جلبة جديدة في مصر بعد الزواج الثاني لأحد المشاهير، تطورت إلى تراشق بين المجلس القومي للمرأة ونسويات من جهة ودعاة من جهة أخرى وسط جدل مجتمعي متكرر خاصة من النساء اللواتي لا يرين الزواج الثاني إلا إذا كانت المصلحة لهن سواء أن تكون هي الزوجة الثانية أو شقيقة المتزوج الثاني التي تكره زوجته الأولى وفق ما يرى البعض.
“لماذا كل هذا؟!”.. سؤال طرحته “المجتمع” على مختصين ومراقبين، والذين يرون من الأهمية مكان الاقرار بأن هناك توجه لاستهداف كيان الاسرة المصرية سواء جاءت عبر التعدد أو عبر غير التعدد، وبالتالي يتم استهداف الإطار الشرعي لممارسة العاطفة في إطار الشرع حرصا على تبديد منظومة الأسرة وهو ما يتطلب فهم الأبعاد النفسية والاجتماعية والفكرية لصون سمو فكرة التعدد وإيصالها لعموم المصريين والحفاظ على الأسر خاصة الأولاد الذين يتعرضون لهجمات متكررة.
حبيب: الحداثة والنسويات وراء التشويش على الأمر
إجراءات ممنهجة
يوضح المفكر الإسلامي د.كمال حبيب في حديث خاص لـ”المجتمع” أن من حق الرجل التعدد بشرط العدل في المعاش والعطاء والاهتمام، ولكن فكرة التعدد تتراجع في مصر مع الحداثة التي تجعل من المرأة رمزاً وعنواناً لسطوتها وانتشارها، حيث أن غالب النساء خاصة في المدن تشكل قيم هذه الحداثة وعيهم ورؤيتهم للعالم والحياة، ومن بين هذه القيم رفض التعدد أو جمع الرجل بين أكثر من زوجة.
ويضيف أن هناك تيارات نسوية بمصر تمجد المرأة وتشجعها على الاستغناء عن الرجل، وتضع الأفكار والقيم التي تعطي للمرأة رؤية فردانية ترى نفسها كأنثى وما تعتبره مصلحة لها كفرد دون اعتبار للأسرة كبنيه تفترض التضحية من أجل الأولاد ومن أجل بقاء الأسرة، ومن ثم فهي ترفض أن تشاركها امرأه أخرى في زوجها وتفضل الطلاق على أن تكون زوجة ثانية.
ويشير إلى أن هناك ثقافة مصرية رائجة أساسها تأثر النهضويين المصريين كرفاعة الطهطاوي بالتفكير الفرنسي الذي يحرم التعدد وأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان خاصة أن الثقافة الفرنسية كانت سائده في أوساط الأسر الغنية والمؤثرة في وقت مبكر في مصر، بجانب اجتهادات الإصلاحيين في الأزهر العلماء محمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد المراغي والتي اجتهدت دينيا نحو الاكتفاء بزوجه واحدة وأن ذلك هو الأصل.
ويرى حبيب أن الدولة نفسها مالت لذلك التفكير، حتى أن هناك قانون كانت تعده جيهان السادات حرم الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات والمعروف باسم “قانون جيهان” كان يحاول منع الزواج الثاني وتجريمه لولا موقف شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود ومعارضته لذلك وغيره من رجال الدين الذين رفضوا القانون حتى أسقط في مهده وانتهى.
الحكيم: نحتاج لفهم طبيعة الرجل والمرأة حتى ننجح
أبعاد نفسية
يرى المستشار النفسي والاجتماعي د.عماد الحكيم في حديثه لـ”المجتمع” أن الجدل المتكرر في مسائل الأسرة ومنها تعدد الزوجات، يمكن في وجود بيئات مضطربة نفسياً تصنع شخصيات مليئة بالنقائض النفسية وعدم وجود رخصة للعلاقة الزوجية قبل الزواج وطغيان الإعجاب على مفاهيم الحب الأصيلة القائمة على الحوار البناء، وهو ما يجب تداركه مجتمعياً عبر إثارة الوعي اللازم لبناء أسرة سعيدة قبل الاقتران.
ويدعو الحكيم المرأة المصرية إلى فهم الرجل جيداً، فهو ينسحب في وقت ما لحاجته إلى الاستقلال والحرية وبعد فترة الانسحاب هذه يشعر فجأة بالرغبة إلى الحب الذي لا يمكن الاستغناء عنه عند الرجل ويكون ودوداً مرة أخرى ومحباً ومشجعاً، ولكن تظن النساء أنه يخفى عنها شيئا أو أنه فقد حبه لها أو ثقته فيها وتستنتج خطأ أنه لا يريد التحدث معها مطلقا وتظن أنها تزوج زوجة ثانية عليها.
ويشير الحكيم إلى أن الانسحاب رغبة نفسية شعورية للرجال مثلها مثل الجوع تماماً، ولكن المرأة المصرية تسيء فهم تلك المشاعر الفطرية، ولا تترك للرجل فرصة للاستراحة النفسية أو الانسحاب المؤقت، وتفسر الأمر على أنه خيانة أو تخلي عن المسئوليات أو زواج ثاني، وهو ما يدفع الزوج إلى الزواج الثاني او غيره هرباً من ضغوط كان يهرب منها لفترة أصرت زوجته أن تجعلها أبدية.
