دلالات التحريض “الإسرائيلي” المتواصل على المناهج الدراسية الفلسطينية

 

فيما توجه قوات الاحتلال جهودها الميدانية والأمنية باتجاه ملاحقة قوى المقاومة، وإحباط أي جهود لتنفيذ المزيد من العمليات الفدائية، فإن الأوساط السياسية “الإسرائيلية” تزعم أن جذور هذه الهجمات المعادية للاحتلال تعود إلى ما تحتويه الكتب المدرسية في المناهج الفلسطينية، من تحريض، وتشير هذه الأوساط، بحسب زعمها، إلى ما يرد في كتب “التربية الإسلامية”، حيث يسأل الطلاب عن واجبهم تجاه المسجد الأقصى، فيجيب الكتاب “جاهدوا، وموتوا، من أجل تحريره”.

يتزامن هذا التحريض “الإسرائيلي” على الكتب المدرسية التي يتعلمها الطلاب الفلسطينيون في مدارسهم، مع صدور دراسة أجراها المعهد “الإسرائيلي” “IMPACT-SE”، وزعم أن السنوات الأخيرة شهدت محتويات منهجية ذات مبادئ راديكالية معادية للاحتلال، حتى إنه لأول مرة تشكل هذه المناهج دعوة صريحة في الكتب المدرسية الفلسطينية لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل، من خلال مسح أجراه المعهد على كتاب الصف الخامس الخاص بـ”التربية الإسلامية”.

تدعي المحافل السياسية والدبلوماسية “الإسرائيلية” أنه للمرة الأولى تنص الكتب المدرسية الفلسطينية صراحةً على أن الجهاد من أجل تحرير فلسطين واجب شخصي على كل فلسطيني، بجانب ما تحتويه هذه الكتب المدرسية من الصور المعادية للسامية، وتصوير اليهود على أنهم محتالون وخونة، والعودة إلى جذور ظهور الدين الإسلامي، حين هاجم المسلمون القبائل اليهودية لأنها تآمرت على النبي محمد عليه السلام.

مع العلم أن التعرف على ما هو مكتوب في الكتب المدرسية الفلسطينية يظهر أنها باتت وسيلة لتمجيد الأعمال الفدائية المسلحة، خاصة عملية ميونيخ ضد الرياضيين “الإسرائيليين”، وهجوم دلال المغربي على الساحل الفلسطيني المحتل في 1978، وأسفر عن قتل 35 “إسرائيلياً”، واللافت أن الكتب المدرسية الفلسطينية لا تمجد الفدائيين الفلسطينيين فحسب، بل تدعو الشباب الفلسطيني لأن يحذوا حذوهم.

يتهم “الإسرائيليون” المناهج المدرسية الفلسطينية أنها لم تسعى لتثقيف الشباب الفلسطيني حول السلام والتعايش مع دولة الاحتلال، بل تصنيفها على أنها تشكل عنواناً أساسياً للقهر والظلم، وتقدم صورة وخريطة للشرق الأوسط بدون “إسرائيل”، مما يجعل من هذه المناهج الدراسية، وفق الادعاء “الإسرائيلي”، دافعاً كافياً لتسهيل مهمة المقاومة الفلسطينية في تجنيد منفذي العمليات الفدائية، ويجعل من مهمة إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، غير مرجحة إطلاقاً، على الأقل خلال الأجيال القادمة.

يشير ما تقدم أن دولة الاحتلال توجه بين حين وآخر اتهاماتها للمناهج الدراسية الفلسطينية بزعم أنها تمارس التحريض على تنفيذ الهجمات الفدائية من جهة، وتربي الأجيال الفلسطينية على رفض الاحتلال، وكراهيته، وعدم الاعتراف به، من جهة أخرى، من خلال ما يدرس لها في الكتب المنهجية، وجميع المساقات الدراسية، لاسيما الجغرافيا والتاريخ والرياضيات والفيزياء واللغة العربية والتربية الدينية، بما يعزز استهداف “الإسرائيليين”.

من الأمثلة التي توردها المحافل “الإسرائيلية” لتسويق مزاعمهم أن طلاب الصف العاشر في المدارس الفلسطينية يتلقون تعليمات تحرض على مهاجمة الاحتلال، انطلاقاً من مبدأ أن “الجهاد من أجل تحرير فلسطين واجب شخصي على كل مسلم”، أما طلاب الصف السابع فيأخذون في درس الرياضيات طريقة للإحصاء تتعلق بحساب أعداد الشهداء الذين ماتوا في الانتفاضات ضد “إسرائيل”، في حين يتعلمون نظرية الجاذبية لنيوتن من خلال استخدام فكرة مقلاع رشق الحجارة، وكيف يكون أكثر سرعة إذا تم مضاعفة قوته.

كما أن الطلاب الفلسطينيين يتعلمون قوانين الاحتمالات من خلال الاستعانة بعمليات إطلاق النار على السيارات “الإسرائيلية”، ولا سيما تلك الخاصة بالمستوطنين على طرقات وشوارع الضفة الغربية، وعند الحديث عن المعادلات يلجأ الكتاب المدرسي لمذبحة الحرم الإبراهيمي، ويُطلب من الطلاب حساب عدد الشهداء والجرحى في المجزرة، كي يعرفوا أن عدد الجرحى يبلغ خمسة أضعاف عدد الشهداء.

