ربانيون مع الأجيال (2)

 

تجديد الإيمان في نفوس الشباب

يظل الربانيون يعملون دون عجز أو فتور، محتسبين أجرهم عند الله تعالى.

ويظل الربانيون يخرّجون الأجيال ويربون الرجال ويبنون المستقبل الوضَّاء.

ويعمل الربانيون عملاً متواصلاً بإيمان عميق وتكوين دقيق، واثقين من فكرهم وعطائهم متوكلين على الله ربهم، مسارهم التربوي معروف، وأهدافهم وغاياتهم واضحة، وطريقهم بيِّن ممتع رغم مشقته ومعاناته وجهاده.

التربية عملية ممتعة جداً، وشاقة جداً، وإن جزءاً من مشقتها ينبع من أننا نشعر بالمعاناة، ونشعر أننا نضحِّي ونبذل، ولكن لا نلمس آثار ذلك في شخصيات الأبناء وسلوكياتهم، وهنا أود أن أذكّر بما ذكره أحد الباحثين عن شجرة «البامبو» الصينية، حيث إنها تظل بعد وضع البذور نحواً من أربع سنوات تضرب بجذورها الليفية في الأرض، ولا يُرى منها سوى برعم صغير ينبت من البصلة، وفي السنة الخامسة يصل ارتفاع الشجرة إلى ثمانين قدماً!

نعم، هذا هو شأن التربية، علينا أن نستمر في العمل ولو لم نر النتائج، ولم نلمس التغيرات، فهي موجودة، وكثيراً ما تظهر فجأة، ومن ثم، فلا داعي إلى اليأس والقنوط والملل والسأم(1).

ويأتي دور الربانيين في تجديد الإيمان في نفوس الأجيال، وتذكيرهم بخالقهم العظيم الكبير المتعال، فيقبلون على خالقهم بحب وشوق وارتياح؛ لأنهم يجدون راحتهم عنده سبحانه وتعالى، فهو الكريم الرحيم الرحمن ذو الجلال والإكرام!

ويرى العديد من علماء التربية الإسلامية المعاصرين أن المربي يحتاج في بداية تربيته أن يعمق صلة المتربي بربه، وأن ينشأ على عقيدة الإيمان ومفاهيم التربية الإيمانية، فالله تعالى صاحب الفضل وهو المستحق لكمال الخضوع والحب، وحتى يحصل ذلك؛ فإن عليه أن يركز على حسن تعامل المتربي مع الله عز وجل، بإيقاظ الفطرة، والتعريف بنعم الله، ومراقبته، وتعويده الصلاة وضوءاً وأداءً وإقامتها جماعة، وتلقينه كلمة التوحيد، ولفت أنظاره إلى جميل صنع الله سبحانه في الأنفس وآفاق السماء وجنبات الأرض؛ فيتأمل ويتفكر، وغرس الإيمان بالقضاء والقدر في قلبه؛ حتى يستطيع أن يواجه حياته بأفراحها وأتراحها، وربطه بكتاب الله تعالى تلاوة وحفظاً وفهماً.

وللشعر نصيب وحظ وافر في بيان عظمة الرب سبحانه، ويحسن بالمربين أن يُسمعوه المتربين؛ فيحفظوه لسهولته، ويدركوا معاني صور خلق الله تعالى البديعة، ومن ذلك قول الشاعر:

الشمس والبدر من آثار قدرته               والبر والبحر فيض من عطاياه

الطير سبحه والوحش مجّده                 والموج كبّره والحوت ناجاه

والنمل تحت الصخور الصم قدّسه         والنحل يهتف حمداً في خلاياه

والناس يعصونه جهراً فيسترهم           والعبد ينسى وربي ليس ينساه

وقول الآخر:

انظر لتلك الشجرة                    ذات الغصون النضرة

كيف نمت من حبة                    وكيف صارت شجرة

ابحث وقل من ذا الذي              يخرج منها الثمرة

ذاك هو الله الذي                      أنعمه منهمرة

ذو حكمة بالغة                         وقدرة مقتدرة

وانظر لتلك الشمس التي        جذوتها مستعرة

فيها ضياء وبها                          حرارة منتشرة

فابحث وقل من ذا الذي            يخرج منها الشررة؟!

ذاك هو الله الذي                      أنعمه منهمرة

ذو حكمة بالغة                         وقدرة مقتدرة

ويقول آخر:

سل الواحة الخضراء والماء جاريا                     وهذي الصحاري والجبال الرواسيا

سل الروض مزداناً سل الزهر والندا                سل الليل والإصباح والطير شاديا

سل هذه الأنسام والأرض والسما                  سل كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا(2)

بهذا تدرك الأجيال التناغم والانسجام بين حركتهم في الحياة وعقيدتهم ودينهم، فيعملون ويتسابقون ويتنافسون متصدرين أعلى المناصب وأسمى المراتب لنشر الخير ودعوة الناس للخير، رافضين ومنكرين كل إلحاد أو شذوذ أو إباحية عفنة متفسخة تبعدهم عن منهج الفطرة العذب الزلال.

ويظل الربانيون يتابعون غرسهم، ويحرصون على زرعهم، وينظرون إلى بساتين أجيالهم، مبتعدين تارة ومقتربين أخرى، ولكنهم لا يغفلون ولا يهملون لأنهم يعتقدون أن الذئاب متحفزة والشياطين مترصدة، والربانيون هم الرعاة الدعاة الوعاة.

والربانيون يهتفون بالأجيال وينادون الشباب ببلاغ واضح مبين: أيها الشباب، إن الله قد أعزكم بالنسبة إليه، والإيمان به، والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الأستاذ بين تلامذته؛ (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110)، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143).

فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، وأن تعلموا منزلتكم، وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا، والعاقبة للمتقين(3).

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

_____________________________________

(1) عبدالكريم بكار، القواعد العشر.

(2) خالد بن أحمد السعدي، الحقوق والعلاقات في ضوء التربية الإسلامية.

(3) حسن البنا، رسالة إلى الشباب.

Exit mobile version