دور الأدب في الدعوة إلى الفضيلة

 

تكمن روعة الأعمال الأدبية في أنها تعبر عن الإنسان؛ فترتقي بذائقته وتسمو بأخلاقه؛ فلا جدوى من تلك الكتابات التي ملأت الأرفف فأشاعت الرذيلة وانحدرت بالإنسان إلى حمأة الفواحش، ثمة دور نشر تسعى جاهدة لتدمير الأخلاق بدعوى حرية التعبير وفنية الأعمال الأدبية.

تلك دعوى زيف تتزيا بالعلمية والحرية، وما هي إلا أقلام مأجورة ومؤسسات مشبوهة تدفعها أحقاد وتشعلها حرباً على الإنسان المسلم لينخلع من دينه وينتهي به الأمر إلى كائن نفعي، وهذه الأعمال الفنية تمتلئ بها شاشات السينما وقنوات الإباحية، فغدت فتنة وضرام شهوة خلفت جرائم يشيب لهولها الوليد.

على النقيض من ذلك، أعمال هادفة ترتقي بالإنسان وتحضه على الفضيلة وتبث فيه الأمل وأشواق الإيمان، وما تلك إلا الكلمة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

الأدب انتماء لا يخلو من معتقد، ولقد كذب الذين ادعوا فنية الأدب مجرداً من القيم، إلا أن يكون فتنة وانسلاخاً من الهوية.

من جهة أخرى، تعد الأعمال الأدبية سجل البشر وديوانهم لمن يأتون بعدهم، يرونهم بأعين واعية: كيف عاشوا وأنجزوا في ميدان التحضر والرقي.

تكاد كلمة الفن أن تكون مرادفة لكلمة الإبداع؛ لأن الفن إذا لم يحمل سمة التفرد فلا يمكن أن يكون جذاباً، ولما كانت المتعة مطلوبة في الأعمال الأدبية؛ فإن من ضرورات الفن مراعاة الذوق ليكون جميلاً، فالإبداع الذي يخدش الحياء ويهبط بأشواق الإنسان ويرديه في حمأة الرذيلة بل ينال من قيمه ومعتقداته لا يمكن بحال أن يعتبر فناً؛ لأنه لن يكون جميلاً!

ترى أي جمال في تلك الصور الفاضحة والعبارات المثيرة للغرائز؟ إنها تخاطب الجانب الغريزي في الإنسان، بل ترديه في الفواحش؛ إذ تجنح بخياله بعيداً عن عالم الطُّهر وتدفع به إلى تخدير عقلة وإماتة مشاعره ومن ثم يسهل قيادته والسيطرة عليه.

ثمة كتابات نكدة جعل من زيفها أقوام يغالبون به الأمة على تاريخها، مثل كتابات جورجي زيدان فيما عنونه بـ«روايات تاريخ الإسلام» التي تعود إلى المعتقد الفكري والتوجهات التي ينطلق منها للحط من رموز التاريخ الإسلامي، حيث ركز على النماذج الشائهة والمشبوهة للطعن والدس؛ مما جعله يفتن جيلاً كاملاً من الشباب، وقد نبه إلى خطورة أفكاره د. محمد محمد حسين، في كتابه «حصوننا مهددة من الداخل»، وأ. أنور الجندي في معظم كتاباته ومقالاته!

علاقة الأدب بالقيم

الأدب منجز بشري يعتريه ما يعرض لكاتبه من تغيرات نفسية وعقلية وتوجهات فكرية؛ لذا فلا بد للأدب أن يحاط بسياج من القيم الفاضلة التي لا يختلف بنو البشر حولها، وهي الحق والعدل والجمال، فكل عمل أدبي يلتزم تلك المعايير أدب هادف لأنه يتفق مع الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، أما الذين يلوكون شعار الفن للفن فهؤلاء قوم عدميون لا يبنون مجتمعاً ولا يرفعون للأوطان دعائم التحضر والرقي.

ثمة أعمال تمجد الرذيلة، بل تدافع عنها، بدعوى ضعف الإنسان وجناية المجتمع عليه، إنهم يخايلون بوهم ثم تراهم يسفون فيما يقدمون من كتابات.

لقد عرض القرآن الكريم لنوازع النفس البشرية؛ بل قدم تصوراً مجملاً لحالات منها، لكنه استخدم التعبير الشفيف الذي يُلمح ولا يصرح، ويقدم أرقى نموذج لعلاج تلك النفس الأمارة بالسوء، فجاء أدباء استطاعوا أن يقدموا في أعمالهم نماذج بشرية تعالت على جذبة الطين، وخير دليل على تلك الكتابات ما قدمه مصطفى صادق الرافعي في «أوراق الورد»، و«تحت راية القرآن»، وعلي أحمد باكثير في «وإسلاماه»، ومسرحياته التي تعد آية في الفن الذي يهذب العاطفة ويقدم النماذج التاريخية يقتدي بها الناشئة.

وكذلك يحيى حقي في «خليها على الله»، و«فكرة فابتسامة»، ومحمد عبدالحليم عبدالله، والمنفلوطي، وعلي الطنطاوي، وعمر بهاء الدين الأميري، وليس آخراً نجيب الكيلاني في أعماله الأدبية التي تتجاوز الأربعين.

وفي النهاية، فإن كل لغة تحمل سمت العبقرية شرط أن يمسك بمادتها صائغ ماهر؛ حتى إذا أعجزته اللمحة وغلبته الفكرة تخلص من هذا كله بتفرد الصياغة.

 

 

 

 

 

 

_____________________________

(*) كاتب وروائي.

 

Exit mobile version