لم يتوقف التحريض “الإسرائيلي” ضد المناهج الدراسية الفلسطينية على وسائل الإعلام فحسب، بل إن سفارات الاحتلال سوقت هذه الادعاءات في العواصم الأوروبية، للضغط عليها لوقف تقديم المساعدات المالية الخاصة بطباعة الكتب المدرسية الفلسطينية، حتى إن مناقشات جرت في البرلمان الأوروبي في إطار تجميد تمويل برامج التعليم في الأراضي الفلسطينية، بادعاء أنها تشجع الجهاد والعنف ضد “الإسرائيليين”، وتمجد العمليات المسلحة.

دفع التحريض “الإسرائيلي” بمسؤولي الاتحاد الأوروبي المكلفين بتقديم المساعدة للفلسطينيين، للاعتراف بأن الكتب المدرسية الفلسطينية فيها “محتوى إشكالي للغاية يثير قلقًا كبيرًا وخطيرًا”، بما في ذلك معاداة السامية والتحريض على العنف وتمجيد الهجمات العسكرية.

فيما يرفض الفلسطينيون بشدة إجراء أي تغييرات على كتبهم المدرسية؛ لأنهم قدموا نماذج واضحة على بطلان المزاعم والاتهامات “الإسرائيلية”، وأكدوا للأوروبيين أن مناهجهم التعليمية تحث على إدخال قيم قبول الآخر، والسلام، والتسامح، انسجاماً مع المبادئ العالمية وشعارات الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في المقابل، فإن الماكينة الدعائية “الإسرائيلية” التي لا تتوقف عن التشهير بالمناهج الدراسية الفلسطينية، واعتبارها حاضنة للتحريض على المقاومة، وتنفيذ العمليات المسلحة؛ تغض الطرف عن المناهج التعليمية لدى الاحتلال، خاصة في السنوات التسع الإلزامية، التي تكشف عن كيفية تشكيل وعي الفرد “الإسرائيلي” بالطريقة التي تضمن الحفاظ على روح العداء للعرب، وتشويه صورتهم، والتأكيد على الخطط التوسعية.

مع العلم أن المناهج التعليمية “الإسرائيلية” في جميع المراحل الدراسية، الأساسية والجامعية، تقوم على عدد من المعايير والمحددات، أهمها فلسفة الاضطهاد، وإثارة الشعور بالذنب لدى سائر شعوب الأرض لمؤازرة اليهود؛ وإحياء القومية اليهودية، وجمع شتات اليهود في وطن واحد، وربط الدين بالقومية، والبحث عن مسوغات وجودها في الدين اليهودي والكتاب المقدس وكتب التلمود.

من الأمور المتلازمة في المناهج الدراسية “الإسرائيلية” تركيزها على مفاهيم العرقية والتمييز العنصري والقوة المقرونة بالعدوانية والاستعلاء والتحقير، مستندة إلى نصوص دينية، أو آراء لفلاسفة يهود توضح تفوقهم على سائر الشعوب الأخرى، وأن الله اختارهم لعبادته فقط، وباقي البشر عبيد عندهم.

إن المطلع على الكتب التعليمية “الإسرائيلية” يلاحظ حقيقة الوجهة التربوية في نظرة اليهودي “الإسرائيلي” إلى نفسه وإلى الأغيار، خاصة العرب، إذ يرى ذاته متقدمًا، وغيره خدمًا ومتخلفين، يسعى لنقلهم إلى حالة الرقي والتقدم، ويلصقون بالعرب العبارات السيئة مثل: “الغباء، والفشل، والقذارة، والتوحش، والسطو، وميلهم للتخريب؛ لذا يجب اقتلاعهم”.

أكثر من ذلك، فإن التربويين “الإسرائيليين” يقررون في مناهجهم الدراسية التأسيسية كذبة أن “فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، وشعبها ليست له هوية، و”سكانها متوحشون احتلوا البلاد، وخربوها؛ وهم ليسوا أكثر من قُطَّاع طرق وقذرين، ثيابهم رثة، يمشون وهم حفاة الأقدام، لذا يجب أن يعودوا للصحراء، كما تعج المكتبة “الإسرائيلية” بمئات، بل آلاف من قصص الأطفال اليهود، هدفها الأساسي غسل دماغهم، وتصوير العربي بأبشع الصور، فهو “قاتل ومخادع”.

تصل عنصرية المناهج الدراسية “الإسرائيلية” إلى حد الاستعانة بالتصاوير الاستعلائية العدائية المصاحبة للنصوص التعليمية بتصوير الإنسان العربي على أنه “طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاسٍ تحت جبين ضيق وصغير، وشاربه مدبب”، ما يثير في نفوس الأطفال اليهود الرعب والخوف، في حين تصف الجندي اليهودي بأنه مسالم لا يحب الدم والقتل، ومن يدفعه لذلك هو العربي المتعطش إلى الدماء والقتل.

الباحث اليهودي “إيلي بوديه” قدم شهادة “بألسنتهم” عن طبيعة الدور السلبي لمناهج ومضامين التعليم العبرية في إذكاء وتكريس العداء والصراع مع العرب، قائلًا: “إن المشهد الذي تراءى لي من مراجعة كتب التاريخ والكتب المدرسية طيلة نصف قرن لا يبعث السرور، فالصور السلبية ونطاق التضليل حيال العرب مثّلا رؤية طاغية في كتب التدريس “الإسرائيلية” المنحرفة، لأنها سعت بالأساس لـ”شيطنة” العرب، وتجريدهم من إنسانيتهم”.

Exit mobile version