السعي العربي لإعادة تأهيل نظام الأسد في سورية.. هل ينجح؟

 

في نوفمبر 2011م، قبل عقد من الزمان، قررت الجامعة العربية في اجتماع لوزراء الخارجية العرب تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، مشترطة أن تلتزم سورية ببنود المبادرة العربية لحل الأزمة السورية بإيجاد حل سياسي لها ومنع العنف تجاه المدنيين، وتحذير الجيش من التورط بالدماء السورية، وطلب الاجتماع من الدول العربية سحب سفرائها من سورية، كما انفتحت بعد ذلك جامعة الدول العربية على المعارضة السورية التي تطالب برحيل نظام بشار الأسد.

اختراقات في موقف القطيعة العربية

بعد التدخل الروسي لصالح النظام في الحرب، واستعادة النظام سيطرته على أجزاء كبيرة من الأراضي، وإلحاق خسائر كبيرة بالمعارضة السورية، واختلاف الواقع على الأرض، ومقاومة النظام لكل المحاولات الشعبية للإطاحة به، بدأت المواقف العربية تتبدل على الأرض، على اعتبار أن النظام باقٍ، والتعامل معه أصبح تعاملاً مع الأمر الواقع.

الموقف الأردني:

لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية الأردنية السورية منذ الثورة السورية عام 2011م، وإن كان الأردن خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي الأردني السوري إلى أدنى مستوياته، وبقيت السفارة الأردنية تعمل من خلال عدد محدود من الموظفين والإداريين، وبقي السفير السوري في عمَّان إلى عام 2014م إلى أن طلب منه النظام الأردني مغادرة الأردن خلال 24 ساعة.

كانت العلاقات متوترة بين النظام السوري والنظام الأردني، رغم استقبال الأردن ما يقرب من مليون وربع مليون لاجئ سوري، النظام السوري كان يتهم الأردن بدعم المعارضة المسلحة من خلال الحدود الأردنية السورية التي تبلغ 375 كيلومتراً، ويربط بين البلدين معبرا جابر والرمثا، إلا أنه بعد سيطرة النظام على الأراضي السورية بدعم روسي بدأت العلاقات والتنسيق يعود بين البلدين، فتمت زيارة وزير التجارة الأسبق لسورية، وتمت اللقاءات على المستوى الأمني؛ من مخابرات وجيش ووزراء الطاقة في عمَّان بعد ذلك.

عمل النظام الأردني من خلال زيارة العاهل الأردني للقاء الرئيس الأمريكي بايدن على محاولة استثناء الأردن من العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري بموجب “قانون قيصر”، وبدأ العمل على تزويد لبنان بالكهرباء من خلال مرور شبكات الربط بالأراضي السورية، وتم فتح المعابر بين سورية والأردن التي تسمح بتدفق المنتجات السورية للأردن، وتدفق الصادرات الأردنية للبنان عبر سورية، وتطورت العلاقات في أكتوبر الماضي بتلقي العاهل الأردني اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري، كما أعلن عن ذلك الديوان الملكي الأردني.

الموقف الإماراتي:

قطعت الإمارات علاقاتها مع النظام السوري، وسحبت السفراء في عام 2011م بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، وكانت الإمارات جزءاً من التحالف العربي المناهض لنظام الأسد إبان الثورة السورية.

في ديسمبر 2018م، وبعد زيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لسورية، أعادت الإمارات فتح سفارتها في سورية، ليتطور الموقف بزيارة وزير الخارجية الإماراتي لسورية قبل عدة أيام، ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد، وتلقي ولي العهد الإماراتي اتصالاً هاتفياً من الرئيس بشار الأسد في نهاية أكتوبر الماضي.

الموقف المصري:

الموقف المصري من الثورة السورية مرّ بثلاثة أنظمة حكم، حكم المجلس العسكري بقيادة طنطاوي الذي كان متحفظاً على التصعيد ضد نظام الأسد ويكتفي بالحياد تجاه القضية السورية، ثم جات فترة الرئيس محمد مرسي الذي وصف رحيل نظام الأسد بالعمل الأخلاقي وسحب السفراء وجمد العلاقات مع سورية، ثم جاء حكم عبدالفتاح السيسي الذي استدار بتدرج عن المواقف السابقة من خلال التضييق على المعارضة السورية دبلوماسياً، ومن ثم استقبال ممثلي النظام السوري، وبعد ذلك الانفتاح على النظام السوري، لتصل العلاقات إلى منعطف آخر خلال الفترة الماضية بلقاء وزير الخارجية المصري مع وزير الخارجية السوري على هامش لقاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعليق الجانب المصري بأن اللقاء جاء من أجل التأكيد على سبل حل الأزمة السورية، فيما صرح رئيس الجامعة العربية بعد تصريح سابق لشكري بأنه يطمح أن تعود سورية لمحيطها العربي والجامعة العربية.

بواعث إعادة العلاقات

قد تبدو بواعث الرغبة لبعض الدول العربية بإعادة العلاقات مع النظام السوري مختلفة من دولة إلى أخرى.  

