الحب أم الضمان الاقتصادي؟

  إن الحب يسلبك بعض حريتك، نعم بل ويضيق مجال نشاطك الاجتماعي، ومن ثم فينبغي أن يحذر الانسان من أن يخنقه الحب ويعوقه عن أداء الواجب، ولهذا فإن عليه أن يحتفظ بأصدقائه، وأن يمنح نفسه الوقت الكافي للاسترخاء، فالحب وإن كان تجربة لذيذة إلا أنه إذا لم يعالج بحكمة أصبح مر المذاق.. على أن الحب مبدع السعادة والهناء، حقيق بكل ما يبذل في سبيل الظفر به والمحافظة عليه.

يقول دايل كارنيجي في كتابه (كيف تكسب الثروة والنجاح): إن الضمان الاقتصادي يمنح المرء الشعور بالراحة، هذا لا ريب فيه، وحسب المرء أن يحس أنه لن يقاسي آلام الجوع أو الكفاف، وأنه يحيا حياة مستقرة تكاد تكون أحسن من حياة الكثيرين، وأنه لن يعتمد على أولاده أو على منح الحكومة. مثل هذا الاحساس يكسب الانسان الثقة بنفسه والاطمئنان على حياته، إنه فرع من السعادة، وليس السعادة كلها، والضمان الاقتصادي أهم عند المرأة منه عند الرجل فإنه يمنحها الفرصة لأداء مهمتها في الحياة كزوجة وأم وربة منزل، وهي متعددة الجوانب وعسيرة على المرأة إذا لم تكن مقرونة بالضمان الاقتصادي.

فالزوج الصالح في نظر المرأة ليس أي رجل فهي لا تقدر الرجل الذي يعتمد على زوجته في كل شيء، والذي لا يحسب له حساب في الإرشاد وفي الحماية.  إن المرأة تحب أن يكون زوجها رجلاً قوي الشخصية، عطوفاً عظيم الأفق في فهمه للأمور، ناصحاً أميناً وصديقاً حميماً ومحباً ومغرماً مخلصاً وفياً، رجل تستطيع أن تعتمد عليه حقاً.

أما الذكور فيرون السعادة في المال والقوة والسلطة، إنهم بالتأكيد يقدرون الحب قدره، ويفخرون بزوجاتهم وأولادهم، ولكنهم أشد طموحاً وأبعد آمالاً من ذلك، إنهم يؤمنون إيماناً عميقاً أن المال يكسبهم السلطة على الآخرين في مختلف الأعمال وغيرها من ضروب الصلات الأخرى، فاذا ظفروا بالمال فإنهم يعتقدون أنهم نالوا السعادة المبتغاة.

 بيد أن الواقع الملموس الذي يستطيع الانسان أن يراه رأي العين في أكثر الحالات.. أن هذه الأهداف التي يرنو إليها الرجال ليست دائمة، والسعادة التي يجنيها الانسان من ورائها قصيرة العمر، وهي في كثير من الأحيان تنتهي بآلام وعزلة عن الناس.

على أن الذي تجدر ملاحظته أن كل الاهداف التي تعتبر من أسباب السعادة، فيما عدا الحب، هي أهداف مادية، وحتى الحب هو في أغلب حالاته شديد الأنانية. وسواء أكان الحب للزوج او الزوجة أو الآباء أو الأطفال أو أي شيء من هذا القبيل واختلط هذا الحب بطبيعة الملكية، فإنه يضيق مجال العاطفة حتى يصبح ذا طبيعة طاغية عنيفة عظيمة الخوف من فقدانه، كما يغير طبائع الإنسان فيوجد فيه الريب والشك وبذلك يقضي على الغاية منه.

     

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مستشار اقتصادي وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

للتواصل: zrommany3@gmail.com

 

Exit mobile version