من الكياسة حُسن الاختيار

لا شك أن الإنسان عموماً في هذه الحياة الدنيا التي خلق الله تعالى فيها الموت والحياة ليستشعر (الإنسان) أن هذه الحياة فيها ما هو مفيد للحياة، وما هو مفيد إلى ما بعد الحياة، وفيها ما هو مفيد للحياة هذه وما بعدها، ولا شك العكس مضر، والاعتماد على حسن الاختيار في ذلك؛ (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2).

ولا شك هناك ما هو جدير بالاختيار حسب رغبات الإنسان، وما يختاره حسب تربيته وثقافته وعقيدته وتجاربه وخبراته في الحياة، ولا شك هناك البدائل أيضاً في حال عدم وجود ما يحب اختياره ويتمناه الإنسان كرغبة واختيار أول، فلذلك.. هناك البدائل ليختارها الإنسان عموماً كبديل، والمسلم خصوصاً كبديل، لما هو مفقود بالنسبة للرغبة الإنسانية المسلمة، وهناك الاختيار الأذكى، وهذا ما أُطلِق عليه أنا شخصياً اسم “الاختيار الأذكى”، نعم وهو من حسن الاختيار، ودليل الحصافة والذكاء وحسن الفقه، وهذا ظاهر وبيّن في الرواية التي ينقلها لنا سيدنا عليّ رضي الله عنه، مبيناً كياسة المؤمن المسلم بقوله: “ليس الكيس الفطن من علم الحلال والحرام، الحلال بيّن والحرام بيّن، ولكن الكيس الفطن من علم الحسن والأحسن والسيئ والأسوأ”.

فالإنسان العاقل الحصيف دائماً يبحث عن الخيار الأصلح والأفضل، وإن كان لا بد اختيار الأقل ضرراً حسب المرحلة والوضع، وهو جزء مهم من فهم فقه المرحلة إذا جاز لي التعبير، فأحياناً القائد يكون أمام خيارين؛ الدمار السريع للعباد والبلاد باسم الإصلاح الشامل؛ وذلك لعدم قدرته باختيار الأحسن أو الحسن لقلة فقهه، وهناك من يفقه رواية الإمام عليّ رضي الله عنه ويحسن الاختيار، كما فعل ويفعل القائد البطل أردوغان، حفظه الله تعالى ورعاه، فيتمرحل ليصل إلى الأحسن، متجنباً “لا تنهَ عن منكر وتأتي بأكبر منه”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن التوجيه الإلهي للإنسان أو العبيد عموماً من الإنس والجن يحث على حسن الاختيار الأعلى حسناً وجمالاً قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر: 18).

نعم حسن الاختيار أصل في الدين والدعوة والحركة، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث حسن اختياره للعمل والدعوة والهجرة والتوقيت المناسب، نعم فحسن الاختيار تترتب عليه حسن النتائج مع حفظ المصالح، ها هو نبينا عليه الصلاة والسلام اختار المدينة كمهجر فكانت دولة الإسلام، واختار أبا بكر صاحباً للهجرة، واختاره ليصلي في الناس فكان الأفضل، وكما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما خُيّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن إثماً”.

بحسن الاختيار نتجنب سوء النتائج، فبحسن الاختيار تتلاشى المشكلات، سواء كانت في العمل الأسري أو مع الناس عموماً والدعوة إلى الله تعالى أو تحمل المسؤولية عموماً، نعم.. فالاختيار المدروس الذي يخرج من الإنسان عن تجارب ودراسة وفهم في الأصل والبدائل؛ فهذا لا تكون نتائجه إلا إيجابية، وهي إما حسن أو أحسن، وفي حال الغبش لا يكون الأسوأ.

من أكرم الاختيارات للإنسان! إن اختاره الله تعالى لعبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، فهذا من أعظم النعم؛ حيث اختيارنا من قبل الله تعالى لعبادته وتعظيمه جل جلاله، وهذه النعمة والفضيلة من الله تبارك وتعالى، واختياره لنا للعبادة بالاختيار؛ يحتم علينا أن نجتهد كل الاجتهاد في حسن الاختيار ولا نتعجل، لنكون أهلاً لهذا الاختيار الإلهي لنا، وألا تكون اختياراتنا إلا بما هو في رضا الله تعالى قولاً وصمتاً، وحركة وسكوناً، يتوافق تماماً مع ما يحب الله تعالى وما يريده، ولا يمكن أن يكون هناك بديل أفضل مما يُرضي الله تعالى ويحبه.

مع تداخل الحضارات والثقافات على بعضها أصبح البعض يصعب عليه الاختيار الأحسن أو الحسن، وذلك لتكاثر التداخلات الثقافية والمعرفية والحضارية، وأحياناً تعمد نثر الغبش بتقصد، فالله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم رحمنا، ويشفق علينا فبيّن لنا الطريق لنصل من خلاله إلى حسن الاختيار.

أولاً: الاستشارة.

ثانياً: الاستفادة من التجارب الشخصية وتجارب الآخرين.

ثالثاً: الحرص على رضا الله تعالى ما استطعنا.

رابعاً: تقوى الله (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) (البقرة: 282).

Exit mobile version