مسلمون ومسيحيون من أجل فلسطين.. حتى لا تضيع دماء شيرين أبو عاقلة

 

بعد تتبعي للحوارات الدينية الإسلامية – المسيحية، بما طرحته من أفكار وأصدرته من بيانات، في كتابي “الأبعاد السياسية للحوار الإسلامي المسيحي”، من السهل إدراك الهوة في المواقف والآراء بين المسيحيين العرب والمسيحيين الغربيين.

فالمسيحيون العرب خلافاً لنظرائهم الغربيين، الذين اتصفت مواقفهم بالسلبية واللامبالاة، يتفقون مع الطرف الإسلامي في النظرة إلى طبيعة الصراع العربي “الإسرائيلي”، التي تتسم بالمواجهة المستمرة للدولة “الإسرائيلية”، واعتبار الصهيونية حركة عنصرية عدوانية، وإدانتها بسبب احتلالها للأراضي العربية واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، والتأكيد على عروبة القدس، والدعوة إلى إطلاق سراح المعتقلين في السجون “الإسرائيلية”، وتحرير الأراضي العربية المغتصبة من قبل “إسرائيل”، وتأييد المقاومة العسكرية للاحتلال “الإسرائيلي”! وطالما تصدر مفكرون مسيحيون عرب للدفاع عن فلسطين، مثل نجيب عازوري، وخليل السكاكيني، وجيمس زغبي، وشبلي تلحمي، وإدوارد سعيد.

وهذه المواقف الإيجابية بما تملكه من قوة ينبغي استثمارها وتوظيفها لمصلحة القضية الفلسطينية، بعيداً عن روح الخلاف وتأجيج الصراعات بين المسلمين والطوائف الدينية الأخرى، سواء كانوا من المسيحيين أو من اليهود المناهضين للدولة “الإسرائيلية” وسياساتها العدوانية والداعمين لاسترجاع فلسطين وحقوق شعبها، مثل طائفة ناتوريم كارتا (حراس القرية) التي جاهرت بمواقفها في مظاهراتها في الولايات المتحدة وداخل فلسطين المحتلة ذاتها.

إن طبيعة الصراع تملي علينا كمسلمين ألا نتمحور حول ذواتنا، وأن نحسن استثمار كل عناصر القوة المتنوعة والمتوافرة في محيطنا، مثل المسيحيين العرب، لقد كان مؤلماً في الأيام الأخيرة ما فعله بعضهم من خلط النضال الوطني ومعاندة الصهاينة، وبين شأن ديني متعلق بالمصير الأخروي لمن رحل عن هذه الدنيا، وكان هناك طرفان على النقيض، بين متدينين وضعوا البعد الديني العقائدي في المقام الأول، وتجاهلوا تضحيات وجهود المسيحيين العرب ومنهم الراحلة شيرين أبو عاقلة، وآخرين ركزوا على الجانب الأخير وجنحوا إلى تهميش الشريعة الإسلامية والقناعات الدينية عند الآخرين.

إن الأمر أكبر من كلا الطرفين، سواء العلمانية المتطرفة، أو أولئك المتدينين الذي لم تتسم نظرتهم بالشمول وإدراك أولويات المرحلة، وغفلوا في حديثهم عن البعد العقائدي عن انتقاد الصهاينة لجرائمهم المستمرة، وإبداء الحزن على تصفيتهم الوحشية لهذه الشخصية التي عملت على مدار 25 عاماً على نقل معاناة الشعب الفلسطيني وجرائم “إسرائيل” بحقه، ولعل الشيخ محمد الددو كان من بين من تناولوا القضية بذكاء، حين دعا إلى استثمار الحدث لفضح الصهاينة وتجريمهم عالمياً، مع توضيح هادئ لمسألة الترحم وما يتصل بها من عقيدة.

وعلى المستوى الشخصي، فإن لدينا الكثير من المعارف من غير المسلمين، ممن نتعامل معهم بود، وتجمعنا بهم علاقات الصداقة والزمالة والعمل والهم العربي المشترك، ونتأسف عليهم إن أصابهم مكروه، دون أن يعني ذلك الحكم على مصير الآخر ما بعد الموت، إن كان من طرفنا أو من طرفهم.

Exit mobile version