المستهزئ منحرف.. ويعذر الجاهل!

نعم، المستهزئ بدين الله تعالى وهو يعلم ذلك، يكون في وضع خطر كما قال الله تعالى، أما الجاهل في كثير من المواقف والمواقع يعذر ديناً وشرعاً، مع ضرورة وتأكيد وجوب البيان له فيما يجهل.

بداية، أيها القارئ الكريم، يجب أن نعلم أن هناك معرفة وجهلاً طبيعياً، فكلنا يجهل وكلنا يعلم!

نعم، كلنا يجهل من الأمور الكثير، وكلنا يعلم من الأمور الكثير، فأنا أعلم في علوم الفن والإعلام، وأنت تجهلها أو تجهل الكثير منها، وأنت تعلم في علوم اللغة مثلاً وأنا أجهلها، أو أجهل الكثير منها، فهذا ما أعنيه بداية بالجهل الطبيعي أو النسبي، الذي سيكون سبباً لتبادل المعلومة والثقافات عند العقلاء أهل الفطنة والكياسة، وهذا الجهل هو السبب الرئيس والأقوى لتحفيز العقل الإنساني المخلوق الناقص في سعيه للمعرفة بشكل دائم ومطرد بلا توقف سعياً للكمال، فكانت على إثر تلك الحركة، العلوم والحضارات والفنون.

نعم، هناك جهل بسيط إذا جاز التعبير، وهو الفهم في مسألة ما، فهماً عاماً بخطوطها العريضة أو الأعرض، وهناك الجهل المطلق أو أدق تعبيراً الجهل الطبيعي العفوي، وهو يشمل كل منا؛ حيث نجهل هنا ونعلم هناك، وهو الجهل الطبيعي كما أسلفنا، وأما الجهل المركب فهو الجهل الممقوت، الذي يترنح ما بين التعالي والغرور، والتذاكي والحقد، وبين والغل والحسد والاستهزاء، وبيع الذات والكيان والعقل لعلية القوم، وإن كان لدى مدعي الجهل وضوح علمي ومعرفي في المسألة، إلا أن الشيطان دخل عليه ليكون في أحد المواقع الخسيسة، “تجاهلاً للمقابل، حقداً، حسداً، غروراً وتعالياً وتعالماً، نفاقاً، كفراً!”، وإن كان من أكبر العلماء ومن أعلى مؤسساتها العلمية وهيئاتها، إلا أنه لا يخرج من الإطار السالف ذكراً بين القوسين نسأل الله السلامة والعفو والعافية.

نعم، هناك جهل مركب، أنا أجهل في هذا المجال أو ذاك إلا أنني أتحدت فيه بجهل لا لشيء، إلا بقصد نسف المقابل حقداً أو كرهاً، أو لشيء في نفس يعقوب كما نقول، ما أعنيه أن الجهل الذي يتطاول على المعرفة والعلم وعلى أهل الاختصاص هو مصنّع وبقصد، نعم مصنّع وبقصد، هذا هو الجهل المركب في تصوري، أو الجهل الشاذ جداً، المدموج مع الحقد والحسد، وهو أخطر أنواع الجهل، لأنه في الأصل لا يوجد هناك جهل في الأمر الذي يتحدث حوله الجاهل، ولكن غلب عليه الهوى والشهوة، وبيع الذات برخص التراب، فهذا هو الأخطر، وخصوصاً إذا ما كان هذا الجهل يميل به الجاهل إلى الصبغة الدينية، فهنا نرى فيه العجب، حيث سفك الدماء، وذهاب الكرامات، وسلب الأموال والحقوق المادية والمعنوية الإنسانية والحريات، وأخطر من هذا كله يتضمن هذا الجهل المصنّع الإساءة البشعة إلى دين الله تعالى وعدله، وهو الأصل والمحور في الأمر وأساس اللعبة القذرة.

العلم بالدين هو المنجي من الجهل بكل معنى الكلمة، فلذلك يسعى أهل الجهل المصنّع لتهميش الدين من أجل نشر الجهالة والجهل، نعم العلم بالدين المُنجي لا الزهد والدروشة، التي تُستغل اليوم من قبل أهل الجهل المصنّع من أجل إقصاء الدين وتشويهه، الزهد والدروشة تخص شخص الزاهد، ولا ينبغي لها أن تكون هذه الشخصية موجهة لغيرها إلا في أضيق الحدود، وقصة أو حديث التائب الذي قتل 99 نفساً خير دليل لبيان ذلك وخطورته على السائل والمجيب إن كان عابداً وليس عالماً.

