانونية متخصصة في قضايا ومحاكم الأسرة، لإعداد مشروع قانون للأحوال الشخصية، وبينما هناك جبهات حقوقية وعلمانية مناهضة لمشروع جبهة الأزهر، صدر التوجيه الرئاسي بشكل معلن بإعداد قانون متوازن.

“المجتمع” طرحت الأمر على المراقبين، الذين يرون أهمية إصدار قانون منصف للزوج والزوجة والأبناء يراعي الواقع المصري، دون مصادرة للآراء ولا انجرار وراء مشروعات الغرب، مع الاستفادة من أفضل التصورات دون وضع صك قبول لأي مشروع دون حوار مجتمعي جاد وحقيقي.

توجيه رئاسي بإعداد قانون متوازن يحل الأزمات خاصة الطلاق

تحذير واجب

من جانبه، لا يربط وكيل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس شعب 2012 (برلمان الثورة) د. محمد جمال حشمت بين تشكيل لجنة لوضع قانون وإصدار القانون.

ويؤكد حشمت، في تصريحات لـ”المجتمع”، أنه من غير المناسب إصدار تشريعات اجتماعية مضادة للاحتياجات المصرية، لأنها ستكون بمثابة نار على وقود الغضب من الأوضاع الحالية، وفق تقديره.

ويحذر الرئيس السابق لبرلمان المصريين في الخارج من أي مناقشة في قانون الأحوال الشخصية تحت وصاية أجنبية كمقررات مؤتمر “السيداو” والحملة النشطة في العالم للترويج للشذوذ بل وحمايته بقوانين، مؤكداً أن أي محاولة لتقنين ذلك بمصر يعتبر محاولة استغلال غربية للمرحلة الحالية التي تحياها مصر، وهو ما يؤجج الغضب.

ويرى حشمت أن ما يحدث في البرلمان لا علاقة له بمصلحة مصر، حيث تم بيع ثروات وأراضي مصر في ظل هذه البرلمانات ولا تعليق عليه سوى أنه مهما تجمل ببعض المناقشات فهو جزء من السلطة الحالية منذ بدايته في يناير 2016، وفق تعبيره.

علامات استفهام

من جانبه، يعرب رئيس محكمة الاستئناف السابق المستشار محمد سليمان، في تصريحات لـ”المجتمع”، عن مخاوفه من عدم وجود ممثلين لمشيخة الأزهر في اللجنة الأولية المشكلة لوضع مشروع القانون ما يثير علامات الاستفهام رغم المشروع المرتقب من الواجب أخذ رأي الأزهر فيه طبقاً للدستور.

حشمت: أي تشريع غير مناسب سيصب النار على الوقود

ويشير سليمان إلى أن ما حدث في إصدار قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، الذي صدر في غيبة الجميع، ودون قدرة على الاعتراض عليه من الجمعيات العمومية، يشكل سيناريو محتملاً لتمرير قانون أحوال شخصية لا يناسب المجتمع المصري في ظل عدم القدرة على إيجاد صوت معارض أو موازٍ في الحياة العامة المصرية، وفق ما يرى.

ويؤكد سليمان أهمية أن يقدم أعضاء اللجنة ضميرهم فوق كل شيء؛ ما يمنع أن تتحول لجنة إعداد القانون إلى مجرد أداة لصياغة تصور موجود مسبق، خاصة أن أزمة الطلاق الشفهي ما زالت حاضرة في الأذهان، فالمطالبات الرسمية كانت مع عدم الاعتداد به، ولكن مشيخة الأزهر حسمت الأمر في الطلاق الشفهي، حيث أقرت وقوع الطلاق المستوفي لأركانه وشروطه، بما استقر عليه المسلمون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودعت المطلق إلى المبادرة لتوثيق هذا الطلاق فور وقوعه، حفاظاً على حقوق المطلقة وأبنائها.

ويتوقع المستشار سليمان عدم صمت الأزهر على أي تجاوز في القانون المرتقب، خاصة أن علماء الأزهر لديهم آراء شرعية واضحة في بعض الأمور المثارة في الفترات الأخيرة التي تحاول الترويج لأفكار غربية محل اعتراض تقوض بنيان الأسرة، في مقابل أن الشريعة الإسلامية فيها من الضمانات الكثيرة لصون الأسرة ورعاية حقوق الزوجة والزوج والأبناء.

