وسائل التواصل الاجتماعي وأمراض القلوب.. خطوات واقعية للنجاة

نهتم جميعاً بزيادة رصيدنا من صحة الجسد، ونسعى بجدية للوقاية من الأمراض، وقد يغيب عنا حماية النفس ومن نحب من أمراض القلوب التي تتسلل وتحتلها، وتزايدت فرص تمكن هذه الأمراض مع انتشار وسائل التواصل عبر الإنترنت التي أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله.

المرض يسبب بالضعف ويمنع العضو المصاب من القيام بوظائفه على أفضل وجه، ويلحق به الضرر وينتقص من قوته، ويقال: قلب مريض أي ناقص الدين.

نسعى جميعاً للفوز بالقلب السليم الخالي من الشوائب، ولا يوجد قلب لا تزوره شوائب، وواجبنا تجاه أنفسنا الانتباه والمسارعة بطردها وعدم السماح لها بالإقامة أو خيانة النفس بتبريرها.

ولنتدبر حديث رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”، وأشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى صدره الشريف ثلاث مرات، وقال: “التقوى ها هنا”.

ضاعفت وسائل التواصل من الاختلاط بين الناس وزادت المقارنات بين النفس والآخرين، وفتحت الأبواب بشراسة أمام العُجْب والشعور بأن الإنسان أفضل من غيره، ليس بالمال أو الجاه أو المزايا الشخصية الخاصة بالمظهر فقط، ولكن بالأسوأ وهو أنه أفضل فلم يرتكب -حتى اللحظة- ما يفعله غيره من أخطاء.

ضاعفت وسائل التواصل من الاختلاط بين الناس وزادت المقارنات بين النفس والآخرين، وفتحت الأبواب بشراسة أمام العُجْب

احذر الفخ

من يرغب بحماية قلبه فلينتبه فوراً، فالله وحده صاحب الفضل الأول والأخير في نجاته من الوقوع بالخطايا، وليذكّر نفسه بالآية الكريمة: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) (النحل: 53)، وليسجد شكرًا بخضوع وخشوع للخالق عز وجل الوهاب الستار، وليدعُ للمخطئين بالتوبة وليذكر نفسه بمن يفضلونه بالتدين، وكما يسعى ليكون أفضل بالدنيا، فليهتم بزيادة نصيبه دينيًا، وليصُن قلبه ويتبرأ من حوله وقوته ويتأدب مع الله فسبحانه وحده العاطي، ولا يقع في فخ قارون الذي سمح للعُجْب بافتراسه، وقال قولته الآثمة: “إنما أوتيته على علم عندي”.

ومن آفات وسائل التواصل التفاخر بالممتلكات ونشر الصور والأخبار التي تثبت أفضلية صاحبها، ولا شيء يهلك القلب كالتفاخر الذي يحرض ضعاف النفوس على الحسد والحقد، وقد يصل الأمر للسخط على أرزاقهم، ويدخل المتفاخر بمنافسة مع بعض أقرانه لإبراز ممتلكاتهم، ويستنزفون أنفسهم نفسيًا وذهنيًا وصحيًا وما كان أغناهم عن ذلك، لو صانوا قلوبهم واهتموا بطرد التفاخر منها وزرعوا بدلاً منه الشكر للوهاب والتواضع للأقل حظوظاً بالحياة وسارعوا بالتعاون والتراحم وتدبر الحديث الشريف: “الله في عون العبد ما كان في عون أخيه”.

الأسوأ والأخطر

من أمراض القلوب التي زادتها وسائل التواصل بضراوة مرض حب الظهور والإفراط بالتواجد عليها هذه بالكلمة والصورة وأحياناً بالبث المباشر؛ وما يتبع ذلك من الحديث عن النفس وعن التفاصيل الشخصية واستباحتها للآخرين والتورط فيما يقلل من شأن صاحبها من أقوال وأفعال للفوز بأكبر كم من الإعجاب والمتابعة، ولا يدرك أنه يشتري بنشر خصوصياته ثمنًا قليلًا من إعجاب ظاهري وكثيراً ما يخفي السخرية ويجعله مادة للنميمة وللقيل والقال.

ونصل لأسوأ أمراض القلوب؛ وهو النفاق الذي توحش مع وسائل التواصل، فنجد كلمات الإعجاب التي تتدفق بغزارة على كلام عادي، وأحياناً على حكايات تخاصم العقل، وإشادة بصور حواء وتشجيع لها على نشرها مما يخاصم التربية الدينية التي توصي حواء بالحياء وتطالب الرجال بغض البصر، ويجب تنشئة البنات منذ صغرهن على رفض نشر صورهن وعدم تقليد صديقاتهن وإغلاق أبواب الفتن.

يقضي الكثيرون -من الجنسين- أوقاتاً طويلة على وسائل التواصل، وفي ذلك خطر كثرة المخالطة والتعارف المرفوض بين الجنسين، وفتح الباب لأخطر أمراض القلوب؛ وهو الاستسلام للشهوات وتبريرها وزرع الشعور بالحرمان داخل العقول والقلوب فيصعب على البعض حماية النفس من الوقوع بالخطأ، ونجد -من الجنسين- من يخدع نفسه بالقول: أستطيع التحكم بنفسي ولن أقع بالفتن أو التجاوز بالتعامل مع الجنس الآخر ويتمادى فيوهم نفسه بأنه إذا وقع بالفتن فسيسارع بالخروج منها وهو أقوى، وهذا من خدع إبليس اللعين، فلا أحد يقول: سأهمل بالوقاية من الأمراض الجسدية ولن أمرض، أو سألقي نفسي بمكان موبوء وإذا مرضت سأتعالج وستكون صحتي أقوى، وأمراض القلوب أخطر لأنها -والعياذ بالله- تحرمنا من رضا الله وتسرق منا الفوز بالدارين، فلن يهنأ من يلقي بنفسه بها بالسلام والفلاح بالدنيا، وسيضع عذابه بالآخرة بيديه.

