لا تحزن.. إنهم الشهداء!

لا تحزن، إنهم منارات في دياجير الظلم والظلام!

لا تحزن، إنهم يجددون لهذه الأمة مجدها وعزها وسؤددها!

لا تحزن، إنهم يفضحون الطغاة ويعرُّونهم فيتعرف الناس على الشهيد ودعوته ومبادئه ويعرفون الطاغية الظالم وتاريخه المُخزي!

لا تحزن، إنهم يقدمون للناس والأجيال نماذج قيم مشاهدة ومتحركة لأناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه!

لا تحزن، فالشهداء مصدر إلهام وقوة إعلام لكل من أراد أن يعيش لفكرة الخير وعمل الخير ودعوة الخير!

إن الشهداء ليتمنَّوْن الشهادة وهم عند الله تعالى!

سَأَلْنَا عَبْدَاللهِ عن هذِه الآيَةِ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169)، قال صلى الله عليه وسلم: «يُؤتَى بالرَّجلِ من أَهْلِ الجنَّةِ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا ابنَ آدمَ، كيفَ وجدتَ منزلَكَ؟ فيقولُ: أي ربِّ خيرَ منزلٍ، فيقولُ: سَل وتَمنَّ، فيقولُ: أسألُكَ أن تردَّني إلى الدُّنيا فأُقتَلَ في سبيلِكِ عشرَ مرَّاتٍ، لما يَرى من فضلِ الشَّهادةِ» (صحيح النسائي).

دار الشهداء أحسن دار!

قال صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيانِي، فَصَعِدا بي الشَّجَرَةَ فأدْخَلانِي داراً هي أحْسَنُ وأَفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْها، قالا: أمَّا هذِه الدَّارُ فَدارُ الشُّهَداءِ» (صحيح البخاري).

إن الشهداء يسطرون معاني وقيماً تعجز الأقلام عن كتابتها ولا تتحمل الكتب متابعتها!

بل إن شهيد الإسلام سيد قطب -رحمه الله تعالى- ليقرر أن الشهداء حازوا الأوسمة التالية: الانتصار، الارتفاع، التحرر، الانطلاق؛ لأن الله اختارهم فكرمهم؛ فيقول: «إن الناس جميعاً يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق.. إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضاً، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال!

لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم! وكم كانت البشرية كلها تخسر! كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد!».

نقول للشهداء:

طبتم وطاب محياكم ومماتكم..

لقد عشتم كباراً ومتم كباراً..

لقد عشتم لفكرة ودين ومتم لفكرة ودين ونهج مستقيم..

لقد كانت حياتكم نظاماً والتزاماً متبعين رسولاً وإماماً ملتزمين إسلاماً وأحكاماً..

ورحلتم شهوداً للحق وقياماً وأئمة صدق..

لم تخونوا عهداً وذماماً..

مناقب وفضائل:

هذه المناقب العظيمة للشهداء جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتمنى الشهادة في سبيله؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا أَنْ يَشُقَّ عَلَى المُسلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلَ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

وَمِنْ فَضَائِلِ الشُّهَدَاءِ: أَنَّ اللهَ بَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ، قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 111).

لقد تعطرت حياتهم بطيب الصدق والإخلاص والأمانة والتقوى، وها هو دمهم مضمخ بالطيب والمسك! فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» (صحيح البخاري).

إنهم الصادقون في أمنيتهم التي كانوا يصدحون فيها: «والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهادَةَ بصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ علَى فِراشِهِ» (صحيح مسلم).

لقد أكرم الشهداء أمتهم بجهدهم وجهادهم وثباتهم وتحملهم، وكذلك يكرمهم الله ذو الجلال والإكرام بعظيم العطاء والإكرام، منه:

– تخفيف ألم الشهادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مَسَّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسَّ الْقَرْصَةِ» (أخرجه أحمد، والنسائي، وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه).

– الجنة تنتظره بعد الشهادة؛ أخرج البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ يَوْمَ «أُحُدٍ»: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»؛ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

– يُغفر له ذنبه؛ صحح الحاكم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن».

– يُزوج من الحور العين قبل أن تجف دماؤه؛ أخرج ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ (يعني مرضعتين) أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِي بَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ، وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».

– تظله الملائكة بأجنحتها؛ أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لَمَّا قُتِلَ أَبِي (يعني في غزوة «أُحُد») جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ الله عليه وسلم: «تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».

– يأمن فتنة القبر؛ صحح الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله الله عليه وسلم: «مَنْ لَقِيَ فَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَغْلِبَ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ».

– يكلمه ربه كفاحاً بلا واسطة؛ أخرج الترمذي وحسَّنه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً؟»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ «أُحُدٍ» وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً، قَالَ: «أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِي اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَداً قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحاً، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ»، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً)».

– أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة؛ وقد أخرج أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله الله عليه وسلم: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ؛ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا..} (إِلَى آخِرِ الآيَةِ)».

– من السابقين الأولين في دخول الجنة؛ أخرج الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله الله عليه وسلم: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ».

إلى أم الشهيد وزوج الشهيد وأهله وذويه وإخوانه ومحبيه، هنيئاً لكم هذه الكرامات، تعالوا رددوا معي:

لا تقولو لقد فقدنا الشهيدا

مذ طواه الثرى وحيداً فريدا

أنا ما مت فالمـلائك حولي

عند ربي بعثت خلقاً جديدا

فاصنعوا اليوم من شموخي نشيدا

إن دفق الدماء عبر الجراح

يبعث النور في جبين الصباح

ودمي راية الشهادة تعلو

قد أظلـت سماءنا بوشــاح

سوف يطوي الطغاة في كل ساح

قد سما النسر فوق شم الجبال

ومضى يرتقي صروح المـعالي

وإذا البغي في الظلام تمادى

واجـه البغي فوق حد المضال

بلظى الموت والردى لا يبالي

أنا للــه قد نذرت حيـاتي

وسألت الله حســن الثبـاتي

فإذا ضمخت الدمائي صدري

واحتواني الثرى وضم رفاتي

فاذكروني إخوتي في الصلاة

والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version