ويشدد رئيس محكمة الاستئناف السابق أحد قيادات تيار الاستقلال القضائي بمصر المستشار سليمان على خطورة تمرير أي قانون غير مناسب لاحتياجات المجتمع وأولوياته وليس أولويات الغرب، موضحا أن ذلك يهدد العلاقات الأسرية والاجتماعية.

عدم استباق الأحداث 

من جانبه، ينصح رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان المحامي خلف بيومي، في تصريحات لـ”المجتمع”، الجميع بعدم استباق الأحداث والمصادرة على الآراء، خاصة الحقوقية منها؛ لأن بعض الآراء الحقوقية حتى إن خرجت من مراكز تبني أفكار غربية أخرى في الدفاع عن حقوق المرأة، قد سبقتها الشريعة الإسلامية منذ قرون، ومن الواجب أن نقول: إن بعض تلك الأفكار، خاصة في رفض العنف الأسري على سبيل المثال، هي أفكار إسلامية قبل أن تكون حقوقية وافدة.

وينبه بيومي إلى أهمية عدم إعطاء صك قبول لمشروع الأزهر أو غيره من أي مشاريع مقدمة دون خوض حوار مجتمعي واضح وصريح حولها، فالأزهر وإن كان منبر الوسطية، ولكن هناك بعض الأفكار فيه المحسوبة على بعض أفراده، تشكل تضييقاً على سعة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، وتصدر بين الحين والآخر آراء تسبب جدلاً غير مبرر حولها.

ويأمل بيومي في صدور قانون متوازن حقوقياً، بحيث ينصف الزوج والزوجة والأبناء، ويقوي بنيان العائلات وأواصر الأسرة، خاصة أن ما يحدث عند الانفصال بمصر في الرؤية والحضانة والنفقات، على سبيل المثال، فاق التصور وقوة الاحتمال، ويناهض كلية مقاصد الشريعة، قبل حقوق الإنسان، ويولد أطفالاً مشوهين نفسياً، ويهدد المجتمع برمته في مستقبله.

سليمان: احذر أن تتحول لجنة القانون إلى أداة للتمرير

جبهة الأزهر تتصدر

وتتصدر جبهة الأزهر، وداعموها، مشهد صياغة قانون أحوال شخصية لا يتعارض مع الشرع، ويقدم حلولاً منصفة للمشكلات الأسرية بمصر، خاصة أنها قدمت مشروع قانون جاهزاً للنقاش.

وأصدر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، في  18 أكتوبر 2017، قراره  بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، وبعد نحو 4 سنوات، عقدت اللجنة فيها أكثر من 30 اجتماعاً انتهت خلالها من صياغة مشروع القانون، في العام الماضي (2021) مع إحالته للجهات المختصة لتتم مناقشته بمجلس النواب حتى خروجه إلى النور.

ويتكون مشروع القانون الذي أعده الأزهر حول “الأحوال الشخصية” من 192 مادة، منها 30 مادة متعلقة بالزواج، والأزمات التي تتبعه، وجاء تحت إشراف هيئة كبار العلماء بالاستعانة بذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.

وتعقيباً على رفض منظمات حقوقية لمبدأ تصدي المشيخة لصياغة قانون، في أكتوبر 2019، أعلن شيخ الأزهر أن المشيخة ليست جهة تشريع ولا إقرار قوانين، لكن حين يكون الأمر متعلقًا بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية فهذا عملنا وواجبنا بحكم الدستور والقانون، وحين طلبت الجهات المعنية الرأي، قدمنا مشروع قانون الأحوال الشخصية للنقاش في البرلمان والمجتمع، والمشروع حاول تحقيق التوازن لمصلحة الأسرة والطفل.

وأكد الطيب أنه حين يتصدى الأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية كمشروع قانون فهو يزاول عمله أو واجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة؛ لأن العامة لا تقبل أن يقنن لها من لا علم له بشريعته أو بأمور الأسرة من زواج وطلاق وميراث وغيرها، مشدداً على أن الأزهر لن يفرط في رسالته قيد أنملة فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، فنحن حراس على هذه الأمانات، والإسلام بشريعته أمانة في أيدينا، وهذا حقنا كفله لنا الدستور والدولة، وقبل ذلك وبعده جماهير الأمة في شرق البلاد وغربها.