بينما تتصدر البواعث الأمنية وعدم رغبة النظام الأردني بوجود مليشيات إيرانية على طول الحدود الأردنية السورية التي تمثل الهاجس الأكبر للنظام الأردني، إلا أنّ الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية عن الجانب الأمني، إذ أخذ الأردن استثناءً من العقوبات الأمريكية المفروضة على سورية من أجل تصدير الغاز والكهرباء إلى الجانب اللبناني عبر سورية، كما يتطلع الأردن إلى أن تعود سورية إلى الحضن العربي وتكون جزءاً من مشروع الشام الكبير الذي تشارك به كل من مصر والعراق وسورية، وهو مشروع اقتصادي بين تلك الدول، إذ تقدر الخسائر الأردنية لإغلاق معبر جابر بين الأردن وسورية خلال 10 سنوات أكثر من 20 مليار دينار أردني، ولا تقل مشكلة اللاجئين السوريين أهمية عن مشكلة التبادل التجاري بين الأردن وسورية، إذ إن وجود أكثر من مليون وربع مليون لاجئ سوري يشكلون ضغطاً كبيراً على البنية التحتية الأردنية وسوق العمل الأردنية، خاصة مع تخلي الدول الغربية عن التزاماتها تجاه اللاجئين السوريين.

فيما تبدو البواعث الإماراتية في إعادة العلاقة مع النظام السوري مختلفة، إذ يغلب عليها محاولة إماراتية لتحجيم النفوذ التركي في سورية، والتعاون مع النظام السوري فيما يتعلق بمحاربة “الإسلام السياسي” على اعتبار أنه يمثل عدواً مشتركاً لكلا الدولتين، فيما يجري الحديث أن الإمارات تسعى لأن تكون سورية ضمن التحالف الإماراتي “الإسرائيلي”، وتكون الإمارات الوسيط بين سورية و”إسرائيل” فيما بعد، وحمل سورية على إدارة الظهر إلى الوجود الإيراني في سورية، ويرى مراقبون أن إطاحة الرئيس السوري بجواد رافاي، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سورية، تأتي في هذا الصدد، كما تسعى الإمارات إلى أن يكون لها نصيب الأسد في أعمال إعادة إعمار سورية.

فيما يبدو الموقف المصري اقتصادياً وسياسياً من الأزمة السورية فيما يتعلق بتدفق الغاز إلى لبنان وتركيا عبر الأراضي الأردنية والسورية، ومحاربة وإضعاف جماعة الإخوان المسلمين وكل تيارات “الإسلام السياسي”.

الموقف الأمريكي هو الذي يحسم  

فيما تقوم الإدارة الأمريكية في سياستها العامة والجديدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط على مبدأ إدارة الأزمات وليس حلها، فإن سياستها في الأزمة السورية تقوم على عدة محاور رئيسة، وهي سياسة منسجمة مع التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة، وتتمثل بالتالي:

– الانسحاب إلى أكبر قدر ممكن من المشكلات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة التفرغ إلى منافسها القوي الصاعد التنين الصيني، فهو أولى أولويات الإدارة الأمريكية في صراعها الإستراتيجي على قيادة المستقبل والإبقاء على التفوق الأمريكي.

– التركيز على المصالح الأمريكية المباشرة في كل أزمة وإبقاء الحال على ما هي عليه ما دامت تخدم المصالح الأمريكية.

– احتواء إيران في المنطقة وإيجاد تفاهم معها في كل الملفات وأهمها الملف النووي ونفوذها في المنطقة بما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية.

– محاولة استنساخ نموذج النفوذ الأمريكي في العراق والاعتماد على الأكراد في قيام مناطق حكم ذاتي خاصة بهم ترعى المصالح الأمريكية في سورية.

– الموقف الأمريكي من سورية لن يسمح بتطبيع العلاقات الكاملة مع النظام السوري، ولن ترفع العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر عن النظام السوري بدون حل سياسي للأزمة وبما يحفظ المصالح الأمريكية، ولن يكون الموقف الأمريكي متسامحاً مع أي حالة انفتاح عربي كامل على النظام السوري وإن بدأ متفهماً للحاجة الاقتصادية لبعض حلفائه من الدول العربية، والبعد السياسي الذي تسعى له بعض الدول العربية في تحجيم النفوذ التركي والإيراني في الملف السوري الداخلي الذي يخدم المصالح الأمريكية.

الموقف الأمريكي وتطوراته هو صاحب الكلمة العليا في مدى الانفتاح العربي على وسورية وحجمه، الموقف الأمريكي هو من سيسمح أو يمنع حضور النظام السوري للقمة العربية في الجزائر، في مارس القادم، فكل تلك الأقفال المضروبة على النظام السوري عربياً وعالمياً مفاتيحها موجودة باليد الأمريكية والحد الذي تريده في إعادة تأهيل النظام السوري، وفتح ما تريده من تلك الأقفال.

Exit mobile version