وبالوالدين إحساناً

 

نبدأ حديثنا حول بر الوالدين والإحسان إليهما بقول الله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)، ثم بقول رسوله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يمد الله له في عمره وأن يزداد له في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه”.

والابن البار دعاء أبيه له مستجاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث دعوات يستجاب لهن؛ لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده”.

لا شك هي ضمان لاستجابة الدعوة، وهناك إجماع على بر الوالدين له ما له من الخير الكثير على الولد البار بهما، سواء كان الخير في فتح أبواب الخير له والرزق، أو في زيادة البركة فيه وتفريج الكروب والهموم وراحة البال والنفس، والاستعانة ببرهم في مغفرة الكبائر، فهما نعمة للولد دنيا وآخرة، وما قصة القرني وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له عنا ببعيد، كما يقولون، وذلك لبره بوالدته.

والمسلم يجني الخير الكثير والكثير دنيا وآخرة في بره لوالديه، يكفي أن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بر الوالدين بعد الصلاة، وقدمه على الجهاد في سبيل الله تعالى، والبر ليس بالأمر الصعب والمكلف، فالبر يكون باللسان الحلو والحديث الحسن، والقول الطيب، وبرهما بالعمل والجوارح وطول صحبتهما وخصوصاً عند الكبر والقيام بخدمتهما.

بر الوالدين مقدم على الجهاد، كما أسلفنا، وذلك كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: “الصلاة على وقتها”، قلت: ثم أي؟ قال: “بر الوالدين”، قلت: ثم أي؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”، وقال صلى الله عليه وسلم: “رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين”.

ولندقق بقوله تعالى، وتوصيته للإنسان في قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً) (الأحقاف: 15)، إن بر الوالدين أرقى الرقي إحساناً، وهو محور من محاور حسن الخلق، وقرن الله تعالى برهما فيه جل جلاله بقوله: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

نلاحظ كيف قرن الله تعالى شكره بشكر الوالدين بالواو، وهذا أمر يحتاج إلى الاهتمام الأعظم فيه “أن اشكر لي ولوالديك”، ولم يقل: ثم لوالديك.

وبر الوالدين لا يكون في حياتهما فقط، بل في حياتهما وبعد مماتهما، وذلك بالدعاء لهما وبالصدقات لهما، والحج العمرة إنابة لهما، والوصال وإكرام من يحبونهما، والبر أرفع درجات الإحسان إليهما، وقد ذكر الله تعالى بر الوالدين بالعبادة والتوحيد لعظم الأجر بهما فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الإسراء: 23)، نعم لحق بر الوالدين بالعبادة بواو العطف أيضاً ومن غير “ثم”؛ لأن برهما من العبادات العظيمة، وقال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الأنعام: 151)، نعم قرن بواو العطف بين الشرك والقول والفهم ضمناً بعقوق الوالدين والعكس.

ولعل بعضنا يتساءل: كيف البر بالوالدين؟

إنها كثيرة..

الاجتهاد في صلتهما وأقاربهما ومن يحبون، الحرص على إدخال السرور عليهما قولاً وصمتاً وحركة وسكوناً ونقل المعلومة الحسنة لهما، الإسراع في تحقيق ما يطلبه الوالدان، الحذر من مضايقتهما، الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما، التصدق عنهما، صادقهما في حلهما وترحالهما، شاركهما في مخططات المستقبل، جاملهما وامدحهما وأخبرهما بسعادتك وأفراحك، تحكم في مستوى صوتك واخفض معهما الصوت والجناح، أخبرهما أنك تحبهما وتسعى لإسعادهما، عدم الكذب عليهما، والأمور كثيرة وكثيرة في إرضائهما وكسب حبهما وودهما.

نسأل الله تعالى أن يغفر لوالدينا الأحياء منهم والأموات، وأن يوفقنا جميعاً في برهم دائماً وأبداً.

 

 

 

 

___________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version