أيهما أولى بالقانون المصري.. زواج القاصرات أم تأخر سن الارتباط؟

 

تصدرت قضية زواج القاصرات الحديث في مصر مؤخراً ولا سيما بعد إحالة مجلس الوزراء مشروع قانون جديد يحظر زواج القاصرات للبرلمان، واشترط مشروع القانون عدم جواز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 عاماً، فيما يأتي هذا في ظل أرقام مقلقة تتحدث عن تفاقم أزمة تأخر سن الزواج بمصر، حيث إن هناك أكثر من 11 مليون امرأة بمصر تجاوزن سن الـ35 عاماً دون الزواج، وسط ارتفاع معدلات الطلاق إلى مستويات غير مسبوقة، بلغت قرابة 50% من الزيجات الجديدة وفق إحصائيات حديثة.

وفي مصر، تشير أرقام آخر مسح ديموجرافي صحي، للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى أن هناك 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاماً، متزوجون أو سبق لهم الزواج، بدون أوراق ثبوتية.

خضر: قانون لا يراعي الواقع والأولى الاهتمام بتزويج الشباب

وبحسب خبراء تحدثوا لـ”المجتمع”، فإن هذا الاهتمام الرسمي بقضية دون قضية لا يساهم في حل مشكلات المجتمع، ويتطلب تصحيح المسار للحفاظ على منظومة تكوين العائلات والعناية بالأسرة وتكوينها وفق أسس إيجابية لضبط منظومة الزواج ككل في بلد الأزهر الشريف.

تناقض غريب!

وتقول الاستشارية الأسرية والاجتماعية د. منال خضر، في تصريحات لـ”المجتمع”: في ظل ارتفاع نسب العنوسة في الوطن العربي وإعراض الشباب من الجنسين عن الزواج مما يتطلب من الحكومات مواجهة هذه الكارثة والقنبلة الموقوتة التي تهدد بالانفجار في أي لحظة؛ نجد الشغل الشاغل للحكومة المصرية تحديد سن الزواج، واستخراج قانون لتحديد هذا السن دون مراعاة لاختلاف الثقافات والاحتياجات بين الريف والصعيد والمدن وطبيعة وتكوين وتنشئة الفتاة منذ الصغر.

وتضيف أن الشباب يتعرض لضغوط كثيرة من أجل بناء بيت، وهذا أولى بالرعاية والنظر، ومنها ضعف الموارد المادية، والغلاء الفاحش في الأسعار، وعدم توفر المسكن المناسب للشاب الذي يتمنى أن يبدأ حياة زوجية ليعفّ نفسه ويحمي نفسه من الفتن، بجانب اشتراطات أهل العروس المغالى فيها، ويتم تعجيز الشباب بسببها عن الزواج.

وتوضح خضر أن البنت في الريف والصعيد (جنوب البلاد) تتأهل منذ الصغر لتكون زوجة وأماً وربة منزل وصاحبة مسؤولية، وغالباً يكون تعليم البنات في هذه القطاعات إلى مرحلة الثانوية، أما البنت في المدينة فتتعلم حتى تنهي المرحلة الجامعية في معظم الأحيان.

وقالت: إذا نظرنا إلى تحديد سن الزواج، نرى أن الإسلام حدد وقت البداية لزواج الفتاة وهو سن البلوغ للذكر والأنثى، وترك لكل إنسان تحديد الوقت المناسب له لبداية حياته الزوجية، وجعله حسب ظروفه واحتياجاته وقدراته النفسية والصحية.

النادي: قضايا تأخر الزواج وزيادة الطلاق الأهم من ذلك

وتضيف الاستشارية الأسرية والاجتماعية أن كل بلد له سن مختلف في الزواج، فمثلا دولة كالنمسا السن فيها للزواج 16 سنة، وهذا يؤكد أن تحديد سن الزواج من الدولة والحكومات فقط لخدمة سياستها ورؤيتها الاجتماعية الخاصة، وليس بسبب عدم قدرة الشباب والفتيات على إقامة حياة زوجية سليمة وطبيعية، وذلك لأن بعض هذه الدول الغربية تسمح بما يسمى “المساكنة” في أي سن، وتعترف بـ”ابن السفاح” وتقوم بتسجيله واستخراج شهادة ميلاد له، ولا تعاقب من يعاشر جنسياً قبل السن القانونية المحدد للزواج من قبل الدولة وتعتبرها حرية شخصية.

وتؤكد خضر أن الإسلام حدد للمسلمين نقطة البداية للزواج، وترك الموعد المناسب لكل شخص هو يحدده ويقرره بنفسه بحسب قدراته واحتياجاته ونضجه والوقت المناسب له، ولكن وصية سيدنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم واضحة، وهي: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”، كما جعل الإعراض عن الزواج وعدم الحرص على إعفاف النفس مخالفاً للدين والفكرة السوية، وقال النَّبِيَّ ﷺ فيه: “فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي”.

