لنكن سعداء

 

لا شك أن السعادة مطلب كل البشر وكل إنسان بغض النظر عن دينه أو عرقه وأصوله.

البعض له وجهة نظر في أن السعادة أو بالأحرى يجزم أن للسعادة مكونات، وأن هذه المكونات خمسة، أو عناصرها خمسة التي تجعلك تسعى إلى السعادة ولسنا بصددها الآن، ولكن نود أن نركز على أصل الأصول الذي منه تنبع السعادة.

يقول أهل الاختصاص: إن كل أسباب السعادة ليست من خارج ذات نفسك أيها الإنسان، وليست خارج نطاق نفسك، بل هي من داخلك تنبع وتتكون، وهذا شبه إجماع عليه من أهل الاختصاص وهو الأصل الأصيل لوجود السعادة، وأيضاً إذا أراد الإنسان أن يكون سعيداً لا بد من وجود المحفز الذي يستحق العناء له ليملأ مشاعرنا وأيامنا وفراغنا، ولا بد أن يكون هذا الأمر راقياً وجميلاً؛ حيث يجعل الأشياء إلى الأفضل لنا وللآخرين، وهذا قد يكون في مجال موهبتك الذاتية؛ كما يعمل أهل اللجان الخيرية في إنقاذ الناس مادياً وصحياً مثلاً، أو يكون في مجال عملك وتخصصك، وبدون أي شك، لا بد من الاستمرار عملاً في هذا الأمر أو المجال في أيام حياتك لتبقى سعيداً بشكل مستمر، وإن مرت عليك بعض المنغصات إلا أنك تعتبرها من أبجديات الحياة، وأنها أمر طبيعي تمر عليك وتذهب مقابل السعادة النابعة من داخلك وكيانك.

وأيضاً من السعادة أن تكون آمالك واقعية، وألا تحدد سعادتك بما هو مستحيل أو شبه مستحيل، ولكن لا بد من الأمل، ولكن بحدود معقولة حسب الإمكانيات المعنوية والمادية والواقعية والمتاحة لك، ومن الخطأ الجسيم أن نحدد السعادة بالأمور المادية فقط.

ولو دققنا في ديننا العظيم نجد السعادة لا تشمل الجوانب المادية فقط، وإن كانت ذات أثر إيجابي على الإنسان، إلا أن الإسلام جمع بين المادة والنفس، أو المعنوية والروحية؛ لأن الإسلام يشمل في السعادة مرحلتين؛ الأولى: المرحلة الدنيوية، والثانية: السعادة في الآخرة، ولا شك الآخرة هي السعادة الدائمة خلوداً ونعيماً ورضا من الله تعالى، قال تعالى جامع السعادتين: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل: 30).

لعل الكثير منا يتساءل: كيف أحصل على السعادة؟

لا شك أن الإنسان يسعى لهذه السعادة كما ذكرنا بداية، ولا شك هذا الإنسان يسعى في بذل الأسباب لنيل هذه السعادة، والبعض يصيب بالأسباب والبعض يخطئ، وغالب من يخطئ من أهل السعي للسعادة على أن تكون من خارج الذات وأنفسهم، أما المصيب هو الذي يجيد صناعة السعادة من داخله، وهي ظاهرة بقول الله تعالى بالحياة الطيبة دنيا وآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).

والأصل أن الحياة السعيدة هي لأهل الإيمان والعمل الخيري والعمل الصالح العاملين بالإحسان للآخرين قولاً وعملاً وتصرفاً، والعمل الخيري للآخرين يشمل كل الإنسان بأعراقه وأديانه في الدنيا، وقمة السعادة، كما ذكرنا، الإحسان للآخرين، وإشغال النفس والفكر والتفكير في عمل أو علم من العلوم النافعة دنيا وآخرة، فإن هذا العمل أو العلم يشغل النفس والقلب عن الالتفات إلى كل ما هو سلبي يؤذي النفس، ويكوّن ويؤصل فيها القلق والاكتئاب، ويشغل القلب -العمل- بالإنجاز الذي بين يديه وهو سعيد، وعند الإنجاز تكون السعادة أكثر وأكثر، ولا يعني هذا أن الإنسان الذي يعمل في رضا الله تعالى لن تمر عليه المنغصات من قلقل وضيق وما شابه، ولكنه يعلم بفضل الله تعالى عليه، وهذا الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبت لأمر المؤمن أن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له”.

نعم، فهو شاكر في السراء ومأجور، وصابر مأجور في الضراء، والحمد لله رب العالمين.

نختم بما قاله البارودي:

ولا تبتئس من محنة ساقها القضا           إليك فكم بؤس تلاه نعيم

فقد تورقُ الأشجار بعد ذبوله                ويخضرّ ساق النبت وهو هشيم

Exit mobile version