كيف نجعل من القضية الفلسطينية منهاجاً لحياتنا؟ (2 – 2)

من المسلمات الضروري الإلمام بها أن القضية الفلسطينية إنما تخص الأمة العربية الإسلامية؛ وإن معركتها التي تدور أحد أبرز فصولها اليوم قضية تخص حياة ووجود واستقرار كل عربي مسلم في المقام الأول؛ فإنما يريد الصهاينة القضاء على العروبة التي فعَّلها الإسلام وانطلق بها لحضارة ارتاح العالم واستكان في أحضانها؛ وإنما يريد الصهاينة انتزاع هذا الدين واقتلاعه باجتثاث العرب وإبقائهم متخلفين يعانون الأزمات ولا يستطيعون نهضة أو تقدمًا فضلًا عن مجرد استقرار، لتستطيع “إسرائيل” البقاء وتستطيع أمريكا نيابة عن الحضارة الغربية حمايتها؛ ومن هنا جاء شعارهم “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”، وهو ما لا ينكرونه ويبدونه ويظهرونه حتى اليوم، وإن كانوا لا يتعجلون الأمر ويكتفون بالتحكم في أغلب الأراضي التي يحلمون بها من خلف الستار، دون الحكم المباشر الذي لن يمكنهم الله منه، خاصة في ظل كفاح إخواننا الفلسطينيين الذين لا يزودون أو يدافعون عن بلدهم ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، وهي مسؤولية عظيمة في حد ذاتها، وإنما يدافعون عن أراضي العروبة والإسلام وحلم عودة الحضارة الحانية التي تشمل العالم قريبًا بإذن الله، ولعل الله يأنس ويجد في نفوس مسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نسيانًا للقضية الفلسطينية ودور أهلها في الحفاظ على الأمة فتتجدد الأحداث الدامية لأبعاد وأسباب عدة من بينها تذكيرهم ودق ناقوس شديد لأخطار نسيانهم أهمية فلسطين في وجودهم وحياتهم ومستقبلهم.

ولعله من المناسب هنا التوقف لدى مفهوم يجب الفصل فيه بين الديانة اليهودية التي هي ديانة سماوية -يتخذ الإسلام منها موقفًا لما لحقها من تحريف- لكنه لا يعادي أهلها؛ وإنما هو يعادي الصهاينة الذين يتخذون من اليهودية ستارًا يحاربون من خلفه الإسلام والمسلمين، وخطورة الأمر تكمن في أن يهود فلسطين أغلب شبابهم من الجنسين في سن الاحتياط أي الاستدعاء للخدمة ومحاربة العرب المسلمين، ومن هنا يقع الإشكال على أرض الواقع.

كما ينبغي الإشارة إلى أن أهمية القضية الفلسطينية للعرب والمسلمين -في المقام الأول- لا ننفي أن القضية تخص كل أحرار وشرفاء العالم الذين يحبون تقدم وازدهار حياة جميع أفراد البشرية لكن هؤلاء، وإن أحبوا العدل والأمان للفلسطينيين، إلا أنهم لا يستطيعون تقديم تضحية أو حراكًا عمليًا لنصرة أشقائنا المضطهدين؛ وهكذا فإن خيطًا بين الإقرار لهؤلاء بالشكر والامتنان من ناحية وبين انتظار فعلًا عمليًا منهم فما بالنا بالمستفيدين من تأزم القضية تأجيلًا لنهضة الأمة؟!

أما الجانب الأكثر أهمية هنا فهو أن كتائب المقاومة الفلسطينية، خاصة “حماس” استطاعت أن تلقن العدو الصهيوني درسًا في الصمود والثبات أشد هذه المرة، رغم ما يقع عليهم، وعلى إخوانهم الفلسطينيين، من قصف وعدوان غاشم مؤسف ومسؤولية أدبية عنه، إلا أن الأهم في معارك الصمود الطويلة الممتدة هو الإقرار بأن هذه المعارك لا تحسم بين عشية أو ضحاها أو شهرًا أو سنة أو سنوات، وإنما هي معارك طويلة الأمد الخسارة فيها على قدر الثبات والتضحية، والأرواح تقدم سائغة بها عن رضا مقابل الحفاظ على ثوابت الأمة ومقدساتها، وفي سبيل الحفاظ يبذل الغالي والنفيس عن قناعة، وفي سبيل ذلك البذل تعمد “حماس” إلى تطوير إمكانياتها وملكاتها وقدراتها التقنية والبشرية معًا لكي تحافظ على تقدمها النوعي وتفوقها التكنولوجي في امتلاك وتوجيه الصواريخ المسيرة، وهي تقنية احتاجت تواصلًا مع كوادر متفوقة في أرجاء الوطن العربي والإسلامي؛ هذا بالإضافة للتفوق النوعي في مختلف المجالات التي تحتاجها “حماس” والفصائل الفلسطينية للثبات على المبدأ ومن قبل الدين والقتال عن عقيدة تدفع للثبات والتفوق على أهواء النفوس وحب الحياة وتقديم الروح فداء لمراد الله ودفاعًا عن أمته، وهذا ما دفع العالم والعدو الصهيوني للإقرار بتفوق “حماس” والفصائل النسبي النوعي غير المتوقع في هذا العدوان وثباتها وعدم تنازلها.

إن المتاح لجميع أفراد الأمة الآن هو استخلاص العبرة والعظة من موقف “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخير فيما يخص إحسان العمل وإتقانه والتفاني في تجويده حتى ليستشعر كل من أبناء الأمة أنه على ثغر لا ينبغي أن تؤتى الأمة من جانبه؛ سواء أكان موظفًا يستطيع خدمة الناس والتسهيل عليهم في مجال حياتي وتقديم الخدمة إليهم، بلا رغبة في اقتناص الراتب وحده، وإنما حرصًا على رضا الله وتجردًا من أهواء الذات وحب الراحة أولًا وضربًا للمثل في القدوة للشباب وغيرهم.

وحينما يستطيع المعلم في مدرسته وجامعته، والعالم في معمله ومركز بحوثه، والطبيب في مستشفاه وعيادته، والمهندس في مصنعه وتصميماته، والمفكر في كتاباته وتعليقاته، والأديب في شعره وقصصه، والصحفي في تقريره وتحقيقه ومقالاته.. حينما يكون الجميع على قدر المسؤولية مستشعرين عظم الهدف والغاية الساعين لتحقيقها متعالين على الإحن والضغائن والصغائر والمكايد والمصالح الشخصية المباشرة، حينها رويدًا فرويدًا يكون الجميع مؤهلين لنصرة أنفسهم من قبل دينهم وأمتهم ومنتظرين لأمر إلهي -ربما لا يخطر على بال أحدنا ولا يعرف كنهه ولا طريقه أو تفاصيله- وعبره نستطيع أو يستطيع أبناؤنا مواجهة العدو والانتصار لحضارة تسعد العدو قبل الصديق عند استقراراها وانتشارها وتأخذ بيد الجميع نحو غد مزهر، ولنتمثل في ذلك كله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ؛ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ” (رواه مسلم).

Exit mobile version