تركيا تدخل أجواء الانتخابات المصيرية

 

رغم أن الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية القادمة هو يونيو 2023م (أي بعد أكثر من سنة من الآن)، ورغم أن التحالف الحاكم يؤكد أنه ليس في وارد تبكيرها عن موعدها، فإن المناخ السياسي في البلاد دخل في جو الانتخابات والتنافس والحملات الانتخابية غير المباشرة، وبشكل محموم.

خاض العدالة والتنمية منذ تأسيسه عام 2001م ما يقرب من 20 استحقاقاً انتخابياً، ما بين رئاسية وبرلمانية ومحلية/بلدية واستفتاءات شعبية، وخرج منها جميعاً في المركز الأول متقدماً بشكل لافت على باقي الأحزاب، وإن بدرجات ونقاط متفاوتة بين استحقاق وآخر.

لكنه ينظر، وينظر معه الكل في تركيا، للانتخابات المقبلة على أنها مصيرية وحاسمة واستثنائية، ليس فقط لرمزية موافقتها الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية (1923م)، ولكن لأسباب واقعية تفرض نفسها عليها، فهي تأتي بعد 21 عاماً من الحكم المتواصل للعدالة والتنمية برئاسة «أردوغان»، وبعد 5 سنوات من بدء تطبيق النظام الرئاسي، وفي ظل خريطة جديدة ومختلفة للأحزاب السياسية ومنظومة تحالفاتها، وكذلك في ظل أحزاب صغيرة انشقت عن الأحزاب الكبيرة التقليدية، وخاصة حزبي المستقبل والتقدم والديمقراطية الخارجين من عباءة العدالة والتنمية.

كما أن الانتخابات تأتي في ظل ظروف استثنائية على صعيد الاقتصاد التركي، الذي لم يكن قد تعافى تماماً من آثار أزمة عام 2018م لتضاف له تداعيات جائحة «كورونا» العالمية، ثم لتأتي الحرب الروسية على أوكرانيا عاملاً سلبياً إضافياً ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي وخصوصاً الاقتصادات النامية وفي مقدمتها تركيا.   

المرشحون الرئاسيون

في ظل هذه الأهمية للانتخابات المقبلة، تكتسب التحالفات الانتخابية أهمية إضافية، إذ يمكن أن تكون هي العامل الحاسم في تحديد نتائج الانتخابات في ظل عدم قدرة أي طرف أو حزب من الأحزاب على الفوز بأكثر من نصف أصوات الناخبين.

وعليه، وفيما يخص الانتخابات البرلمانية أو التشريعية، فقد تسارعت ماكينة الأحزاب السياسية لإعادة ترتيب التحالفات، ما بين تحالف «الجمهور» الحاكم وتحالف «الشعب» المعارض، تقوم إستراتيجية كل من التحالفَيْن على تقوية الذات ثم محاولة توسيع التحالف إن أمكن وإضعاف الخصم أو خلخلة تحالفه بمحاولة التأثير على أحد أو بعض أعضائه، وفي هذا الإطار فقد اجتمع الرئيس «أردوغان» مع رئيس حزب الوحدة الكبرى (حزب قومي صغير) لتثبيت انتمائه للتحالف الحاكم وهو ما أكده الأخير، بينما تسعى المعارضة لضم أحزاب جديدة لتحالفها.

فقد شاركت 6 أحزاب معارضة في اجتماعات دورية للتوافق على خريطة طريق للعودة للنظام البرلماني، هي أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطي (أحزاب تحالف «الشعب» الرئيسة) مضافاً لها المستقبل، والتقدم والديمقراطية، ولئن لم تعلن هذه الأحزاب الستة بشكل رسمي أنها تشكل التحالف المعارض لـ»أردوغان» بسبب تردد الحزبين الأخيرين تحديداً، إلا أنها تنسق مع بعضها بعضاً إلى حد بعيد.

