أضحوكة “سايكس بيكو” والوطنية في “الأندلس”!

 

 قبل أن أتحدث عن مقاصدي من العنوان أعلاه، وحول الوطن والمواطنة وحدوده الجغرافية والانتماء له، أذكّر نفسي أولاً والقارئ الكريم بهذه المقدمة البسيطة في “سايكس بيكو”. 

من هو “سايكس”؟ ومن هو “بيكو”؟

“سايكس بيكو” باختصار شديد جداً عبارة عن اجتماع كان سرياً للغاية حينها، بين رجلين من دولتين تديران العالم حينها خدمة لليهود، ومن أجل إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية، وما زالت اتفاقيتهما تعمل استباقاً تشويهاً مرة ونخراً أخرى لعدم إعادة فكرة الخلافة في ثقافة الأمة وأجيالها وتفكيرهم.

“مارك سايكس” هو رجل بريطاني اجتمع مع “فرانسوا جورج بيكو” من فرنسا، وكان سايكس كما هو معلوم عنه صاحب وجهة نظر عنصرية تجاه العرب والمسلمين والشرق الأوسط عموماً.

تعاون الرجلان سايكس، وبيكو، مع أخيهما رجل الماسونية المشهور ورجل المخابرات خادم صهيون “لورانس العرب” ليرفع لهما التقارير للوضع العربي المصطنع وموقفه من الخلافة والخليفة حينها، وبالفعل أجج لورانس العرب الماسوني الفتن بين المسلمين، وحرض العرب على خلافتهم العثمانية، ومن ثم بعد فترة وجيزة وعد لورانس العرب الرجلين سايكس، وبيكو أن الفكرة ستكون مستقلة (فكرة القومية العربية) من أو عن دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وستعمل ضد الخلافة من أجل الاستقلال العربي.

ثم بدأ لورانس العرب الماسوني يبين أن الخلافة للعرب والعربي، ورأى أن هذه الوسيلة هي الأسرع من أجل إسقاط الخلافة الإسلامية وتحرك في دعمها بكل ما استطاع.

بعد ذلك، وكما هو معلوم، بدأت حكاية اليهود مع السلطان عبدالحميد، وطلب اليهود فلسطين، فرفض السلطان هذا الطلب، وبعدها أصبح تخطيط “سايكس بيكو” جاهزاً للتنفيذ، هذا وباختصار شديد جداً “سايكس بيكو” اتفاقية بين فرنسا وبريطانيا لإسقاط الخلافة الإسلامية من خلال رجلين كلاهما يمثل أمته “سايكس” بريطانياً، و”بيكو” فرنسياً، وبالفعل سقطت الخلافة بعد فترة، وقسم الوطن الإسلامي إلى دويلات وطنية الولاء لها مقدم على كل شيء حتى على الأمة والخلافة ووحدة الأمة، بل وصلت الحال عند البعض تقديمها على الولاء لله تعالى ودين الإسلام، نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.

كتبت هذه المقدمة البسيطة وذلك بسبب ما يحصل اليوم على وسائل التواصل كتابة ونقاشاً حول مسلسل “فتح الأندلس”، وما يدعيه البعض في أصل ومرجعية القائد طارق بن زياد، حقيقة نحن لا ننكر حب الأرض والولاء لها، ومكان النشأة لا ننكره لا عقلاً، ولا منطقاً، ولا شعوراً إنسانياً ولا حتى شرعاً، ولكن حينما كما نقول في الأمثال “حينما يزيد الشيء عن حده ينقلب ضده”، وصلت الحال أن البعض يسيء إلى المخرج محمد سامي العنزي، مخرج العمل، ويشتمه بعض الإخوة من الجزائر بسبب أنه ما أشار إلى أن طارق بن زياد أصله جزائري الجنسية ذات الجذور “السايكس بيكويّه”! وأيضاً يشتمه بعض المغاربة لأنه لم يشر إلى أن طارق بن زياد أصله من المغرب الحالي والحدود “السايكس بيكويّه”!

