اليهود العنصر الدخيل!

تعتبر خيبر -ولا تزال منذ عصور قديمة- واحة واسعة ذات تربة خصبة وذات عيون، وتربتها تصلح لزراعة الحبوب والفواكه على اختلاف أنواعها.

وتقع خيبر في الشمال الشرقي للمدينة المنورة على بعد حوالي سبعين ميلاً منها.

أما صلة بني إسرائيل بمنطقة خيبر، فهناك اختلاف بين المؤرخين في الوقت الذي اتصل فيه العنصر الدخيل بخيبر، وذلك على أقوال متعددة، منها:

– إن الوجود اليهودي الدخيل في خيبر يعود إلى التاريخ الذي استوطن فيه اليهود منطقة يثرب بعد وفاة موسى عليه السلام.

– إن الوجود اليهودي في خيبر لم يكن إلا بعد الميلاد بحوالي ثمانين سنة.

– إن يهود خيبر ليسوا من بني إسرائيل، وإنما هم من أبناء العرب الذين دانوا باليهودية، وقد ذكر ابن إسحاق (كما رواه عنه ابن هشام) أن عائلة مرحب فارس خيبر المشهور الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو من قبيلة حمير.

– إن صلة بني إسرائيل بخيبر ويثرب إنما كانت في عهد نبي الله داود (أي: بعد موسى، وقبل المسيح) عليهم السلام(1).

– “وذكر بعض المؤرخين أن سبب نزول اليهود خيبر والحجاز هو أن بعض علمائهم كانوا يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة، فلما رأوا “تيماء” وفيها النخل، نزلها طائفة منهم، وظن طائفة أنها “خيبر” فنزلوها، ومضى أشرافهم وأكثرهم إلى “يثرب” فنزلوها واستوطنوها”(2).

– “.. فإن المجتمع عليه عند جميع المؤرخين (إسلاميين وأجانب) أن اليهود في خيبر ويثرب وباقي المناطق هم أجانب دخلاء مستعمرون لا تربطهم بأي من سكان هذه المناطق في جزيرة العرب أي رابطة من لغة أو دين أو دم، وإنما هم غزاة، أو لاجئون سيطروا على خيبر ويثرب وباقي المناطق في غفلة من الزمن، وفي وقت كان العرب الوثنيون فيه تمزقهم روح الجاهلية القبلية الضيقة التي ساهم وجودها وتحكمها في المجتمع العربي في التمكين لهؤلاء اليهود الدخلاء في هذه المناطق من جزيرة العرب، الذين زادوا المجتمعات العربية فساداً على فساد، كما هي طبيعة العنصر اليهودي الذي لا يكون له نفوذ في أرض إلا وأشاع فيها الفساد وبذر بذور الشحناء وأشعل نيران التفرقة والتخاصم بين أهلها.

وقد ظل العنصر اليهودي الدخيل هذا شأنه منذ استوطن خيبر وباقي الأجزاء الأخرى من الجزيرة العربية حتى اقتلع النبي صلى الله عليه وسلم جذور هذا العنصر نهائياً بالعمليات الحربية التي قام بها في خيبر وباقي النقاط الأخرى التي كانت واقعة تحت سلطان اليهود المحتلين”(3).

إن كسر شوكة يهود خيبر وإخماد نيران حربهم ليس بالأمر السهل الهين!

وموقع خيبر المزود بالقلاع والحصون والجبال يجعلها تستعصي على المحاربين والفاتحين، واستخدام اليهود لسلاح المنجنيق يجعلهم في كفة القوة والمنعة، ومع هذا كله لم يستطيعوا تحمل ضربات وهجوم وجهاد المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزلزلت حصونهم واندكت جبالهم ووهنت قوتهم وضعفت قلاعهم وخارت قوتهم ومعنوياتهم.

“ويوضح د. طارق السويدان أن يهود خيبر كانوا مقتنعين بأنهم في منعة وقوة تحميانهم من هجوم المسلمين، لأن هذه الحصون السبعة لا يوجد لها مثيل في جزيرة العرب.

بدأ المسلمون هجومهم بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على حصن منيع، يُسمى حصنَ ناعم، وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الإستراتيجي، دعاهم إلى الاستسلام، لكنهم رفضوا، وأصروا على المواجهة.

ودار قتال مرير حول الحصن، قتل فيه عدد من اليهود، فانهارت مقاومتُهم، واقتحم المسلمون هذا الحصن‏، ثم هاجموا بقيادة الحُبَابِ بنِ المنذر الحصن الثاني، وكان يسمى حِصْنَ الصعب، وفرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث استسلم اليهود فيه، فوجده المسلمون مليئاً بالمواد التموينية والأسلحة، بما فيها عدد من المجانيق.

هرب اليهود بعد سقوط هذين الحصنين إلى موقع عالٍ يسمى قلعة الزبير، فحاصره المسلمون ثلاثة أيام، ثم جاء من يخبر الرسول أن هناك مَوْرِداً سِرِّياً يزود الحصن بالماء، فطلب الرسول قطعه، ثم خرج اليهود وقاتلوا قتالاً شديداً، قُتل فيه نفر من المسلمين، ثم سقطت هذه القلعة، وانتقل القتال إلى قلعة أُبَيّ، إلى أن سقطت، فتسلل اليهود إلى حصن النزار الذي يقع على جبل مرتفع، وهو آخر حصن في الشطر الأول، وقد تحصن فيه اليهود، واستخدموا النبال، وحجارة المجانيق ضد المسلمين‏،‏ وعندها أمر النبي صلى الله عليه وسلم باستخدام المجانيق التي غنموها من الحصون الأولى، فأوقعت خللاً في جدران الحصن، فاقتحمه المسلمون، ودار قتال مرير انهزم فيه اليهود، وفروا تاركين عائلاتهم‏،‏ وبذلك تم فتحُ الشطرِ الأول من خيبر.

تسلل اليهود إلى الشطر الثاني، ففرض المسلمون عليه حصاراً دام 14 يوماً، وقبل أن يأمر الرسول بقصفه بالمجانيق، طلب اليهود الصلح والتفاوض، وتم ذلك على شرط أن يخلوا ما بقي من حصونهم ويغادروها من دون سلاح ولا مال، وبذلك سقطت خيبرُ كلُّها، وغنم المسلمون منها مغانم كبيرة، وفي هذه المعارك قُتل 16 رجلاً من المسلمين، مقابل 93 من اليهود‏”(4).

ومع مشاهد قادمة في ظلال خيبر، بإذن الله تعالى.. والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

_____________________________________________

(1) محمد أحمد باشميل، مجموعة الغزوات الكبرى، بتصرف.

(2) المرجع السابق.

(3) المرجع السابق.

‏(4) https://www.alarabiya.net/ar.

(*) إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.

 

Exit mobile version