الأصل التفاؤل

التفاؤل هو الوجه النقي المحبب الذي نواجه به التشاؤم والمتشائم، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.

التفاؤل هو الشعور، بل الخُلق الذي يجعل الإنسان منشرحاً يعمل بحب وإتقان لمستقبله بكل سعادة وسرور، فبالتفاؤل يُرفع الحزن والألم والضيق من الصدور، والتفاؤل كما هو معلوم لغةً يعني الاستبشار، وهذا الاستبشار كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعجبه، كما قال سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة”.

نعم يعجبه الفأل الحسن صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقابل للتفاؤل هو التشاؤم أو الطيرة، لأن الطيرة والتشاؤم ليس من حسن ظن العبد بربه، والعبد المؤمن حسن الإيمان مأمور بحسن الظن بالله تعالى، وقال سبحانه في الحديث القدسي: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي”.

الله وحده هو العالم بالأحداث والأقدار والحكمة منها، والخيرة ما اختاره الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى يحثنا دائماً على التفاؤل أو عدم التشاؤم، ولا أعلى وأقوى وأوضح بياناً من قصص سورة “الكهف” والأقدار التي عرضت فيها ومضامينها التي لا يعلم خيرها الخافي إلا الله تعالى رغم ظاهرها الخشن، وهي تفسير وبيان لقول الله تعالى: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: 19)، وقوله جل وعلا: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).

وعكس ذلك عدم الرضا بما قدره الله تعالى في حال المحنة، ومن ثم دخول الشيطان على الإنسان وتفكيره، والعمل على تفعيل التشاؤم في نفسيته ونفسه ومستقبله، يقول تعالى مبيناً خبث الشيطان الرجيم في ذلك: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 268)، ويقول الله تعالى مذكراً المتفائلين بقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح).

الشخص المتفائل لا يرى الحياة إلا بإيجابياتها في كل حال، وأي حال؛ لأنها في النهاية هي أقدار الله تعالى، والخير كله في أقداره جل وعلا.

فالشخص المتفائل المحنة يحولها منحة، والفشل تجربة وخبرة اكتسبها تزيد رصيده العلمي والمعرفي، وعند المرض يراها مغفرة للذنوب أو لذنب ما فعله، وهكذا هي الحياة، وعند النعم والرغد يجتهد لحمد الله تعالى وشكره والعمل بما أكرمه به بما يرضيه سبحانه وتعالى، فمثل هذا الإنسان المتفائل لا يرى، كما يقول أهل التجارب، إلا الماء الذي وضع في الإناء، ولا ينشغل في الجزء الفارغ من الكأس، بل يعمل بما هو متاح له، وما يملكه من ماء في الكأس واستغلاله الاستغلال الأفضل.

التفاؤل هو نظرتنا الإيجابية للحياة، والعكس التشاؤم نظرتنا السلبية لها وفيها، وكما يقول المتفائلون: المتفائل كالنحلة يدخل الخميلة ولا ينظر إلا إلى الزهور ورحيقها، والمتشائم لا ينظر إلا إلى الشوك والأوراق الجافة، أو كما ينظر الذباب والجعل إلى سماد الخميلة.

من التفاؤل حسن الظن في الله تعالى، والإكثار من هذا الدعاء الجميل الذي كان بعض أهل العلم والدعوة يدعون به: “اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك”.

وحسن الظن بالله أن يظن العبد بالله خيراً، وأن أقداره هي الخير كله، كما أسلفنا، وأن سورة “الكهف” خير بيان لذلك.

وحسن الظن بالله هو أرفع مقامات التفاؤل، كيف لا وأنت تدعو الله تعالى وقد أيقنت بالإجابة!

تعمل لله وأنت أيقنت الثواب والخير وما أعده الله تعالى للعاملين خيراً، وعند نزول البلاء أيقنت أنه المغفرة لذنب ما، وأيقنت أن الخيرة فيما اختاره الله تعالى، وأيقنت متفائلاً بحسن ظنك بالله، وأيقنت أن الله يتقبل عملك ويرفعه، ولك من الله مقابله الخير والمثوبة.

أخيراً، البعض يدعي أن كشف العدو ومخططاته ومتابعة أسلوبه الإجرامي لوضع المصدات له والمقاومة له ولأفكاره، أنه نوع من أنواع التشاؤم، وأنه ابتعاد عن التفاؤل، وذلك مثل كشف مخططات التنظيمات العالمية الإجرامية مثل الماسونية والصهيونية العالمية.

يجب أن نعلم أن هذا واجب شرعي، وواجب فطري فهم العدو، ويجب أن نعرف كيف يعمل لنكون على استعداد استباقاً، وذلك حث عليه الشرع والدين، ولا أعتقد أنه يوجد أوضح من قول الله تعالى في ذلك: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).

 

 

___________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version