ضبط الأولويات

ويرى الباحث في الفكر الإسلامي د. محمد فتحي النادي، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن هذه القضية لم تكن تحتاج إلى قانون ليضبطها؛ فالغالب الآن أن المجتمعات تغيرت، وأصبح التعليم للذكور والإناث أولوية؛ لذا لا تجد الآباء يحرصون على تزويج بناتهم بعد البلوغ والنضج، ويتركون أمر الزواج لما بعد الانتهاء من التعليم.

ويضيف النادي أن الزواج إن كان بعد مرحلة التعليم المتوسط فسيكون بعد الثامنة عشرة، وإن كان بعد المرحلة الجامعية فإنها ستكون بعد الثانية والعشرين، أما من تسربن من التعليم وأراد آباؤهن تزويجهن فإنهم لا يوثقون العقود، ويحتالون على ذلك بتضييع شهادة الميلاد للفتاة وعمل ما يسمى “التسنين”، وهو إعادة تقدير سنها من جديد، وقد تلد الفتاة قبل توثيق الزواج ولا يرى هؤلاء الآباء بأسًا في ذلك.

ويوضح الباحث أن الحاصل أن الأولويات تحتاج إلى إعادة تقدير، فيقدم ما يستحق تقديمه من قضايا اجتماعية، ويتأخر ما لا يمثل قضية مجتمعية، فزواج القاصرات الآن ليس قضية مجتمعية، ولا تجد فيه مسارعة من الآباء، وإن حصل وهو النادر فإنهم يحتالون لذلك، لكن قضايا تأخر الزواج والطلاق والحضانة وغيرها هي قضايا تحتاج إلى بحث في الأسباب وعلاج للمشكلات وسن قوانين لا تظلم طرفًا وتنصر آخر، بل تحتاج إلى عدالة وإنصاف وعمل في إطار شرعي.

السيد: التشريع يجب أن يكون في خدمة المجتمع لا من طرف واحد

مراعاة المجتمع

أما الباحث السياسي أحمد السيد فيرى، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن ما يحدث في مثل هذه القرارات يعيدنا لما حدث في مصر في قضية تجريم ختان الإناث، وما أثير حولها من لغط كبير وصدر على إثر هذا اللغط قانون دون الرجوع لأهل الاختصاص في هذا الأمر، ولكن الأمر نوقش بصيغة مغرضة لتنفيذ الأمر فقط، مما أدى إلى إجراء هذه العمليات في الخفاء دون مراقبة صحيحة وأهداف نبيلة تحقق الهدف المرجو منها وهو رفعة الإنسان.

ويضيف السيد أن الآن نفس الأمر يتكرر بسبب الحوار من طرف واحد الذي نقوم به في مصر، فهناك أمور لا بد أن تناقش داخل مراكز علمية متخصصة حتى تقدم الأبحاث التي توجه المشرع مثل مراكز البحوث الاجتماعية والصحة النفسية، وبالتالي لا ينبغي أن تشرع الهيئات التشريعية إلا بعد الدراسة المتأنية من قبل هذه المراكز، وللأسف نحن لا نؤمن بالعلم ونصدر القوانين تبعاً للأهواء.

ويؤكد الباحث السياسي أن منظومة الزواج سواء المبكر أو المتأخر تحتاج إلى إعادة ترتيب أمور كثيرة داخل المجتمع، إن كنا بحق نريد الحقيقة والرفعة وتمرير قوانين تراعي أولويات المجتمع واحتياجاته.

دراسة: تأخر سن الزواج من أخطر المشكلات التي تواجه المصريين

تحذير أكاديمي

وحذرت دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر من تأخر سن الزواج في مصر، مؤكدة أن ظاهرة تأخر سن الزواج من المشكلات التي يعاني منها كثير من الشباب في مصر، إذ تفوق في خطورتها الكثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى التي تعاني منها مختلف المجتمعات.

وفي دراسة المركز القومي (جهة رسمية) المنشورة منذ عام 2019، فإن هناك مجموعة من العوامل تؤدي بالفعل إلى رفض الفرد لفكرة الزواج في مصر، ومنها: الخوف من تحمل المسؤولية، وتضخم الذات والاستقلالية المفرطة التي تجعل الزواج عبئاً نفسياً، بجانب فقدان الثقة في الجنس الآخر نتيجة الأزمات الأخلاقية، فضلاً عن الدعاية السلبية ضد الزواج من قبل المتزوجين المنغمسين في المشكلات.

Exit mobile version