أضرب مثالاً لأحد حاملي الجهل المصنّع من أهل الجهل المركب الخطير في تصوري، وهو الكاتب كامل النجار، يقول: الإسلام يزرع الجهل القبلي! ويستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”! هكذا يذكره مبتوراً!

السؤال: هل يعقل أن أصدق أو أعتقد في رجل مثل كامل النجار أنه لم يقرأ الحديث كاملاً ليكتمل المعنى المعنِيّ من الحديث حينما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً للمعنى والمقصود ضمناً.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”، فقال رجل: “يا رسول الله، أنصره مظلوماً، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: “تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره”.

هذه هي حقيقة الحقد على الدين والإسلام، الحقد يجعل الشيطان وخادم الشيطان، أن يختار بانتقائية ما يخدّم على حقده وحسده، وما يخدم على فتنته مستغلاً الجهل للمقابل، وأيضاً تحقيراً بمن يريده أو مريديه، وإنهم دون مستوى الاطلاع والثقافة، فيأتيهم بالمبتورات استصغاراً بعقولهم وثقافتهم كما فعل كامل النجار، رغم أنه يخاطب بالدرجة الأولى مريديه، ومع ذلك استهزأ بعقولهم وحقرها ببتر المعلومة!

هذا هو الجهل المركب الذي أسلفنا ذكره وهو الأخطر، حيث يشمل حامله أو حامل هذا الجهل، يحمل العلم لا شك، ولكن بالإضافة إلى الحقد والحسد، واستهجان المقابل، واستصغار عقله وعلمه، إضافة إلى إجادة اللعب على الزوايا العمياء في عقل المقابل وثقافته، وذلك كما يحاول كامل النجار بقصد الإساءة إلى الدين والإسلام بتقصد وحقد، كرهاً في الدين وأهل الدين.

أقول لهذا الكاتب وأمثاله، الذي في الأصل ينبغي له أن يكون في هامش المثقفين والمفكرين، نقول له ولأمثاله: ليس كل جاهل يعذر بجهله، وليس النظر والاجتهاد يأتي تحت مظلة الرأي المطلق والشهوة والهوى، فهناك الثابت، وهناك المتحرك الذي يحق لصاحب النظر أن ينظر فيه، ولا يحق للشيطان وأتباعه التلاعب ما بين الثابت والمتحرك ومن ثم خلط الأوراق على العوام ما بين المحكم والمتشابه، والثابت القطعي والمتحرك، واللعب على الزوايا العمياء للمقابل من أجل نصرة الهوى أو الشهوة أو لإشفاء الغليل حقداً وحسداً، كما أنه ليس من العقل والمنطق العلمي النقلي والعقلي، القول في ركن من أركان الإسلام مثلاً أنه سُنة، وليس فرضاً، وذلك كقول أحد أدعياء المشيخة من الأزهر الملقب بـ”ميزو” وقوله: إن صيام رمضان ليس فرضاً! فهذا لا يمكن أن يوصف أنه جهل، ولا يمكن أن يقبل من باب النظر، ولا يمكن أن تصنف هذه النوعيات من المخلوقات إلا تحت الآتي: “يبطن غير ما يظهر، وعابد لغير الله إلا أنه ينافق، يستهزئ على المقابل والمريد له واستهجانه، وعوناً للشيطان الرجيم وحقداً على ذرية آدم”، ولا سوى ذلك.

ذلك كما يقول أهل العلم والتخصص من الأمور التي تم بيانها كمصطلح علمي: “معلوم من الدين بالضرورة”، وكالذي يشرك بالله ويقول: لي وجهة نظر، فهذا لا يختلف عن نظر أهل الشرك الذين بينهم كتاب الله تعالى بقوله: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر: 3)، نعم ويتناسون قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام).

ويجب أن نعلم أن الجهل شيء والاستهزاء شيء آخر، فالجهل ممكن يعذر فيه الجاهل أحياناً كثيرة، بل حتى الكافر الجاهل لعله يعذر أحياناً مع ربه وبالشريعة، ولكن المستهزئ مع العلم خصوصاً والمعرفة، فهؤلاء لا نقول فيهم إلا ما قاله الله تعالى فيهم: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة: 66)، إنكم علمتم الحقيقة، وإن الإيمان هو الحق والحقيقة، ولكنكم تتبعتم خطوات الشيطان خطوة خطوة، فغم على عقولكم وبصركم وبصيرتكم الحقد والحسد والتذاكي والتعالم، فكنتم كما قال الله تعالى مبيناً أمركم وتآمركم بدقة وعمق، فقال: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان: 44).

 

_____________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version