القدس واجب الوقت

مكانة القدس في نفوس أبناء الأمة كمكانة القلب من الجسد؛ فبحياة القدس تحيا الأمة، وإن نزف القلب خار الجسد وتعرض للانهيار؛ لذلك فإن القدس هي واجب الوقت، ولا بد من وقف النزف، وقد هب المقدسيون والفلسطينيون من الداخل المحتل ومن الضفة الغربية رجالا وركبانا لتلبية النفير لإنقاذ المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وتابع شرفاء الأمة وأحرارها هذا المشهد الرائع وقاموا بتغطية إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليقوموا بدور أجهزة إعلام بديلة عن تلك الأجهزة المتقاعسة عن أداء دورها المنشود، تابعنا جميعا تلك الحشود المباركة التي سمعت نداء القدس فلبت، ورأينا فزعة المقدسيين الرائعة ونخوتهم وشهامتهم في تفويت الفرصة على الاحتلال بعد قيامه بإغلاق الطرق الموصلة للقدس؛ فقد سيروا وسائل النقل المتاحة لديهم بالمئات لنقل أهلهم وإخوانهم للوصول إلى المسجد الأقصى، وكما كسر المقدسيون إرادة الاحتلال في هبة أبواب المسجد الأقصى: باب الرحمة والأسباط، وفي بوابة القدس في “هبة باب العامود” الآن يكسرون إرادة المحتل في هبة باب الواد مدخل القدس الكبرى، ولا عجب فالقدس واجب الوقت، والمقدسيون أهلٌ للواجب، وهم أصحاب الحق، قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}، أنتم مقذوفات الحق الرادعة، وكأن فيكم نزل قول الله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}.

إن العدو الصهيوني المحتل لا يفهم إلا لغة القوة، وقد تعامل معه المقدسيون باللغة التي يفهمها؛ فكانت الهبة الشعبية الكبرى والاعتكاف العظيم والاعتصام البطولي في “الشيخ جراح” لتفويت الفرصة على الاحتلال، وسرعان ما تعامل أهل الداخل باللغة ذاتها؛ فعندما منعتهم سلطات الاحتلال من الوصول بحافلاتهم إلى القدس قاموا بإغلاق الطريق الموازي الذي يؤدي إلى تل أبيب حتى رضخ الاحتلال، ورفعت غزة البطلة الصامدة صوتها بذات اللغة، فقامت بإرباك العدو على طول غلاف غزة، وهددت بضرب تل أبيب براجمات الصواريخ؛ لأنها القدس فإن واجب الوقت تركيز كل جهود الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية جمعاء نحوها؛ لتكون القدس بوصلة النضال والعمل حتى إفشال مخططات الاحتلال، ودحر العدوان بل وكنس الكيان المحتل إلى مزبلة التاريخ.

القدس تستصرخ نخوة المعتصم في أحرار الأمة، وهمة نور الدين، وبطولة عماد الدين، وإقدام صلاح الدين

تعيش القدس الآن بين حالتي الاستحضار والاستصراخ؛ فالقدس تستحضر روح الفاروق في المعتكفين المرابطين في ساحات المسجد الأقصى، تستحضر سيف الله المسلول في زعترة، وأمانة أبي عبيدة بن الجراح في حي الشيخ جراح، وبطولة ابن الصامت وشداد في أزقة القدس وحاراتها، تستحضر أرواح جنود الفتح العمري، والتحرير الصلاحي، في أبنائها الأفذاذ، الذين وقفوا كالأسود في مواجهة صلف اليهود، بصدورهم العامرة بالإيمان واليقين، بقبضات أيديهم وركلات أرجلهم ومضاء ألسنتهم، يواجهون جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، يدافعون عن شرف الأمة بأسرها.

والقدس تستصرخ نخوة المعتصم في أحرار الأمة، وهمة نور الدين، وبطولة عماد الدين، وإقدام صلاح الدين؛ فهل من ناصر ومجيب؟! والقدس تستغيث؛ فهل من مغيث؟

لكنّ نداء القدس لن يسمعه المطبعون المتخاذلون، الذين صدق فيهم قول ربنا عز وجل: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم}، وإن معركة القدس والمسجد الأقصى والشيخ جراح أحرجت المطبعين المتخاذلين وما يفعله أبطالنا في القدس هو رسالة إهانة لهم.

إن نداء القدس لا يسمعه ويلبيه إلا الأحرار الشرفاء، الذين صدق فيهم قول الله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} وقوله سبحانه: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الذين يفخرون بحب مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ويدافعون عن القبلة الأولى بجميع أسباب القوة المتاحة.

القدس خط أحمر تبذل من أجله الأرواح والمهج، والقدس شرف الأمة فلا قيمة للعيش بلا شرف، وإن الدفاع عن القدس شرف لن يناله إلا الأحرار.

 ونداؤنا إلى حكام العالم العربي والإسلامي أن استجيبوا لضمير شعوبكم، وانسجموا مع تطلعاتهم، وإلا فإن التاريخ لن يرحمكم، إن القدس تمثل فرصة ذهبية لكم إن أردتم الصدارة والرفعة والتأييد، وإلا فإن من خذلها فإن الأمة لن ترحمه.

يا أبطال أمتنا في كل مكان.. شدوا الرحال إلى مسجدكم الأقصى المبارك، شدوا رحالكم إلى بيت المقدس، وشدوا الرحال بالجهاد بأموالكم وأوقاتكم وأرواحكم لتطهير بيت المقدس من دنس المحتلين، حطموا الموانع، وارفعوا البيارق، وأيقظوا الهمم كي تبلغوا القمم.

إنها القدس.. ولأنها القدس فإنها تستحق منا البذل والعطاء، لا خوف بعد اليوم بل رجاء، وليكن لقاؤنا هناك على أرض الإسراء أرض الأنبياء.

وعلى الأحرار وحدهم السلام.

* عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين بالخارج.

Exit mobile version