جبهة “القومي لحقوق المرأة”

وفي المقابل، تتصدر جبهة المجلس القومي لحقوق المرأة التي تضم المجلس الحكومي وعدداً من منظمات حقوق الإنسان المعنية بملف المرأة، التي تحمل توجهات بعضها غربية وعلمانية، وفق تصريحاتهم.

من جانبها، أعلنت رئيسة المجلس القومي للمرأة د. مايا مرسي، في 11 مايو الماضي، مجموعة من المحددات والمتطلبات التي يحرص المجلس القومي على تضمينها وتحقيقها في خروج قانون للأحوال الشخصية (الأسرة) الجديد.

ومن المبادئ، بحسب مرسي، حماية الحقوق والحريات المقررة دستورياً للمرأة والحفاظ على مكتسباتها وضمان تواصل حصولها عليها، والتأكيد على كامل الأهلية القانونية للمرأة، وتنظيم وتوثيق الزواج والطلاق قانوناً لحسم المشكلات والحقوق المترتبة عليه للزوجين، ومعالجة الإشكاليات والجوانب الإجرائية في قضايا الأسرة.

بيومي: نحتاج إلى حوار مجتمعي قبل أي إصدار القانون

أما عن مراكز حقوق الإنسان، فقد أرسلت مؤسسة قضايا المرأة المصرية قانوناً مقترحاً من قبل المؤسسة للأحوال الشخصية تحت اسم “قانون أسرة أكثر عدالة” إلى الجهات المعنية، يقوم على صياغة قانون جديد ومتكامل للأحوال الشخصية في ضوء الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة التي صدقت عليها مصر، وملاحظات لجنة “السيداو”، وتوصيات الاستعراض الدوري الشامل التي وافقت عليها مصر، وفق بيان رسمي للمؤسسة.

ومن أهم التعديلات من قبل المؤسسة أن يكون الطلاق بيد المحكمة، كما يطرح مشروع القانون كذلك حق الأم المسيحية المطلقة في الاحتفاظ بحضانة أولادها من زوجها المسلم أو الذي كان مسيحياً واعتنق الإسلام حتى يبلغ سن 15 عاماً، مساواة بالأم المسلمة.

وفي السياق نفسه، طالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان التزام القانون المقترح بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تبنتها القيادة السياسية في مصر منذ 11 سبتمبر 2021، بما يعزز تعزيز حقوق الإنسان بصفة عامة، والمرأة والأطفال بصفة خاصة، ولا سيما في جوانب مواءمة التشريعات مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها مصر.

ورفضت 9 مؤسسات، و4 منظمات، و4 أحزاب، و24 فرداً، من التيار العلماني، قانون الأحوال الشخصية المقترح من الأزهر الشريف، في العام 2019، مؤكدين أن القانون يرسخ إهانة النساء وحرمانهن من استقلال قراراتهن بشأن حياتهن الشخصية، كما يرسخ لفكرة التبعية، ويسهم في التلاعب بحقوق النساء، وفق مزاعمهن التي رفضها الأزهر في حينه.

مؤسسة الرئاسة

وظهر لمؤسسة الرئاسة موقفان واضحان في مجال القانون، بدأت في 21 مارس 2021، حيث أشاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشيخ الأزهر، ومشروع قانون الأزهر، مؤكداً أن كل مؤسسات الدولة حريصة على أن يكون قانون الأحوال الشخصية متوازناً للجميع؛ للأم والأب، ويكون فيه مصلحة الناس.

وظهر الموقف الثاني للرئيس المصري، يوم 11 مايو الماضي، حيث أعلن السيسي إعداد قانون أحوال شخصية متوازن يحقق العدالة للجميع، مؤكداً ضرورة أن يكون هناك قانون ملزم للجميع لحل قضايا الأسرة، بعد الاستماع لكافة الآراء لحل ملف الأحوال الشخصية، خاصة فيما يخص إقرار عقد زواج يحل مسألة الطلاق.

Exit mobile version