الإعلام علم دقيق وفن عميق (2 ـ 2)

 

2- ختاماً:

الإعلام، كما ذكرنا سابقاً، عمل أو بالأحرى فن وعلم، ولا شك هو فن قديم، وكان محصوراً في الشعر والخطابة وأهل القصص والرواة السابقين حسب ما هو متاح ومتوفر حينها من وسائل.

وكلنا يعلم أن الإعلام فن قديم، وفي الجزيرة العربية كلنا نعلم التقاء الشعراء قبل الإسلام في الأندية واللقاءات السنوية في مكة المكرمة للقبائل والشعراء وما يُطلق عليه حينها بسوق عكاظ، الذي تعود بداياته إلى عام 500م، وأتصور أنه عبارة عن مهرجان إعلامي كالذي نعايشه اليوم، تكون في هذا المهرجان أو هذه السوق عرض البضائع، وعرض الفصاحة من خلال الخطب والقصائد، وعرض أمور أخرى من معلومات، حيث عرضها على أكبر عدد من الناس في هذا اللقاء، ومن ثم بعد انتهائه يذهب الناس كل إلى بلاده وقبيلته وينقل لهم المعارف التي سمعها واستقاها من سوق عكاظ.

وعكاظ سمي عكاظاً لاجتماع العرب فيه وهم يعاكظون بعضهم بالمفاخرة والأفعال والمعارف التي يتم بيانها وعرضها في هذا التجمع خطاباً وشعراً أو قصصاً.

ذكرنا فيما سبق أهمية الإعلام وخطورته، وها نحن اليوم بصدد رجل أدرك أهمية الإعلام وخطورته منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدايات دعوته، وكان هذا الرجل من ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو النضر بن الحارث، وهو أول من أسس مؤسسة إعلامية في الجاهلية لتسخيرها حرباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تفعل اليوم صهيون ومن يخدمها من علمانيين وسلف الكذب والزور في تشويههم الدعاة الصادقين، والمجاهدين الحق، مثل “حماس” وأخواتها.

كان النضر بن الحارث يمثل الإعلام السفيه الذي ينشر ما ينشر بقصد تشتيت الناس عن الحق الذي جاء به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأيضاً كانت له فنية عالية حينها حسب الوضع في ذلك الحين، كان النضر يترصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث، يقابله هو في حديث أساطيره لصرف الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يجلس ويقول للناس: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً من محمد، فالإعلام وسيلة قديمة، وأصله الكلمة والخطابة والشعر قديماً والقصص.

ومن خطورة الإعلام اليوم وأهميته صنفته الكويت بـ”السلطة الرابعة”.

الإنسان اليوم من الصعب أن يعيش بعيداً أو تخفى عليه الأحداث، وذلك بسبب تطور وسائل الإعلام، والإعلامي كما ذكرنا يختلف عن لوحة الإعلان! فالإعلامي لا بد أن يكون له رأي وفكر وقدرة برؤية الأفق، وإجادة قراءة ما بين السطور بدقة عالية، والإعلام يجب أن تكون له رسالة يقدمها من خلال هذه الوسائل، وهي كما ذكرها لنا أ. علي المفيدي، رحمه الله تعالى، في إحدى ندواته للمذيعين الجدد في أحد اللقاءات قال: الإعلام بين هذه الأمور الخمسة:

1- نقل الحقيقة وتبادل المعلومات والمعرفة والثقافة.

2- نقل الحدث كما هو من غير تعليق، أو بتعليق حسب التوجه.

3- نقل الكذب بتقصد الكذب لشيء في نفس يعقوب.

٤- جس نبض، تجهيز الشارع لشيء ما مستقبلاً، يكون هذا الخبر أو ذاك أو تلك الفكرة أو الإشاعة تعطي مؤشراً لجهوزية الشارع أم رفضه لذلك مستقبلاً.

5- لا يوجد في الإعلام شيء اسمه “تطنيش”؛ لأن هذه هي الأخطر على المجتمعات وثقافة المجتمع.

وبين المفيدي أن النقطة الأخيرة هي الأخطر على ثقافة المجتمع؛ “تطنيش” السفهاء، وبعد فترة من الزمن يكثر السفهاء كإعلاميين، وتخيل أن هناك جهة تتعمد السفاهة ونشرها بعملية مدروسة ومبرمجة لصناعة ثقافة في الشارع؛ ثقافة سفيهة وتافهة ودون المستوى، لتتم السيطرة عليه بعد مرور جيل أو أجيال؛ فلذلك لا يوجد في الإعلام شيء اسمه “طنش”، فـ”التطنيش” للسفاهة والتفاهة أخطر مما نتصور مع مرور الزمن.

Exit mobile version