ربانيون مع الأجيال

 

بشر ولا تنفر.

اقترب اقترب.. من الجيل.

أبناءً كانوا أم أحفاداً، أقارب كانوا أم جيراناً.

تحبَّبْ.. تبسّم! لا تعبس! يسِّر ولا تعسِّر.

تفنَّن واختر طرق التبشير والتيسير وبرامج ووسائل التجميع.

تعلم وتدرب على أساليب الخطاب؛ فكل جيل له طريقته، وكل سنة عمرية لها احتياجاتها التربوية والنفسية، وكل ذلك يُكتسَب بالخبرة والمران والتعلم.

فطلاب المدارس وشباب الجامعات والمعاهد والأندية الرياضية والصحية يحتاجون لخطابنا الأبوي الرحيم الحكيم، وإرشادنا وتوجيهنا المفعم بالحرص والرأفة والرحمة! {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13).

وبالخطاب الروحي الإيماني يستيقظ الغافي ويتذكر الغافل وينتبه الناسي.

تعلِّمنا عقيدتنا أننا لن نجد الاطمئنان والأمان والاستقرار الروحي إلا في ذكر الله تعالى ومناجاته والإقبال عليه، وقد آن الأوان لتعزيز الجانب الروحي في شخصياتنا، والتوقف في آخر النهار دقائق لمحاسبة النفس على أشكال القصور التي وقعنا فيها في يوم مملوء بالصخب والمادة والمنافسة.

على كل الغيورين على مستقبل هذه الأمة أن يعملوا على تدعيم القاعدة الروحية والأخلاقية لمجتمعنا؛ لأن تلك القاعدة هي التي تتحمل الأثقال الناجمة عن الغزو الثقافي وعن الانتكاسات التي يسببها الوهن في مجالات الحياة المختلفة.

طريق تهذيب النفس وإصلاحها طريق طويل يحتاج إلى الإخلاص والاستعانة بالله تعالى، كما يحتاج إلى الصبر والمثابرة وتجديد الطاقة الروحية من خلال الإكثار من التعبد، وتذكر الدار الآخرة.

زماننا هذا زمان الغفلة وانشغال الوعي بالأمور الصغيرة والتافهة، وإن في وسعنا أن نتعود في شهر الصيام عادات جديدة تقوم على الإكثار من ذكر الله تعالى والثناء عليه وتمجيده وإظهار الانكسار بين يديه.

لا أحد يقول: إنه لا يخشى الله تعالى، لكن المعوَّل عليه في الخشية هو الأفعال، وليس الكلام المجرد، فالخشية الحقيقية لله تعالى تثمر الورع، وتكف عن الوقوع في المعصية؛ وهذا ميزان لمن أحب.

إن تألقنا الروحي يخمد من كثرة المشاغل والأعمال ومن كثرة الاختلاط بالناس، وإن بعثه من جديد يتطلب شيئاً من الخلوة والعزلة للذكر والمناجاة والثناء على الله تعالى والمحاسبة والتفكر، وهذا هو دأب الربانيين في كل زمان ومكان.

لا يتجلى كرم الله تعالى في شيء كتجليه في السماح لعباده أن يذكروه في أي وقت ليكون جليسهم، وفي أنهم متى ما أحبوا العودة إليه -مهما ابتعدوا- وجدوه! تبارك وجهه وتقدست أسماؤه.

لذة المناجاة والشعور بمعية الله تعالى والحياء منه هي جوهر التيار الروحي الذي يجب أن ننشئه اليوم لمواجهة التيار المادي والشهواني الذي جعل الناس ينتشرون في كل اتجاه بحثاً عن الملذات(1).

بخطابنا الرشيق اللطيف الخفيف، بالمعلومات الواقعية الصحيحة الواضحة البينة، وبالعبارات الأنيقة المتزنة المعتدلة الحكيمة المسددة، عندئذ سيستمع الجيل ويشتاق الجميع لمَعيننا العذب الرقراق؛ لنقترب دائماً من الأجيال مرغبين لهم في الصلاة: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (إبراهيم: 40).

إن الصادقين من الدعاة والربانيين ليخشون على الجيل من الضلال والتضليل، والربانيون يستمرون يذكرون ويعظون ويربون الأجيال على معاني التوحيد والإيمان والإسلام حتى آخر رمق في حياتهم.

لقد علم الربانيون وعملوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فهم يتصفون بالعلم والتعليم؛ لذلك كله حرصوا التعلم والتعليم وعلى توثيق الصلة بالله تعالى حتى يحظوا بمنزلة رفيعة من بين منازل «إياك نعبد وإياك نستعين».

حرصوا على أن يعيشوا في «رياض الصالحين» حتى يعرفوا أن يميزوا بين «الداء والدواء»، فيقدموا «الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي»؛ حتى ينقذوا أنفسهم وطلابهم من «تلبيس إبليس»؛ فيغيثوا كل لهفان يريد أن يلج دار السعادة!

وقد حرص العلماء على تعريف الربانية فقالوا: «والربانية كما يقول علماء العربية: مصدر صناعي منسوب إلى الرب زيدت فيه الألف والنون على غير قياس، ومعناه: الانتساب إلى الرب أي: الله سبحانه وتعالى، ويُطلق على الإنسان أنه رباني إذا كان وثيق الصلة بالله عالماً بدينه، وكتابه معلماً له، قال الله تعالى: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79) فمن تعلم، وعمل، وعلم فذلك العالم الرباني الذي يدعى في ملكوت السماوات عظيماً»(2).

فلنكن مع الجيل من الربانيين؛ فنحن أصحاب رسالة ومنهج وشريعة وقيم وأخلاق، وهذه هي بضاعتنا؛ فلنحسن ترويجها لجيل يفهم معنى المال والأعمال والاستثمار والكسب والادخار!

«في الحياة طاقات كثيرة، ومجاميع بشرية هائلة، وجعْل هؤلاء البشر يؤدون واجب العبادة لله تعالى إنما يكون حين يعرف دعاة الإسلام كيف يكون علوّهم على تيار الحياة ليمسكوا بزمامه، ومن ثم توظيفه لأداء هذه العبادة، وليس هو السير في خِضمّ التيار؛ بحيث تتقاذفنا أمواجه وينعدم اختيارنا، كما أنه ليس في معاكسة التيار الهادر، بحيث يجرفنا بزخمه، وإنما هو الجري معه أو بموازاته بمستوى التفوق والعلو والاستواء.

وعلى الداعية المسلم أن يفهم هذه الطبيعة ذات البعد الحضاري لعمله وخطة دعوته، ليتهيأ لها بما يوازيها، نفسياً بالصبر، وأداءً بالعلم، واستعانة بالمال، ورمزياً بأطياف الجمال»(3).

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

_______________________________________________

(1) عبدالكريم بكار، المسلم الجديد.

(2) جامعة المدينة (جامعة المدينة العالمية)، كتاب أصول الدعوة.

(3) محمد أحمد الراشد، صناعة الحياة.

Exit mobile version