قيمنا تجاه المنظمات التطوعية

 

تحدثنا في الجزء الأول عن قيم العمل التطوعي تجاه مفهوم التطوع، وفي هذا الجزء سنتحدث عن قيمنا تجاه المنظمات التطوعية، مستحضرين قول الحق تبارك وتعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)، وأحسب أن العاملين في هذا المجال يندرجون تحت هذا الوصف الرباني، فهم دعاة إلى الخير، يأمرون بالمعروف والتكافل وفعل الخيرات، وينهون عن المنكرات، وهنيئا لمن كان هذا حالهم، فعاقبتهم الفوز والفلاح كما أخبر ربنا تبارك وتعالى.

ثانياً: قيمنا تجاه المنظمات التطوعية:

نعمل على تطوير البناء المؤسسي للمنظمات التطوعية: لقد بارك الله تعالى في العمل الجماعي المنظم وأمر به، ففي صلاة الجماعة نرى صفوف المصلين منتظمة متراصة، تنتظم قياما وركوعا وسجودا، يقودهم الإمام في مشهد مهيب، وفي القتال قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4)، وأثبتت التجارب أن الفردية في العمل من أهم عقبات تطويره والارتقاء فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، والمؤسسية بخلاف الفردية تنهض بالعمل وترتقي به، والمؤسسات التطوعية أولى من المؤسسات الربحية في تعزيز البناء المؤسسي؛ وذلك لشرف غايات العمل الخيري التطوعي، وعلى المنظمات التطوعية بناء العمل وفق التنظيم المؤسسي الحديث، بحيث تحسن استثمار الموارد البشرية والمالية في المنظمة، وتجزئة إدارات العمل حسب الأنشطة والواجبات، مع وجود قيادة قادرة على صياغة الإستراتيجيات والأهداف العامة والجزئية، وخلق بيئة عمل نموذجية محفزة للعاملين، قادرة على الاستفادة من الدراسات الحديثة والتجارب الناجحة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها” رواه السيوطي في الجامع الصغير.

تقييم العمل وأداء العاملين والوقوف على نقاط ضعفه وقوته ستسهم بشكل مؤثر في تلافي السلبيات وتثبيت الإيجابيات والعمل على تطويرها

نعمل على تعزيز إمكانات المنظمات التطوعية بكل السبل الممكنة: على العاملين في المنظمات التطوعية الحرص كل الحرص على تعزيز قدرات وإمكانات المؤسسات التي يعملون فيها لتصل إلى المستوى العالمي، وتنافس مثيلاتها في العالم من حيث الجودة والفاعلية، وهنا يبرز أهمية ما يسمى بالولاء الوظيفي للمؤسسة، بحيث يشعر العامل أن الارتقاء بمؤسسته جزء لا يتجزأ من طموحاته الخاصة، وهذا من الوفاء الذي أمرنا به، لذلك تجد العاملين الذين يفقهون هذه القيمة العظيمة يتفانون في عملهم، ويبدعون فيه، بل تجدهم يبذلون أكثر مما هو مطلوب منهم في التوصيف الوظيفي، فهم يشعرون أنهم يتعبدون لله تعالى في ذلك.

نؤمن بشفافية العمل وعلانية الأنشطة: إن وضوح العمل التطوعي وعلانية أهدافه وبرامجه من القيم المهمة لنجاحه، فلا وجود لأجندات خفية فيه، وذلك يعزز ثقة المجتمع بالقائمين عليه، مما يوفر له المباركة الرسمية والتأييد الشعبي، ويفوت على خصومه وأعدائه فرص الطعن فيه والنيل منه؛ لذا يجب على القائمين على المنظمات التطوعية توفير كل ما يلزم لتحقيق قيمة الشفافية في العمل، وتعكس ذلك عبر أدبياتها المقروءة والمسموعة والمرئية.

نحافظ على أموال المنظمات التطوعية المنقولة وغير المنقولة: إن المحافظة على المال العام من أهم القيم الوظيفية التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، وعلى العاملين في المنظمات التطوعية معاملة مال هذه المنظمات بحساسية أكبر من التعامل مع المال الخاص، وهذه الحساسية ناتجة عن فهم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27)، وهناك عشرات المواضع في القرآن الكريم تأمرنا بالمحافظة على المال وعدم أكله بالباطل، ويعلمنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كيف نتعامل مع المال العام، فقد وضعه رضي الله عنه في مكانة مال اليتيم من حيث المراعاة، والتنمية، وحرمة الاستيلاء عليه والتفريط فيه، بقوله: “إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم”، وقد قال الله تعالى في مال اليتيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء: 10)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة” [صحيح الترغيب: ح3218]، ومعنى متخوض في مال الله: متصرف فيه بما لا يرضي الله. والمحافظة على المال العام لا تعني عدم سرقته وصرفه فيما لا يستحق فحسب، بل تتجلى أيضا في الحرص على تنميته بالطريق الشرعية، والترشيد في استهلاكه بدون إسراف أو تقتير، ويكون قائما عليه كما قال سيدنا يوسف عليه السلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف: 55)، وأن تعتمد جهات العمل مؤسسات أمينة مختصة بالتدقيق المالي من خارج المؤسسة، ولا تجعل على أمانة الصناديق المالية إلا الأكفاء دينا وخلقا وعلما.

على العاملين في المنظمات التطوعية معاملة مال هذه المنظمات بحساسية أكبر من التعامل مع المال الخاص

نؤمن في التخصص والتميز في تقديم الخدمة: مجالات العمل التطوعي عديدة متنوعة، ولا يمكن لجهة واحدة أن تستوعب جميع مجالات العمل التطوعي، وإن حاولت فإنها لن تتميز بأي مجال، فالتخصص يساعد على تحقيق التميز والإبداع والاحتراف، هناك منظمات تخصصت في مساعدة المرضى وضحايا الحروب، وأخرى في كفالات الأيتام والأسر الفقيرة، وغيرها في تقديم كفالات طلاب العلم وبناء المراكز العلمية ورعاية البحوث، ووجدنا بعض المنظمات اختصت بالمحافظة على البيئة، وأخرى تخصصت في مناطق جغرافية محددة، وهكذا فإن مجالات العمل التطوعي تتزايد بحسب زيادة حاجات الناس، وعلى كل منظمة التخصص في أحد أو بعض المجالات ويمكن تحديدها بنطاق جغرافي محدد، كي تتخصص وتبدع في تقديم الخدمة، وعليها بعد ذلك التنسيق والتعاون والتكامل مع المنظمات ذات الاهتمام المشترك، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2)، ونقل القرطبي في تفسيره قول الماوردي في الآية: “ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته”.

نبادر بتقويم العمل بشكل دوري لتلافي السلبيات وتطوير الإيجابيات: إن تقييم العمل وأداء العاملين والوقوف على نقاط ضعفه وقوته ستسهم بشكل مؤثر في تلافي السلبيات وتثبيت الإيجابيات والعمل على تطويرها، وينبغي أن يكون هذا التقييم والتقويم مبرمجا في خطة المنظمة مرة أو مرتين سنويا، وهذا لا يعني انتظار موعد التقييم لتلافي سلبية ظهرت، بل لا بد من المبادرة لحل المشكلات قبل أن تستفحل وتنتشر، وعلى جهات العمل تشجيع المبادرات وفتح باب الاقتراحات والشكاوى. وما أجمل ما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر” (رواه ابن كثير في مسند الفاروق بإسناد ضعيف).

وإلى مقال آخر مع الجزء الثالث إن شاء الله، بعنوان “قيمنا تجاه الجمهور المستفيد”.

Exit mobile version