واجبات المسلمين نحو خاتم المرسلين

 

نصرةً لنبينا عليه الصلاة والسلام نذكِّر ببعض حقوقه بإيجاز لتحافظ عليها أمته، ويتمسك بها أحبته، وأهمها:

1- الإيمان به وبما جاء به، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ (الحديد: 28)، والإيمان به يعني الإيمان بنبوته وبرسالته، والتصديق بما جاء به؛ إيماناً واعتقاداً جازماً، يترجم عنه اللسان، وتعمل به الجوارح والأركان، والعمل بسُنته وشريعته، والحرص على الاقتداء به واتباعه، فالإيمان يشمل الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح.

2- طاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (النور: 56)، وكما أن طاعته موصلة إلى رحمة الله تعالى، فإنها موصلة إلى الهداية كذلك كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ (النور: 54)، بل جعل طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة له، فقال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ (النساء: 80).

3- محبته التي لا يزاحمها محبة نفس ولا مال ولا ولد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا يؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى ‌أَكُونَ ‌أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (متفق عليه)، ومن مقتضيات هذه المحبة أن نحب ما يحبه ونبغض ما يبغضه، فمن لوازم المحبة الصادقة إرضاء المحبوب، وإيثاره على كل مرغوب، وتقديمه في كل الأحوال.

4- تعظيمه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره وإجلاله، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {8} لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ (الفتح)، والتعظيم مرتبة أعلى من مرتبة المحبة، والتوقير كما قال ابن تيمية: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار. أ.هـ.

فحقه تعظيمه حياً وميتاً، ويقتضي ذلك تعظيمه عند ذكر اسمه، أو سماع حديثه، أو قراءة سيرته، وتقتضي محبته توقير آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته.

5- كثرة الصلاة عليه، وقد صلى عليه الله تعالى وملائكته، وأمر المؤمنين بها فقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب: 56)، وفضل الصلاة عليه عظيم، ففي الحديث: «مَنْ ‌صَلَّى ‌عَلَيَّ ‌وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً» (رواه مسلم)، و«البَخِيلُ الَّذِي ‌مَنْ ‌ذُكِرْتُ ‌عِنْدَهُ فلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

6- تحكيم شريعته وسُنته، والعمل بها في كل الأحوال والالتزام بها في كل المجالات، بكامل الرضا والتسليم، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65)، وقد جعل الله تعالى مخالفة أمر نبيه من أسباب الفتن، وموجبات العذاب، فقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 63)، ووصف تارك الحكم بشريعته بثلاثة أوصاف؛ الفسق والظلم والكفر، قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: 44)، ولم يصف الله تعالى في كتابه تارك عملٍ بالكفر إلا تارك الحكم بشرعه.   

7- نصرته والدفاع عنه، قال سبحانه: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾، فالتعزير كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اسم جامع لنصره وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه. أ.هـ، وعلى هذا بويع في العقبة، حيث قال: «تبَايعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ، وَالْكَسَلِ.. وَعَلَى أَنْ تنْصُرُونِيَ إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ، وَتَمْنعُونِي مِمَّا تَمْنعُونَ عَنْهُ أَنفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ»، فجعل جزاء نصرته والدفاع عنه الجنة، وأعظِم به من جزاء! ففضل نصرته والذب عنه عظيم، وطرقه ووسائله تتنوع وتختلف باختلاف الزمان والمكان والحال.

وقد أسفرت جهود الأمة وعلمائها في الآونة الأخيرة عن تأسيس الهيئة العالمية لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد حضرتُ وشاركت أول مؤتمر لها في إسطنبول بدعوة من الأمين العام، العالم الجليل فضيلة الشيخ د. محمد الصغير، حفظه الله تعالى، وجزاه عن الأمة خير الجزاء وأوفاه، وقد حضر فيه كبار العلماء من شتى البقاع؛ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم.

هذه بعض حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام، وفقنا الله تعالى للقيام بها ولأدائها، وجعلنا الله سبحانه ممن ينصره نبيه ويفديه بكل غالٍ ونفيس، والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً.

Exit mobile version