هذه النوعية من البشر مع الأسف تريد أن تجير الأمة وتفكير رجال الأمة العظام السابقين تجيرها لحدود “سايكس بيكو” التي صنعها الاستعمار والصهيونية، تريد أن تجير تفكير رجال الأمة المطلق لخدمة أمة الإسلام مطلقاً، تجيره إلى تفكير الحدود الضيقة التي صنعها الاستعمار الذي صنع هذه الجغرافيات، ولا شك هذا التفكير سطحي ودون المستوى، وهو الأبعد عن الكياسة والذكاء، ومن ثم بعد اللاذكاء الانبطاح للقوي الذي يسير ما يصنعه لخدمته وحسب أهدافه وما يريد وكيفما شاء!

أذكر هؤلاء السذج والسطحيين الذين تركوا الهدف المحوري من العمل وتفاعلوا مع ما هو دون القشرة! لا يمكن بتفكيركم المحدود هذا أن تخدموا أمة الإسلام والمسلمين، وأذكرهم أيضاً أن محمد العنزي عمل قبل 17 عاماً تقريباً أو أكثر عمل “خالد بن الوليد”، وما سمعنا حينها أحداً من أبناء المملكة السعودية قال: إن خالد بن الوليد رضي الله عنه سعودي الجنسية مثلاً، وأيضاً عمل “الحسنين” ما سمعنا أحداً قال: الحسنان من حملة الجنسية السعودية، أو أحداً قال عن قادة سيدنا معاوية رضي الله عنه أنهم سوريو الجنسية! وأيضاً “صلاح الدين” لم نسمع أحداً قال: لماذا لا تذكرون أنه كردي؟!

هؤلاء عملوا من أجل أمة لا من أجل أعراق أو أوطان صنعت حدودها “سايس بيكو” خدمة للدولة العالمية! من أجل أن تذل الإسلام والمسلمين باسم الوطن والوطنية، وفي عهد تلك الرجال العظام لم يكن هذا التفكير الصغير الحقير والمحدود مع حدود المجرمين سايكس، وبيكو. 

وصلت بنا الحال أن نفكر في جنسيتنا الوطنية لنسقط تفكير قادة الأمة الرجال السابقين خدم الدين ومنهج الله تعالى، نسقط تفكيرهم الكبير والعظيم على تفكيرنا الضيق المحدود في الجغرافية “السايس بيكوّية”، وفي الوقت نفسه ندعي أننا نريد المجد للأمة وإعادة عظمتها، وهكذا نحن كالذي يناشد الوزغ ليصرع الأسد!

وهناك مجموعة نصبت نفسها الناقد الفني للعمل، تدعي أن العمل تقليد لمسلسل “أرطغرل”، وما علم هؤلاء النقاد الأفذاذ أن محمد سامي العنزي عمل قبل “أرطغرل” بعشرين سنة “خالد بن الوليد” جزأين من 60 حلقة، وعمل “الحسنين”، وعمل “عنتر بن شداد”، و”أحمد بن حنبل”، هذا أولاً أيها النقاد الأفذاذ.

المشكلة أن عقولنا صغرت وتحددت كما شاء سايكس، وبيكو!

أخيراً، حينما أتابع القيل والقال حول المسلسل وكيف المغاربة بين سطورهم يتهمون الشاميين بأنهم أهملوهم، والجزائريون يتهمون الخليجيين بإهمالهم وبين طيات كلامهم التعالي على الآخرين، والعكس صحيح، أرى أن سايكس، وبيكو، والماسوني لورانس العرب نجحوا نجاحاً باهراً في صناعة عقول قشرية تنصر القشور وتترك اللب، فلذلك نحن أمام مشوار طويل حتى نحصل على عقول توصف بـ”أولي الألباب”، ومع الأسف نسأل الله السلامة والعفو والعافية.

Exit mobile version