التحريض على الديمقراطية

 

قبل عشرين عاماً، لم يكن أحد يجرؤ على المطالبة بتعليق الدستور أو وأد الديمقراطية، واليوم نسمع ونقرأ أصواتاً نشازاً بدأت تطالب بالتخلّص من هذا الإرث التاريخي، الدستور، ومع الأسف تجد من يسمع لها ويتناغم معها! وحجة هؤلاء أن الديمقراطية سبب في عرقلة عجلة التنمية ومعطّل للتطور والحضارة، ويركزون على أن الأدوات الرقابية التي تفرضها قوانين الشفافية تجعل القرار الحكومي يتيه في الإدارات الحكومية، وتجعل المسؤول يتردد عشرين مرة قبل اعتماد أي قرار، ويتناسى هؤلاء أن علة القرار الحكومي في الروتين والبيروقراطية اللذين تغرق فيهما الإدارات والمؤسسات الحكومية، ولم تكن الأجهزة الرقابية إلا ضمانة لسلامة القرار، وحسن تطبيقه، والدليل على ذلك أن الكثير من الدول الديمقراطية المتحضرة تنتشر فيها الأجهزة الرقابية وتمارس دورها بفعالية، ومع هذا، القرار الحكومي لا يتعطّل ولا يتعرقل بسبب حسن الأداء وسلاسة الإجراءات، إذن العلة في أجهزتنا التنفيذية والقائمين عليها، وليس في أجهزة الرقابة التي غالباً ما تكون لاحقة وليست مسبقة.

إن نظام “one man show” أو الأسلوب الفرعوني في الإدارة الحكومية، الذي يعتمد على قرار الشخص الواحد والسلطة المطلقة، لا يصلح للدول التي تسعى إلى إصلاح أجهزتها ومحاربة الفساد فيها، فقد يتسبب هذا النظام في سرعة الإنجاز للمشاريع، لكنه لا يعالج التجاوزات المصاحبة لها، فما فائدة أن نبني ناطحات سحاب وطرقاً سريعة وأنفاقاً في زمن قياسي، ثم نُفاجأ بأننا دفعنا رشى تجاوزت القيمة الفعلية لهذه المشاريع! وقد يقول قائل: إن لدينا ديمقراطية وأجهزة رقابية، ومع هذا مشاريعنا متعطلة والمنجز منها يتم بأسعار مضاعفة! ونقول: إن المصيبة عندما يكون تعيين المسؤولين في هذه الأجهزة من قبل أجهزة الحكومة، معظمها مثخن بالفساد! فإدارة الفتوى والتشريع والجهاز المركزي للمناقصات وديوان الخدمة المدنية وهيئة القوى العاملة وغيرها، كلها إدارات يتم تعيين القياديين فيها من قبل مجلس الوزراء.

خذ مثلاً دفعات المقاولين الذين ينفذون مشاريع الدولة الكبرى، ما السبب في تعطيل دفعاتهم المستحقة؟ وطبعاً كنتيجة لذلك تعطيل وتأخر إنجاز المشاريع.

إن الادعاء بكون السبب نقص في السيولة هو ادعاء باطل، لأننا نتكلم عن مشاريع قائمة وفي مراحلها الأخيرة، بمعنى أن ميزانيتها مرصودة من قبل أن يبدأ المشروع، لكنها البيروقراطية الحكومية المعطّلة لكل إنجاز.

الدستور الكويتي صمّام أمان للدولة وللشعب، وأي محاولة لتعطيله أو تقليص مبادئ الحريات والصلاحيات الرقابية للبرلمان فيه يجب إيقافها وتجريمها، لأنها في حقيقتها دعوة إلى إنشاء نظام قمعي نفعي كابح لحرية الكلمة، وكل ذلك تحت ذريعة البحث عن مخرج لهذا الركود الرهيب في مشاريع التنمية.

المشكلة عندما نعيش مساوئ المنظومة الحكومية ونعرف أسباب فسادها، ثم يأتينا من يحول أنظارنا عن العلة الحقيقية لها، ويتجه بها إلى تشويه النظام البرلماني، الذي يعتبر عنصر الأمان طويل المدى إن أحسنّا استغلاله.

 

 

 

 

 

__________________________

m.alduwailah@alqabas.com.kw

يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.

Exit mobile version