وفي هذا السياق، أتى مشروع قانون الانتخاب الذي اقترحه العدالة والتنمية مع حليفه الحركة القومية وأقره البرلمان مؤخراً الذي يقلل من تأثير التحالف الانتخابي في نتيجة الانتخابات البرلمانية في محاولة لإضعاف التحالف المعارض، وقد رد الأخير بأنه يفكر في إستراتيجية تجنبه سلبيات القانون الجديد، وترفع من فرصه في الانتخابات القادمة، بما في ذلك إمكانية تشكيل تحالف ثالث يمكنه سحب بعض الأصوات من التحالف الحاكم.

الاقتصاد واللاجئون

مع اقتراب موعد الانتخابات، بات من الواضح أن أجندة الحملات الانتخابية سوف تركز على ملفين رئيسين، هما: الاقتصاد، واللاجئون أو المقيمون السوريون.

ذلك أن ما سبق تفصيله بخصوص الأوضاع الاقتصادية بات ورقة قوية في يد المعارضة التي تهاجم الحكومة التي تقود البلاد على مدى 20 عاماً حتى الآن وتتهمها بالفشل في إدارة دفة الاقتصاد، بينما تقول الأخيرة: إن التراجع الاقتصادي سارٍ في كل دول العالم لأسباب مشتركة في مقدمتها الحرب الروسية على أوكرانيا مؤخراً.

تستمر المعارضة في مطالباتها للحكومة بخصوص ملفات مثل الحد الأدنى للأجور ورواتب المتقاعدين وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم وغيرها، بينما تتخذ الحكومة قرارات متتالية بخصوص دعم المواطنين ولا سيما ذوي الدخل المحدود، مثل رفع الحد الأدنى للأجور والإعفاء من بعض الضرائب وتخفيف أسعار بعض السلع مع محاولة ضبط السوق لمنع الاحتكار والاستغلال.. إلخ.

من جهة أخرى، زادت في الفترة الأخيرة حدة نبرة المعارضة -في عمومها- بخصوص ملف المقيمين السوريين على الأراضي التركية منذ عام 2011م، مع تباينات بين حزب وآخر تتراوح بين خطاب العنصرية والكراهية وخطاب تحميل الحكومة مسؤولية التخبط والتخطيط السيئ للملف.

تشدد المعارضة وتعيد التأكيد على وعدها بإعادة السوريين إلى بلادهم خلال سنتين إن فازت بالانتخابات من باب الادعاء بأن وجودهم يهدد السلم المجتمعي والخريطة الديمغرافية للبلاد، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية، بينما تسعى الحكومة لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة من خلال عدة إجراءات.

فمن ناحية، باتت تركيا تتشدد مؤخراً في إجراءات منح الإقامة للأجانب عموماً لمنع استغلال الملف من غير المقيمين بشكل دائم في البلاد، ومن جهة أخرى فقد تخلت عن سياسة الباب المفتوح وتحذر المجتمع الدولي من أنها غير قادرة على تحمل المزيد من اللاجئين (السوريين وغيرهم)، ومن جهة ثالثة فهي تقدم رسالة للمواطن التركي أنها غير متساهلة مع السوريين بحيث تتعامل بصرامة وحزم مع أي شخص يقع في مشكلة قانونية، لدرجة ترحيل أشخاص لمجرد أن يتعرضوا لمشكلة، على حق كانوا أو محقوقين، وهو أمر استدعى اعتراض بعض المؤسسات الحقوقية مؤخراً.

ولعله من المفيد الإشارة إلى خطورة محاولة مجاراة خطاب المعارضة والسعي لإرضاء المتشددين من متبنّيي خطاب العنصرية والكراهية، إذ إنه يظلم البعض من جهة ولا يأتي بفائدة للحكومة والحزب الحاكم من جهة أخرى، فقد أثبتت تجارب أكثر من بلد أن محاولة إرضاء هذه الشريحة لا تفلح وإنما تتسبب بمواقف أكثر تشدداً منهم ومطالب إضافية لهم، بحيث يرون أنهم كانوا على حق في خطابهم ومطالباتهم.

في الخلاصة، ورغم البُعد الزمني النسبي للانتخابات، فإن تركيا تعيش اليوم أجواءها بشكل محموم ولافت، ويتوقع أن تزداد سخونة الأجندة السياسية والإعلامية في البلاد مع مرور الوقت واقتراب الموعد أكثر.

Exit mobile version