وطالب الحكيم المرأة المصرية بالتزود بالثقة والحكمة فلا تستجيب لقلق عقل أو وساوس قلب، ولا تلاحق من يبعد، ولا تحادث من فضل السكوت، وأن تمنح زوجها دائما المساحة التى يريدها فهي طريق العودة إليها دوما، وأن تدرك أن الرجل إذا لم يحصل على فرصة الانسحاب فلن يجد أبدا في داخله الرغبة في الاقتراب.
خضر: توجه إعلامي وفني لنبذ الزواج الثاني
حملات ممنهجة
من جانبها تؤكد المستشارة الأسرية والإجتماعية د. منال خضر، في حديث لـ”المجتمع” أن جدل التعدد في المجتمع المصري قديم جديد لا ينقطع أبدا، بسبب تحركات بعض الإعلاميين والفنانيين الذين يعلمون منذ أكثر من 60 سنة على نبذ التعدد في المجتمع المصري.
وتشير إلى أن اتهام اعلامي وفني للزوجة الأولى بالتقصير دائماً إذا تزوج زوجها ثانية ونعتها بالفشل في تلبية احتياجات بيتها وزوجها أو اتهام للزوج بالخيانة والغدر وعدم الوفاء للزوجة في حالة ارتباطه شرعياً بأخرى، بل وصل الأمر إلى تمجيد بعض الأعمال الفنية لعلاقات خارج القانون والشرع ونبذ التعدد كمسار شرعي وعلاجي لكثير من الأزمات، وهو ما جعل المجتمع الخليجي بحكم اطلاعها أفضل من المجتمع المصري في مسألة التعدد بسبب الحملات السلبية المكثفة على المجتمع.
وتوضح خضر أن الإسلام لديه مقاصد شرعية واضحة والتعدد جاء كحل يخضع لحرية الاختيار لا الإجبار، ولا يشكل مع ذلك سابقة تميز أو كارت دخول للجنة، وكل واحد يقيس الأمر على نفسه من حيث المقدرة النفسية والمادية والجسدية خاصة في ظل ظروف كعدم إنجاب الزوجة أو مرضها.
وتضيف خضر أنها كمستشارة أسرية تتلقى حالات لزوجات مطلقات أو أرامل ويحتاجن إلى من يعول الأسرة منها أو حالات لبنات بكر في سن الأربعين وأكثر وتريد أن تتجوز، وبالتالي فنحن بحاجة إلى التعدد حسب الاحتياج والمقدرة والزوجة التي تعاقب زوجها على التعدد فهي ترتكب حراما لا يجوز، ومن حقها فقط الانفصال بالمعروف في حالة وقوع ضرر عليها أو أذى أو غيرة لا تتحملها ولكن الله رقيب عليها، وهناك صحابيات تطلقن من صحابة لأسباب متعددة مباحة.
وتتحفظ خضر على مسألة لجوء الزوج إلى الزواج الثاني في حال وجود مشكلة في بيته فقط، مؤكدة أنها لا تجد كثيراً ممن نجحوا في إدارة بيوتهم يلجئوا للتعدد كحل للأرامل والمطلقات ولكن تجد التعدد بكثرة مع المشاكل وهي أزمة فمن لم يستطع ادارة منزله الأول كيف يدير منزل ثان دون علاج.
فهمي: الأطفال ضحية والأسرة أولا قبل التعدد
الأطفال ضحية
أما المستشارة الأسرية والنفسية د.رسمية علي فهمي تستنكر في حديث خاص محاولات البعض تلخيص الإسلام في التعدد رغم أن البيوت فيها مشاكل كبيرة وخطيرة وصلت إلى العلاقات المحرمة للزوج أو الزوجة خارج إطار مؤسسة الأسرة بسبب فشلهما في إدارة علاقاتهما وحفظ أولادهما وهو ما يترتب عليه ضياع للأولاد، وهو ما تشهد عليه محاكم الأسرة بمصر.
وتؤكد أن من يدفع الثمن في مسائل الأسرة الآن هم الأطفال، وبالتالي فعند الطلاق أو التعدد تجد الضحايا أطفال في سن مبكر أو سن متقدم يدفعون أثمان باهظة قد تضرب عرى الدين لديهم في بعض الحالات بسبب الاضطرابات المترتبة على الاختلال الأسري، متعجبة من وجود حالات فاشلة في أسرتها ولا تصرف على بيتها وتلجأ للتعدد نكاية في الزوجة الأولى التي قد تسقط سقوطا مروعا يضيعها ويضيع أطفالها وهو ما تراه في متابعتها.
وتوجه فهمي نداءا عبر مجلة “المجتمع” إلى قادة الرأي الاجتماعيين والمستشارين الأسريين إلى القيام بهبة جماعية للحفاظ على الأسرة والتركيز على حمايتها خاصة الأطفال.