كيف نفهم الوطنية وحب الوطن؟

 

الوطنية مشتقة من الكلمة الأصل “الوطن”، والوطنية حينما ننظر لها بدقة نراها في الأصل الانتماء لهذا الوطن أو ذاك، وهي قطعة الأرض التي يسكنها الإنسان وينشأ فيها، ويسكنها أيضاً معه كثير من المخلوقات والدواب والأفاعي والغزلان والوحوش أحياناً، فجميعهم في وطن أو بالأحرى جميعها كمخلوقات تقيم على قطعة الأرض هذه التي حددتها حدود الإنسان لتكون موطناً أو وطناً.

نعم وطن للإنسان ولغيره، إلا أن الإنسان يجب أن يعيش في هذا الوطن بحال مختلفة عن بقية المخلوقات، يجب عليه أن يعيش بنظافة وتطور أو تطوير الحال من الأسوأ إلى السيئ، ومن ثم من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن؛ سكناً وتطويراً ونظافة، ليكون الإنسان إنساناً يختلف عن غيره من المخلوقات على هذه الأرض أو تلك.. وفي الختام سنرى الخلاصة التي نعني بها بدقة.

أيضاً من الوطنية الراقية الحق أن نحترم القانون والواقع الاجتماعي لكل مَنْ على الوطن، حيث يحترم كل منا الآخر، وإن اختلفت الأعراق والأديان والأجناس، فلا بد من حُسن التعايش وطنياً، إذا جاز التعبير، وذلك ضمن مواد القانون والدستور المتفق عليها لعدم تأجيج الفتن وإغلاق أبواب الفتنة في وجه أهل الفتن، وأهل العنصرية من الأغبياء أصحاب التمايز الاجتماعي، وخير من اهتم بذلك وحرص عليه هو الدستور الشرعي الإسلامي المكون بالأصل بمواده من الكتاب والسُّنة والإجماع.

ليس غريباً حب الأرض، وحب مكان المولد والنشأة بالنسبة للمخاليق عموماً وهذه فطرة، ولكن على رأس المخلوقات الإنسان الذي وصف بالعقل وبذي الألباب، وعلى رأس هذه الإنسانية المسلمون، وعلى رأس المسلمين سيد العالمين والمرسلين صلى الله عليه وسلم القائل يوم رحيله من موطنه الذي ولد ونشأ فيه مكة المكرمة، قوله صلوات الله وسلامه عليه في مكة: “ما أطيبك من بلد، وما أجبّكَ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأصل للإنسان الحرية، والإنسان إذا لم يملك الحرية فلا يمكن أن يكون بشراً له رأي وفكر ودعوة لله تعالى من أجل إصلاح الوطن وإصلاح الأحوال، فلذلك اختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحرية وقدمها على وطنه الأصلي؛ لأنها منبت الدعوة (الحرية).

فبالحرية التي وجدها في المدينة كانت هي النواة العظيمة لجميع الدول الإسلامية العظيمة، من دولة النبوة إلى الدولة العثمانية الأخيرة وبقاء الإسلام حتى قيام الساعة، وهذه الحرية حث عليها تعالى في كتابه للبحث عنها، وذلك ضمن قوله تعالى: (قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) (النساء: 97)، وهذه الآية تحمل الكثير من المضامين التي تعني أن الحرية هي أصل الحركة والفكر والدعوة.

ما قدمناه عبارة عن مقدمة أصولية، إذا جاز التعبير، لبيان ما نعنيه في العنوان بالوطنية.

لا شك الوطن الأصل فيه هو إحساس المواطن انتماءً للأرض التي وجد فيها ونشأ، والمجتمع الذي نشأ بينه بطيوفه المتنوعة، الذي يعيش فيه، ومن ثم إحساس الانتماء هذا يكوّن لدى الإنسان أموراً ووسائل للدفاع عن هذا الوطن للمحافظة على مكتسباته الفكرية، والنظافة المعنوية والمادية ومن ثم الأصل ضمان الحرية والحقوق، وذلك من خلال تطبيق القانون المتفق عليه، وأرقى هذه القوانين هو الدستور المنبثق من الدين الإسلامي العظيم الكتاب والسُّنة.

الخلاصة: الوطنية ليست التغني في الماضين فقط والأناشيد والأغاني والمديح.. لا يمنع من هذا كوسائل تعزز هذا الأمر، ولكن مهما كانت هذه الوطنية التي يتغنى بها البعض ومن ثم وهو يسير في سيارته فيلقي علبة الدخان في الشارع، فهذا لا يمكن أن أقبله أنه رجل أو إنسان يحب وطنه، وأنه مخلص في خدمة وطنه، ولا أراه إلا كاذباً في ادعائه الوطنية وحب الوطن والأرض كإنسان، فحبه هذا ليس حب إنسان لأرضه، ولكن حبه للأرض كحب أي مخلوق فيها وُجد من دواب وخنافس ووحوش أو غيرها! لا حب إنسان ميَّزه الله بإنسانيته وعقله، ومن ثم حبه لوطنه كإنسان، فهو يحبه فطرة كأي مخلوق لا كإنسان يعمر أوطاناً ويصلحها للمستقبل والأجيال.

 

 

___________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version