كيف نحمي النفس المطمئنة؟

 

اتفق أهل العلم والتخصص أن الإنسان له ثلاث أنفس:

أولها: المطمئنة، وثانيها: نفسه اللوامة، والثالثة: النفس الأمارة بالسوء، نسأل الله العفو والعافية والسلامة.

واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى في كتابة العظيم، الذي بين فيه هذه الأنفس الثلاث؛ أولاً: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (الفجر: 27)، ثانياً: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ {1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة: 2)، ثالثاً: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف: 53).

هذه الآيات في كتاب الله تعالى التي جعلت أهل العلم يتفقون على أن النفس الإنسانية لها ثلاثة مفترقات، إذا جاز التعبير وصح.

النفس الأمارة بالسوء هي المذمومة لا شك، وهي التي تأمر السوء ولها تداعياتها وظلالها السيئة على الإنسان أو صاحبها، ولا يتخلص الإنسان من شرها إلا إذا وفقه الله تعالى بذلك؛ وذلك كما قال الله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (يوسف: 53).

النفس المطمئنة هي التي لا يكون لها قرين إلا الملائكة، كما الأمارة بالسوء لا قرين لها إلا الشيطان وجنده يعترونها، بل يقترنون فيها ومعها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك له لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب الحق، وأما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق الحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله تعالى، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.

السؤال: كيف نحمي أنفسنا المطمئنة من هذه النفس الأمارة بالسوء؟!

الوسيلة الأهم والمحورية لذلك: لا بد للإنسان أن يعترف بأخطائه ويتراجع عنها حتى لا تكن لهذه الأخطاء تداعيات داخل نفسه وتفكيره ومن ثم الولوج في عمق السوء وسيطرة النفس الأمارة بالسوء سيطرة عامة وشاملة كاملة، ها هم إخوة يوسف يتراجعون، كما بين الله تعالى في كتابه، فسادت نفوسهم المطمئنة على الأمارة بالسوء، قال تعالى: (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) (يوسف: 97).

وأيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”.

وفي نفس سورة “يوسف” أيضاً تراجع امرأة العزيز عن خطئها وسيئتها، قال تعالى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ {52}‏ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف).

ومن أعظم المواقف رجوعاً إلى الحق موقف سحرة فرعون بعد أن شاهدوا الحقيقة؛ قال تعالى: (قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) (الأعراف).

والنفوس لا شك تتغير وتتقلب إما إلى السوء، نسأل الله السلامة والثبات، وإما إلى الخير، وهذه النفس يجب أن يسعى الإنسان على أن يزكيها باطراد حتى لا تنزلق في مزالق السوء؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس)، التزكية هذه الأصل فيها الإسلام والتزام الصلاة والذكر وجعل بعض وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم مربطاً لهذه النفس مثل قوله: “الصبر بالتصبر والحلم بالتحلم”، والثبات والحمد والشكر لله في قضاء الله وأقداره ما نكره منها، فلعله يكون خيراً لنا والعكس، أيضاً الذكر؛ “وما زال لسانك رطباً بذكر الله”، ولا بد من متابعة سُنة النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بها ما استطاع الإنسان وتحسس أماكن وأوقات “القنص” ومواضع ومواقف قبول العمل والدعاء، بل الاجتهاد والدعاء فيها واستغلالها مثل ما بين الأذان والإقامة، وعند الفطر للصائم، وجوف الليل.. إلخ.

هكذا تسود النفس المطمئنة وتنحسر الأمارة بالسوء وذلك لاطمئنانها إلى ربها سبحانه وتعالى، حيث العبد بممارسته هذه الأمور المذكورة أعلاه، تدخل الطمأنينة في قلبه ظاهراً وباطناً، ومن ثم تنكسر النفس الأمارة بالسوء، وهذه الطمأنينة لا يمكن أن يحصل عليها العبد إلا بكثرة ذكر الله تعالى، قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

لا شك كل منا يسأل كيف أعلم أن نفسي مطمئنة؟!

يرجع ذلك إلى اليقين الذي بين جناحيك إذا كان يقينك أن الله تعالى معك فهو لا يخزيك أبداً، وحينها تطمئن نفسك لأقدار الله تعالى، وهذا لا يكون إلا بكثرة الذكر والتزام خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته والتأسي به.

 

 

 

 

 

________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version