من آفات وسائل التواصل التفاخر بالممتلكات ونشر الصور والأخبار التي تثبت أفضلية صاحبها، ولا شيء يهلك القلب كالتفاخر الذي يحرض ضعاف النفوس على الحسد والحقد

ظلم النفس

يعرض نفسه من يقضي أوقاتاً طويلة على وسائل التواصل للإصابة بمرض الغفلة؛ فالقلب الغافل عما يفيده، يضعف إرادة صاحبه ويصيبها بالوهن -دون أن يدري- فيجعله يرى ما يفيده دينيًا ودنيويًا صعبًا أو يمكن تأجيله ويصيبه بالترهل الذي يشبه الرمال الناعمة؛ فكلما نتأخر بالقفز بعيداً عنها تلتهمنا.

من الغفلة والنفاق كثرة كتابة المنشورات الدينية التي تدعو الناس للفضائل وتناسي أن صاحبها لا يفعلها ويتقبل مديح الناس له وكأنه يداوم عليها، ويتمادى بظلم نفسه؛ فيتوقف عن مراقبة نفسه ليزيد من حسناته وليقلل من ذنوبه بمثابرة ويقظة ويمنع سيطرة الدنيا عليه، ولا يجعل نصب عينيه الفوز بإعجاب المتابعين له على حساب التفريط بدينه.

وكلنا نعرف البعض ممن تغيرت حياتهم للأسوأ بعد انهماكهم بإرضاء متابعيهم ونوصي بترتيب أولوياتنا وملء قلوبنا بنور السعي لإرضاء الله عز وجل وحده، ونثق أن ما يخالف ذلك هو إلقاء بقلوبنا في التهلكة، فالخالق سبحانه وتعالى يطّلع على قلوبنا دوماً.

ونحذر من نشر تفاصيل العبادات وأعمال الخير على وسائل التواصل، فذلك يدخل بشبهة الرياء، ولا مجال للحديث أن ذلك سيشجع الغير على ذلك، فمن يريد التشجيع لا يحتاج لذكر ما يفعله شخصياً، ويكفي تذكير الآخرين بفضل وأهمية هذه العبادات.

مراقبة وتطهير

من أمراض القلوب الحسد والحقد، وتزداد عند الإكثار من متابعة وسائل التواصل وتصديق كل ما يُنشر عليها، وتناسي أن السعداء حقاً لا يتحدثون عن ذلك، والبعض يتفنن في المبالغة بإظهار سعادته ونجاحه غير المسبوق ليفوز بالاهتمام والمتابعة وأحياناً لمداراة شعوره بالنقص.

من الغفلة والنفاق كثرة كتابة المنشورات الدينية التي تدعو الناس للفضائل وتناسي أن صاحبها لا يفعلها ويتقبل مديح الناس له وكأنه يداوم عليها

والحسد سوء أدب مع الخالق واعتراض على مشيئته عز وجل، ولنتذكر أهمية الدعاء بالخير والبركة لمن نرى نعم الله عليهم لنحمي أنفسنا من الحسد الذي يؤذي صاحبه دينيًا ودنيويًا؛ والأولى معروفة والثانية الحاسد لا يرضى بما لديه -مهما كثر- ويغذي داخله الشعور بالحسرة والمرارة فيصل للسخط الذي يدمر حياته ويحرمه من رضا الله، ويجب التخلص من أي بذور للحسد والمسارعة باقتلاعها أولاً بأول، فالتأخر سيكلفه ما لا يطيق.

ونصل لقسوة القلب وما يتبعها من قطع لصلة الأرحام التي تأثرت بسبب وسائل التواصل واكتفاء البعض بالتواصل من خلالها وتراجع الزيارات العائلية والمكالمات الهاتفية وما يتبعه من جفاء وأحياناً سوء الظن بسبب تفسير البعض لمنشورات.

ولمنع القسوة وكل أمراض القلوب؛ فلنحدد أوقاتًا قليلة لوسائل التواصل ونمنع تأثيرها السلبي على العبادات ومتابعة خططنا لتحسين جوانب حياتنا والسعي لتحويلها لواقع بعد الاستعانة بالله سبحانه وطرد التكاسل والتنبه لأفعالنا وأقوالنا، فإذا اكتشفنا أننا أصبحنا نقبل ونفعل بما كنا نرفضه دينياً فنسارع بالتوقف عنه ولا نبرره.

ومن أمراض القلب حب الجدال والتعصب للرأي ولو بمخاصمة الصواب والحق؛ وكأن الاعتراف بالخطأ يمس بكرامة صاحبه، وزادت وسائل التواصل منه، والأذكى والأطهر للقلوب التراجع وطلب العلم من مراجعه الموثوق بها ومقاطعة المشككين بثوابت الدين طلباً للشهرة وللتواجد الأكبر على وسائل التواصل والتحذير منهم.

وسائل التواصل سلاح ذو حدين، وستكون لنا إن أخضعناها لتعاليم الدين وواظبنا على مراقبة قلوبنا وتطهيرها أولاً بأول، وستكون علينا إن خضعنا لها وسمحنا لها بإصابة قلوبنا بالأمراض، فلنستعن بالله دوماً ونحرص على اختيار النجاة والتمتع بمكاسب القلب السليم بالدارين، فوحده صاحب القلب السليم الذي يهنأ بالسلام وبالسكينة وبالرضا وبالنجاح والفلاح بالدنيا، ويهنأ برضا الله وبالجنة بالآخرة. 

Exit mobile version